محافظات تونسية تنسج على منوال الكامور وتعمق أزمة الحكومة

محتجون يدخلون في اعتصام مفتوح أمام حقل "طُمْ صْميدة" البترولي في محافظة القصرين.
الأربعاء 2020/11/18
مخرجات الكامور تشجع تونسيين على الاحتجاج

تونس – أخذت دائرة الاحتجاجات تتسع في تونس لتطول عدة محافظات يطالب أهاليها بالتنمية والتشغيل، معلنين رفضهم لإجراءات حكومة هشام المشيشي لمواجهة جائحة كورونا وتداعياتها.

ودخل عدد من أهالي محافظة القصرين الأربعاء في اعتصام مفتوح أمام حقل "طُمْ صْميدة" البترولي المتواجد بمعتمدية فريانة، مطالبين بالتنمية والتشغيل.

وتشهد المحافظة نفسها اعتصاما آخر مفتوحا في حقل "الدولاب" الذي تقوده مجموعة من متساكني منطقة العيون منذ الأحد.

واتجه الجيش التونسي الأحد الماضي إلى المحافظة لحماية حقل "الدولاب" وهو ثاني حقل نفطي تم اكتشافه في تاريخ تونس بعد حقل "البرمة"، بعد محاولة عدد من المحتجين غلق "الفانا".

ويحتوي حقل الدولاب بجبل سمامة على تسعة آبار، يشتغل فيها 6 حراس تابعين للغابات من أهالي المنطقة.

ويتم استغلال النفط من قبل شركة "سيرابت" والتي تستغل 19 بئرا بين منطقتي سمامة وفريانة، حيث يتم نقل النفط الخام عبر أنبوب تحت الأرض وصولا إلى الصخيرة (محافظة صفاقس) على مسافة 174 كم بواسطة الصهاريج ليعالج هناك.

وجاءت هذه الخطوات التصعيدية إثر إعلان الحكومة التونسية الأسبوع الماضي عن عقد اتفاق مع المحتجين في "الكامور" والخضوع لشروطهم ومطالبهم في التشغيل وإقرار مبلغ 80 مليون دينار تونسي (29 مليون دولار) لمصلحة صندوق الاستثمار بالمنطقة، بالإضافة إلى تعهدها بإيقاف المتابعات القضائية في حق من قادوا الاعتصام السلمي، مع تعهد المعتصمين بعدم التعرض للثروات المحلية في حال قيامهم بتحركات احتجاجية مستقبلا.

وكانت أوساط سياسية حذّرت من فرضية استنساخ تجربة اعتصام الكامور الذي أوقف إنتاج النفط وتسبّب في تداعيات اقتصادية حادة، بعد أن لجأت الحكومة التونسية برئاسة هشام المشيشي إلى التهدئة جنوبي البلاد.

واندلعت أزمة الكامور لأول مرة في محافظة تطاوين، في الفترة بين 23 أبريل و16 يونيو 2017 احتجاجا على الوضع التنموي المتردي هناك.

وكان المحتجون في محافظة تطاوين أغلقوا في 17 يوليو الماضي، محطة ضخ البترول والغاز في منطقة الكامور، التي يمر منها كامل إنتاج حقول النفط في الصحراء إلى محطات أخرى في بقية جهات البلاد.

وحسب تصريح سابق لرئيس الوزراء التونسي هشام المشيشي، فإن إغلاق الكامور كلّف تونس خسارة تبلغ 800 مليون دينار (292 مليون دولار).

وتعيش محافظات تونسية منذ الأسبوع الماضي تحركات احتجاجية لا يبدو أنها ستشهد انخفاضا في وتيرتها في ظل المعالجة الراهنة من قبل الحكومة لأغلب الملفات العالقة وأبرزها المتعلقة بالجانب الاقتصادي وبإجراءات الحد من انتشار فايروس كورونا، ما دفع العديد من القطاعات إلى إعلان إضرابات جهوية ووطنية.

وأعلن الفرع المحلي للاتحاد العام التونسي للشغل بمنطقة الرديف التابعة لمحافظة قفصة تنفيذ إضراب عام بالجهة الجمعة احتجاجا على ما اعتبره ترديا للوضع الصحي والمؤسسات الصحية بالمدينة بعد تفشي فايروس كورونا وارتفاع عدد الإصابات والوفيات بالجهة.

ويرى مراقبون أن الاحتقان الاجتماعي المسجل ينذر بتوسع دائرة الاحتجاجات في الوقت الذي تحاول فيه حكومة هشام المشيشي إيجاد حلول للأزمات التي ورثتها عن الحكومات السابقة، لكن هذه المحاولات تصطدم بعقبات أخرى تصعّب مهمتها في النهوض بالاقتصاد الهش.

صرخة العاملين ليلا
صرخة العاملين ليلا

وانطلقت تحركات احتجاجية في المحافظات التي تسجل أعلى نسب البطالة والفقر، كمحافظات تطاوين وقفصة والقصرين وسليانة، وتعتبر هذه المحافظات ذات أولوية قصوى في منوال التنمية منذ 2011، فيما يتهم أهاليها الفاعلين السياسيين باستثنائهم من المشاريع التنموية رغم أنهم يمثلون خزانا انتخابيا كبيرا لهم.

وشهدت مناطق مختلفة في البلاد على غرار القيروان والكاف وسليانة وتوزر وقابس وباجة، تحركات تطالب بضرورة تنفيذ مبدأ “التمييز الإيجابي” الذي جاء به دستور 2014 لفائدة المناطق التي تسجل مؤشرات متدنية على مستوى التنمية والتشغيل.

وأشار المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تقريره الأخير إلى أن عدد الاحتجاجات المسجلة طيلة أكتوبر بلغ 871 تحركا احتجاجيا بزيادة 16 في المئة عن شهر سبتمبر، وأن أغلب هذه التحركات فيها نزعة نحو العنف وهو ما يزيد من حدة المخاوف بخصوص مدى قدرة الحكومة على تطويق الاحتقان الاجتماعي خلال الأسابيع القادمة.

ويرى متابعون أن على الحكومة التونسية اعتماد منوال تنموي جديد، ينبني على مفهوم التنمية الوطنية وليس المركزية، عبر اقتراح حلول عقلانية للتعامل مع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية كي لا تضطر إلى الدخول في صدامات مع الشارع وتقديم وعود زائفة للمحتجين ستدفعهم مجددا إلى النزول إلى الشوارع مستقبلا.

وتوعّد الاتحاد الجهوي للشغل بمحافظة القيروان، التي تعتبر من أفقر المحافظات التونسية، بتنظيم مجموعة من الإضرابات والاحتجاجات لتحقيق اتفاق مماثل لما حصل في الكامور لفائدة الجهة، فيما دعا الاتحاد الجهوي في محافظة توزر أهالي الجهة إلى التأهب لمجموعة من النضالات المطالبة بتحسين مستوى المعيشة وخلق فرص عمل للعاطلين.

وفرقت الشرطة التونسية وقفة احتجاجية أمام مقر الحكومة في العاصمة شارك فيها فنانون وموسيقيون وأصحاب المهن الليليّة واستخدمت الغاز المسيل للدموع لفك اعتصام في طريق رئيسي أمام مقر وزارة الثقافة القريبة من مقر الحكومة.

وشهدت محافظتا سوسة وصفاقس وقفات احتجاجية مماثلة شارك فيها العاملون في مهن ليلية مثل الحراسة وعمال المقاهي والمطاعم.

ورفع المحتجون شعارات من بينها "من حقي العيش"، وانتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ “سيب الليل” (اترك الليل)، فيما يصرّ الفنانون وأصحاب المهن الليلية على مواصلة الاحتجاجات إلى حين لقائهم رئيس الحكومة هشام المشيشي والتوصل إلى اتفاق يحلّ مشاكل القطاعات التي تضررت من تداعيات الجائحة بسبب الإغلاقات المتكررة وغير المدروسة من قبل الحكومة.

ودخل القضاة التونسيون الاثنين في إضراب عام بخمسة أيام “من أجل حياة القاضي وكرامته وحماية مرفق العدالة من الانهيار” إلى جانب مطالبتهم السلطة التنفيذية بتأمينهم صحيا واجتماعيا أثناء عملهم في ظل تفشي وباء كورونا.

ودعت نقابة القضاة الدولة التونسية إلى احترام مقتضيات الدستور التونسي لضمان حق الشعب في المساواة في الحياة والصحة.

وفرضت تونس منذ نحو شهر تدابير للحد من سرعة تفشي فايروس كورونا في الموجة الثانية من الوباء، بمنع كافة الفعاليات الثقافية والتجمعات وفرض قيود على الأنشطة التجارية للمقاهي والمطاعم، وحظر تجوال ليلي وإلزامية ارتداء الكمامات الواقية.

ومددت الحكومة التونسية السبت الماضي هذه القرارات لثلاثة أسابيع إضافية ما أشعل الغضب في صفوف العاملين في الليل.