محاسبة برلمانية بلسان الشارع المصري للإعلام بعد فشله في معركة الوعي الجماهيري

حرية الإعلام تضمن للحكومة تقديم روايتها وتفويت الفرصة على خصومها.
الخميس 2023/07/13
بحث عن إعلام يصنع الفرق

يصعب فصل فشل الإعلام المصري في مهمة التوعية عن كونه مغلوبا على أمره بسبب وجود عوامل خارجة عن إرادة القائمين عليه جعلتهم شركاء في غياب الوعي بسبب كثافة التدخلات في السياسة التحريرية وإلزام الإعلام بالاصطفاف خلف الحكومة بالحق والباطل، ولا يُسمح بحرية التحرك والتوغل في معاجلة المحتوى المقدم للجمهور بطريقة مهنية كي يصبح أكثر وعيا وتنويرا وإقناعا.

القاهرة - عبّرت هجمة برلمانية في مصر ضد تراجع الدور التوعوي لوسائل الإعلام عن غضب واسع جراء نجاح منصات ومنابر خارجية في الوصول إلى الجمهور المصري سريعا وبث رسائل وأفكار مغلوطة، في حين يبدو الإعلام المحلي منكفئا على نفسه ومفتقرا إلى القدرة على المواجهة وعدم الحرص على ترميم جدار الثقة مع الناس ليكون أكثر تأثيرا وخدما لتوجهات الدولة.

جاءت المحاسبة البرلمانية، الاثنين، في وجود أعضاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ورئيسه كرم جبر، وبدا الأمر أقرب إلى محاكمة بلسان الشارع على تراجع أداء الصحف والقنوات وإخفاقها في مخاطبة الناس بالحقائق، ما يوحي بأن المسألة تحمل غضبا عند بعض الدوائر الرسمية ذات الصلة القوية بأعضاء البرلمان الذين انتبهوا فجأة لملف الإعلام وفتحوا المجال للحديث عن عوراته.

حاول كرم جبر تقديم مبررات منطقية وتفسيرات تتماشى مع الواقع أمام لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب، مرجعا الأمر إلى وجود تغيرات سريعة في مجال الإعلام على مستوى التأثير في الرأي العام، ما يتطلب أن يكون في مقدمة الصفوف لحماية الأمن القومي وصيانة العقل الجمعي ضد محاولات التشكيك والتحريض والحث على الفتنة، والتي زادت مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة في مصر.

حسن مكاوي: معركة التوعية الإعلامية تحتاج إلى المزيد من المصداقية
حسن مكاوي: معركة التوعية الإعلامية تحتاج إلى المزيد من المصداقية

قال رئيس مجلس الإعلام إن هناك زيادة في الحملات الموجهة من الخارج لترويج محتوى يتعارض مع القيم الدينية والقانونية والأخلاقية للمجتمعات العربية، وثمة منصات تركز على بث أفكار مغلوطة عمدا، معترفا بأن أول طريقة للمواجهة الإعلامية هي زيادة الوعي، لأن المنع والحجب والرقابة في غاية الصعوبة.

أصبحت أزمات الإعلام المصري أكبر من مجرد الحديث عن غياب المهنية التي تكرس تغييب الوعي وترتبط بتدني شعور المواطن العادي بأن الدولة تملك فعلا منابر إعلامية مؤثرة صحافية أو إلكترونية أو تلفزيونية، ويسير الآن في اتجاه والإعلام الرسمي وشبه الرسمي يسير في اتجاه آخر، بعد أن اعتادت الحكومة مخاطبة نفسها عبر إعلامها الخاص وهي غير مكترثة بتطلعات واحتياجات الجمهور.

عكس دخول أعضاء البرلمان على خط أزمة التراجع الحاد لدور الإعلام التوعوي وجود خلل حقيقي يتطلب وضع حلول عاجلة، لأن استهداف العقل المصري من منابر ومنصات مختلفة لديها خصومة مع السلطة يحمل مخاطر جمّة على الأمن القومي، ولم يعد هناك بديل عن إعلام قوي له نفوذ ومخالب وتأثير يقنع الناس بالإيجابيات ويظهر السلبيات في آن واحد.

تبدو الحكومة المصرية عاجزة عن التصدي لما تصفه دائما بـ”الحملات الممنهجة” التي تسعى لتشويه صورة الدولة، في حين يقول خبراء، بعضهم قريب من السلطة، إن المشكلة تكمن في أن القاهرة صارت تدفع فاتورة فشلها في جعل الإعلام قادرا على تقوية الجبهة الداخلية بخطاب رصين ومقنع يتصدى لهجمات الخارج.

وإذا كانت هناك نية لوضع الحكومة يديها على أسباب إخفاق الإعلام فعليها عدم تحميل المؤامرات الخارجية أكبر من حجمها والاعتراف بوجود أزمة يعاني منها الإعلام حتى صار عاجزا عن نقل الحقيقة، ما يضاف إلى مشكلة انكفاء المسؤولين ورفضهم التجاوب مع وسائل الإعلام والرد على ما يتم ترديده من معلومات مغلوطة.

قضية الوعي بالنسبة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تمثل ضرورة ملحة، أمنيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا

وأمام تراجع مصداقية الإعلام ومشاركته في تغييب الوعي، باتت خيارات الجمهور محدودة، فهو يعتمد على منصات التواصل للحصول على المعلومة أو مشاهدة قنوات خارجية توحي للناس بأنها مهنية وواعية حتى لو كانت رسائلها مسمومة وتتعمد تشويه الصورة، وثمة قطاع اضطر إلى مقاطعة الإعلام المحلي أو متابعته على استحياء.

قال حسن عماد مكاوي، عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقا، لـ”العرب” إن أخطر شيء على الوعي المجتمعي عندما تقوم منصات التواصل بقيادة الإعلام، لأن الأخيرة دورها تنويري وتوعوي وتثقيفي وتخليها عنه يمنح الفرصة لغيرها، ولذلك من الخطر انزلاق بعض المنابر إلى مجاراة الترند والاهتمام بقضايا سطحية على حساب الموضوعات المهمة التي تمثل حصانة للجمهور من الاستهداف الفكري.

وتسلل إلى الحكومة شيء من اليأس لاستعادة وسائل الإعلام دورها بشكل يجعلها قادرة على تقديم خطاب يتناسب مع التحديات التي تواجهها الدولة، وقررت إنشاء مجلس قومي للوعي، كخطوة أولى نحو البحث عن حلول جذرية لانخفاض منسوب التوعية في الشارع والحد من تأثير ما تبثه منصات خارجية معادية.

ولدى الإعلام المصري مفاهيم خاصة به عن معركة الوعي والتصدي لما يسميه بالأفكار الهدامة، ويختزلها في محاولة تصدير قيم وأخلاق حميدة للشارع عبر حملة بدائية تذاع على قنوات مختلفة، في حين يرتكب بعض المذيعين أخطاء ترتقي إلى الجرائم المهنية، بما يتعارض مع مسؤولية الإعلام في التوعية ونشر القيم.

خيارات الجمهور باتت محدودة أمام تراجع مصداقية الإعلام ومشاركته في تغييب الوعي

تكمن مشكلة الجهات القائمة على إدارة الإعلام في اقتناعها بأن الدور الأساسي له هو الوقوف خلف الحكومة ودعم النظام وعدم توجيه أي انتقادات، وأن نشر الإيجابيات والترويج للإنجازات هو التوعية، ما يسمح لمنابر معادية بنشر معلومات مغايرة تشكك في ما يتم نشره وبثه طوال الوقت من الإعلام المحلي.

تمثل قضية الوعي بالنسبة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ضرورة ملحة، أمنيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا، ويدرك أن المغالطات تحمل خطورة على الأمن والاستقرار، خاصة مع ارتفاع نسبة الأمية، ما يعكس أسباب مطالباته المتكررة للإعلام بأن يهتم بقضية الوعي وعدم الدخول في قضايا هامشية تعمق تغييبه.

وأكد حسن مكاوي لـ”العرب” أن معركة التوعية الإعلامية تحتاج إلى المزيد من المصداقية وتوفير المعلومات وقوة التأثير والقدرة على الإقناع، وهذا موجود على نطاق ضيق، لكن القضية تحتاج إلى أدوات كثيرة للانتصار على محاولات المنصات المعادية التي تتسلل إلى الناس كلما كان الإعلام المستنير ضعيفا أو محاطا بالشكوك.

ويعاني الإعلام المصري من أزمة مركبة ترتبط بفهمه لطبيعة التصدي لمحاولات تغييب الوعي، فهو يكتفي بالرد على ما يثار، مع أن تشكيل الوعي عملية تراكمية يساهم فيها إعلام غني لا يواجه أزمة في الحصول على المعلومات، يكشف الحقيقة وينقل نبض الشارع إلى السلطة والعكس صحيح.

يعتقد صحافيون أنه عندما يتحلل الإعلام من القيود ليكون أكثر حرية سوف تتراجع الفجوة بين الوعي واللا وعي، ولن تحتاج الحكومة إلى من يدافع عنها أو يصطف خلفها ليحميها من تغييب وعي المواطنين، طالما أعادت إلى الإعلام بريقه ومكانته كقوة ناعمة قادرة على إحداث الفارق بعيدا عن الاكتفاء بتوصيل الرواية الرسمية وكفى.

5