محاربة غش الامتحانات بقطع الإنترنت يفتح نيران المغردين على الحكومة الجزائرية

أثار قرار الحكومة الجزائرية قطع الإنترنت لمحاربة الغش في امتحانات الثانوية العامة جدلا واسعا في البلاد بسبب تداعياته على الشركات التجارية والاقتصادية، وعجْز المسؤولين عن ابتكار حلول أخرى ضد الغش.
الجزائر - تطبق الحكومة الجزائرية إجراءات مشددة لمحاربة الغش في امتحانات الثانوية العامة، بما في ذلك قطع الإنترنت، رغم الانتقادات الواسعة للقرار النادر والمثير للجدل، والوعود التي كان قد أطلقها الرئيس عبدالمجيد تبون منذ عامين ووصفه للأمر بـ”غير المشرف”.
وتسود الشارع الجزائري حالة من الغضب والاستياء، انعكست على مواقع التواصل الاجتماعي جراء لجوء الحكومة مجددا إلى قطع تدفق الإنترنت بدعوى منع الغش في امتحانات شهادة البكالوريا، دون أن تقرأ حسابا للأضرار الاقتصادية والتجارية والعزلة التي تعيشها البلاد طيلة الأيام الخمسة التي تجرى فيها الامتحانات، خاصة وأن الحكومة ما فتئت تتحدث عن الرقمنة والاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية.
وسخر مغرد من تنكر الحكومة لتعهدات في الأعوام السابقة بعدم قطع الإنترنت، وكتب:
sa_____199@
“لن يكون هناك انقطاع للإنترنت (خلال امتحانات) البكالوريا القادمة”. تصريح تبون بعد #قطع #الإنترنت على #بلد كامل في بكالوريا 2020. واليوم يتكرر نفس الشيء…
وقال ناشط:
Islam_islam16m@
قطعتم #الإنترنت دون سابق إنذار ولا تقديم اعتذار بسيط للشعب. مثل هذه التصرفات تزيد في توسيع الفجوة بين الشعب وبينكم، إلا إن كان هذا لا يهمكم. وما زاد الطين بلة هو أن التصريحات الرسمية شيء والواقع شيء آخر.
ومنذ شيوع الغش وتسريب أسئلة الامتحانات وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي عمدت الحكومة الجزائرية إلى حل راديكالي حفاظا على ما أسمته بـ”مصداقية الشهادة “، وهو قطع تدفق الإنترنت خلال أيام الامتحانات، على أن تكون الخطوة استثنائية في انتظار تثبيت حلول تقنية أخرى، وذلك بعدما لحقتها انتقادات كثيرة على التساهل في العقود الأخيرة، حيث هبط معدل النجاح إلى ما دون العشرة من العشرين.
ومنذ ثلاث سنوات وصف الرئيس تبون في تصريح صحفي قرار قطع تدفق الإنترنت بـ”غير المشرف”، وأن “الحكومة ستوفر حلولا تقنية في السنوات المقبلة تفاديا لهذا القرار الذي يتعارض مع أهداف رقمنة الاقتصاد وتشجيع التعامل الإلكتروني”.
وأضاف “من غير المعقول أن يكون طموح كهذا للدولة دون تدفق مقبول للإنترنت، شخصيا أقسم بالله لن أتسامح مع أي أحد في هذا الشأن”، غير أنه منذ ذلك التصريح لم يتحقق شيء، الأمر الذي ضرب مصداقية خطاب السلطة في العمق.
وصرح الأمين العام لنقابة أساتذة التعليم الثانوي زبير روينة بأن “هناك مفارقة عجيبة بين أن ننظم هذا الاستحقاق من أجل قياس تحصيل التلاميذ على مسار طويل من الدراسة، وبين أن يقترن ذلك بالغش ويأخذ هالة كبيرة في المجتمع وكأننا بصدد دخول صدام قوي، ولما يكون الغش يجري داخل أسوار المؤسسات التربوية فله سياقه، أما إذا كان من خارج الأسوار فهنا الأمر يتّخذ أبعادا أخرى، كأن تكون تصفية حسابات سياسية وأيديولوجية كما حدث في تسعينات القرن الماضي و2016”.
مدونون عبروا عن استيائهم الشديد من قطع الإنترنت، إذ فوّت على الكثير منهم معاملات مهمة
وأضاف “المستفيدون هم أطراف نجهلها ونتائج التحقيقات التي فتحت آنذاك ضاعت، ويبقى هذا النوع من الحلول غير مجد قياسا بالكلفة الكبيرة التي ترافقه، ويحول الاستحقاق الدراسي إلى عقوبة بدل أن يكون محطة لصناعة جيل من النخب الجامعية”.
وتابع روينة “الغش ظاهرة اجتماعية واسعة واتخذت أبعادا خطيرة، فهو يمارس يوميا وأمام الملأ في مختلف المؤسسات والمستويات بما فيها الرسمية، ولذلك فإن ما يقع في المدرسة هو إسقاط طبيعي لما يعيشه المجتمع بشكل عام، فلم تسلم منه حتى المؤسسات والمسؤولون الكبار في الدولة”.
ورغم أن الحكومة تصر على حماية الامتحانات وصدقية الشهادة بمثل هذا الحل دون أن تولي تبعاته على الحياة العامة الأخرى أي أهمية، ولو أن استعمالاته في الجزائر مازالت على نطاق محدود في الجانبين الاقتصادي والتجاري نظرا إلى نمطها الموروث عن عقود سابقة، عبّر مدونون عن استيائهم الشديد من هذه الخطوة التي صارت هاجسا يؤرقهم في كل موسم، حيث ضيع الكثير منهم معاملات مهمة خلال أيام قطع الإنترنت. وكتب ناشط:
chorfi48077196@
هل تعلم أن قطع الإنترنت على البنوك ورجال الأعمال هو بمثابة قطع الكهرباء على محل جزارة؟ إذا كنت ترى الولوج إلى شبكة الانترنت مثل اللعبة فالباحثون والدكاترة في هذا الوقت يعتبرونها بمثابة الأكسجين. وإذا كانت أعلى الشركات قيمة هي الشركات الرقمية، فهذا ليس اعتباطيا.
وقالت مغردة:
just__dz62@
بدل قطع الإنترنت هناك حل أكثر فائدة، وهو إعادة النظر في المنظومة التربوية ككل ووضع إستراتيجية لعقد من الزمن مثلا، لأن إصلاح الإنسان هو أساس كل شيء، وفساده يؤدي إلى انهيار كل شي أيضا.
وعبر مدون على فيسبوك عن استغرابه من وقف تدفق الإنترنت في هاتفه حتى وهو في تركيا، فقد تزود قبل السفر بخدمة الاستعمال الدولي من أحد المتعاملين، غير أنه تفاجأ بتوقف الخدمة وهو في تركيا بسبب قرار الوقف.
وزاد استفزاز الحكومة للشارع الجزائري بقول وزير التربية عبدالحكيم بلعابد قبيل الامتحانات بأنه “لا يوجد سبب لقطع تدفق الإنترنت، وأنه سيبقى في وضعه العادي خلال امتحانات البكالوريا”، لكن العكس هو الذي تم تنفيذه، مما يطعن في صدقية خطاب الحكومة التي تحدثت في وقت سابق عن اعتماد أجهزة تقنية تشوش على التدفق في محيط المؤسسات التي تجرى فيها الامتحانات، تفاديا لتجارب القطع الشامل للتدفق.
ويوجد في الجزائر أربعة مزودين بخدمة الإنترنت بين أرضي وخلوي، وثلاثة منهم حكوميون، لكن خدماتهم تبقى محل انتقاد من طرف المستهلك الجزائري، خاصة فيما يتعلق بالتغطية وكمية التدفق، حيث مازالت الكثير من المناطق الداخلية دون تغطية بشبكة الهاتف رغم أنها لا تبعد عن العاصمة إلا بنحو 100 كيلومتر.
وإلى جانب قطع تدفق الإنترنت تعمد الحكومة الجزائرية إلى تسخير إمكانيات بشرية ضخمة، خاصة فيما يتصل بالجانب الأمني، حيث يتم الاعتماد على آلاف العناصر التابعة لأجهزة الأمن (الشرطة) والدرك والحماية المدينة (الدفاع المدني)، لضمان ما تسميه “الظروف الملائمة”، غير أن ذلك كان محل انتقاد من طرف مختصين في المجال التربوي، يعتبرون أن المبالغة في توفير رجال الأمن تثير الذعر وتشوش تركيز الممتحنين.
وسرّع جهاز القضاء وتيرة الفصل في ملفات الغش التي يتم ضبطها، حيث أصدرت الكثير من المحاكم في ربوع الجمهورية أحكاما بالسجن النافذ بين عام وثلاث سنوات في حق تلاميذ ومتعاونين، وبلغ عدد الملفات التي تمت معالجتها خلال اليومين الأولين من الامتحانات 21 ملفا.
وفيما يطالب مستخدمو الإنترنت بتعويضات من الشركات المزودة، يجهل حجم الخسائر الاقتصادية والتجارية رغم محدودية نطاقها الإلكتروني، الأمر الذي يعكس حجم الفارق بين خطاب الحكومة والواقع، لاسيما وأن التجارة الإلكترونية تقدر بتسعة تريليونات دولار في العالم.
وسخر الكثير من الناشطين من هذه الخطوة، معتبرين أن هناك جانبا إيجابيا في الموضوع، وهو عدم سماع خطابات مسؤولي الحكومة، وقال أحدهم:
BenaliaMohamed@
للأمانة فقط هناك أمر إيجابي في قطع الإنترنت هذا العام؛ قطْعها لم يمكّني من متابعة الندوة الصحفية لجمال بلماضي ولم أسمع بها أصلا.