محاذير حقوقية تنتقص من الصبغة الإصلاحية لحملة سحب الجنسية في الكويت

السياسة المتّبعة بشأن ملف الجنسية تهدف إلى حصر الحصول على جنسية البلاد في من ورثوها أبا عن جد وإعادة تشكيل الهوية الكويتية.
الاثنين 2025/05/26
مكسب ثمين لكنه قد يفقد فجأة

الكويت- لم تخل حملة سحب الجنسية التي بلغت في الكويت مدى غير مسبوق من الاتّساع من محاذير حقوقية بدأت بالتشويش على الدواعي الإصلاحية التي تسوقها سلطات البلاد كدافع لإطلاق تلك الحملة ومواصلتها بحرص وإصرار.

واكتشفت لمى فجأة أنها لم تعد كويتية حينما دخلت صالة رياضية في مدينة الكويت وهمّت بدفع رسوم الجلسة، لتُصدم بأن بطاقتها الائتمانية أوقفت وحسابها البنكي جُمد مؤقتا بسبب إسقاط جنسيتها المكتسبة عن طريق الزواج.

وتقول لمى التي طلبت على غرار باقي النساء اللواتي تحدثن إلى وكالة فرانس برس استخدام اسم مستعار إنها “كانت صدمة”.

ميليسا لانغورثي: المجنسات أيضا نواة المجتمع فهن أمهات وجدات أبناء البلد

وأضافت الخمسينية المتحدّرة من أصول أردنية “أن تكون مواطنا ملتزما بالقانون طيلة 23 عاما، ثم تستيقظ يوما ما وتكتشف أنك لم تعد كذلك.. هذا غير مقبول إطلاقا.”

وتصنّف السلطات الكويتية حملة سحب الجنسية باعتبراها جزءا من الإصلاحات التي شرعت فيها وتشمل عدة مجالات سياسية واقتصادية واجتماعية وقانونية.

ويبدو أن السياسة المتّبعة بشأن ملف الجنسية تهدف إلى حصر الحصول على جنسية البلاد في من ورثوها أبا عن جد في الدولة الغنية بالنفط وإعادة تشكيل الهوية الكويتية، وربما أيضا تقليص عدد الناخبين بعد سنوات من عدم الاستقرار السياسي الناتج عن الصراعات بين البرلمانات المنتخبة والحكومات المتعاقبة، بحسب ما أفاد محللون.

وفي خطاب سابق موجّه لسكان البلاد الذين لا يتجاوز عددهم خمسة ملايين نسمة، ثلثهم فقط من الكويتيين، وعد الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح  بـ”تسليم الكويت لأهلها الأصليين نظيفة خالية من الشوائب التي علقت بها.”

وتُعد لمى واحدة من بين أكثر من 37 ألف شخص بينهم 26 ألف امرأة على الأقل، سُحبت منهم جنسيتهم الكويتية منذ أغسطس من العام الماضي وفق تعداد أعدّته وكالة فرانس برس استنادا إلى معطيات رسمية. وتشير تقارير إعلامية محلّية إلى أن العدد الحقيقي قد يكون أكبر بكثير.

ورغم أن عمليات سحب الجنسية ليست جديدة في الكويت، إلا أن حجمها الحالي “غير مسبوق”، بحسب أستاذ التاريخ المساعد في جامعة الكويت بدر السيف.

وتوجد في الكويت فئة مهمّة من الأشخاص الذين لا يحملون الجنسية ويُعرفون بـ”البدون”، ويُقدر عددهم بمئة ألف شخص، وهم من لم يحصلوا على الجنسية عند استقلال الكويت من الحماية البريطانية في العام 1961.

منصورة ميلز: الحق في الجنسية حق إنساني أساسي للغاية، وعدم احترامه وضمانه قد يضرّ بحياة الناس

وتلغي الحملة الحالية التجنيس عن طريق الزواج والذي كان ينطبق على النساء فقط. وهكذا، سُحبت الجنسية من جميع من أصبحن كويتيات عبر الزواج منذ العام 1987. وتشير أرقام لوزارة الداخلية إلى أن 38505 نساء حصلن على الجنسية الكويتية بين 1993 و2020.

كما تستهدف حاملي الجنسية المزدوجة بما أن الكويت لا تسمح بذلك، إضافة إلى الأشخاص الذين حصلوا وعائلاتهم على الجنسية بطرق غير قانونية كاستخدام وثائق مزورة على سبيل المثال.

وسحبت الكويت أيضا جنسية العديد ممن حصلوا عليها تحت بند “الأعمال الجليلة” في المجتمع، ومن بينهم المطربة نوال الكويتية والممثل داود حسين.

وقالت سيدة الأعمال أمل، التي حملت الجنسية الكويتية لما يقارب عقدين، “بين عشية وضحاها، أصبحتُ بلا جنسية.”

وهكذا وجد كثيرون أنفسهم في مأزق قانوني وهم يكافحون لاستعادة جنسيتهم السابقة.

وقالت الباحثة في منظمة العفو الدولية منصورة ميلز “الحق في الجنسية حق إنساني أساسي للغاية، وعدم احترامه وضمانه قد يضرّ بحياة الناس، وهو أمر يدركه البدون جيدا.”

بدر السيف: رغم أن عمليات سحب الجنسية ليست جديدة في الكويت، إلا أن حجمها الحالي غير مسبوق

ويرى محللون أن الحملة الأخيرة تتمحور حول مسألة الهوية الوطنية الكويتية. ويرجع بدر السيف ما يحدث إلى “مفهوم الهوية”، متسائلا “من نحن كأمّة؟”

وتعتمد الكويت على نظام برلماني عُرف بثقله وتأثيره إلا أن نظام الجنسية المنضوي تحته يحصر الحقوق السياسية لمن وُلدوا لأب كويتي.

وفي أعقاب غزو العراق عام 1990، منحت الكويت حق الانتخاب لمن مضى على تجنيسهم 20 عاما، ولمن وُلدوا بعد تجنيس والديهم.

ويرى السيف أن ذلك كان “عربون تقدير” للوقوف إلى جانب الكويت، لكنه أيضا “دفعٌ نحو الوحدة الوطنية بعد التحرير.”

وبالنسبة لميليسا لانغورثي الباحثة من مركز “إنكلودوفيت” والتي درست قضايا التجنيس في الخليج، فإن النساء المُجنسات “يُقال لهن بوضوح إنهن لسن أمثل مُنتجات لهذه الأمة.”

وقالت لمى بأسف شديد “لاحقونا نحن الأمهات، أساس الأسرة، ونواة المجتمع… لم يأخذوا بعين الاعتبار أننا أمهات وجدّات أبناء هذا البلد.”

وقال رجل كويتي سُحبت من زوجته الجنسية إن الحكومة “ساوت بين البريئات والمحتالات.”

وشرح أن المعاش التقاعدي لزوجته التي كانت موظفة حكومية مُعلّق منذ أكثر من ستة أشهر، مضيفا أن قرضها المصرفي جُمّد.

ووعدت السلطات بمعاملة هؤلاء النسوة معاملة مواطنات كويتيات والإبقاء على مزاياهن الاجتماعية، لكن المتضررات بقين في النهاية بلا جنسية وفقدن كل حقوقهن السياسية.

3