مجموعة "السهام" المغربية تحيي سهرة غيوانية في دار الشعر بتطوان

تطوان (المغرب) - تنظم مساء الأربعاء دار الشعر في مدينة تطوان المغربية وبشراكة مع عمالة المضيق الفنيدق “ليلة الوفاء” بمسرح لالة عائشة بمدينة المضيق.
وتقام “ليلة الوفاء” عشية الاحتفال بالذكرى السادسة والستين لعيد الاستقلال المغربي (الثامن عشر من نوفمبر 1956) بمشاركة مجموعة “السهام” مع قراءات شعرية لكل من عبدالمجيد مشفيق وفاطمة فركال وعاطف معاوية. بينما تقدّم الفرقة النحاسية لمدينة صفرو برئاسة فؤاد التدلاوي عروضا فنية ومشاهد استعراضية في فضاء المسرح، مع زيارة المعرض التشكيلي الذي يقام في رواق المسرح.
وتنطلق الأمسية بقراءات من المدوّنة الشعرية للسهام يلقيها عميد المجموعة الفنان عبدالمجيد مشفيق إلى جانب شاعرين واعدين من مدينة المضيق التي تستضيف هذه الاحتفالية الكبرى، وهما الشاعرة فاطمة فركال والشاعر عاطف معاوية.
وبعد استضافة دار الشعر لمجموعة “ناس الغيوان” في افتتاح الدورة الأولى من مهرجان الشعراء المغاربة، تستضيف الأربعاء “مجموعة السهام” بوصفها واحدة من أهم الفرق التي تمثل الظاهرة الغيوانية، ومن المجموعات التي تنحدر من الحي المحمدي بمدينة الدار البيضاء، مهد الحركة المسرحية والأغنية الملتزمة في المغرب. ويتعلق الأمر بمجموعات “ناس الغيوان”، “جيل جيلالة”، “لمشاهب”، “تكادة”، “مسناوة”، “الخلود”، “الفرسان” و”الرفاك” وغيرها من المجموعات الموسيقية الغيناوية.
أما الحي المحمدي فقد مثل ذلك الامتداد الشعبي لفضاء “أنفا” الكبير، ما جعله وجهة للهجرات القادمة من المغرب الأمازيغي والمغرب الصحراوي والمناطق المجاورة وغير المجاورة، كل واحدة حملت معها ألوانها الموسيقية وأهازيجها الخاصة وآلاتها الوترية وطبوعها الفنية وإيقاعاتها الملهمة والغنية.
وكانت مجموعة “السهام” قد انطلقت في بداية السبعينات بتشجيع من رواد “ناس الغيوان” وعدد من المسرحيين في مقدّمتهم الفنان المسرحي حسن فلان، وكان هو الذي أطلق على المجموعة الصاعدة آنذاك اسم “السهام”.
ومنذ سنة 1974 تاريخ إصدار أول ألبوم غنائي لها، ظلت هذه المجموعة حريصة على تجديد أعضائها من جيل إلى جيل، وتجديد تجاربها اللحنية والشعرية، مع الوفاء لاختياراتها الجمالية والنضالية عبر الكلمات الشعرية الهادفة والمعبّرة الناطقة بهموم المجتمع، ومن خلال الأغاني الملتزمة المنتصرة للوطن والمواطن الحالم بالأفضل والمتطلع إلى المستقبل.
وأطلقت المجموعة في يوليو الماضي أحدث ألبوماتها الغنائية “تعيش بلادي” على قناتها الرسمية على يوتيوب والذي ضمّ خمس أغاني هي “تعيش بلادي” (عنوان الألبوم)، “أيام كورونا”، “الحي المحمدي”، “حكايات البنيات” و”باسم النضال”، وجميع هذه الأغاني من كتابة وألحان مايسترو المجموعة عبدالمجيد مشفيق.
ومجموعة “السهام” التي فرضت نفسها على الساحة الفنية المغربية بمسار حافل دام أكثر من أربعة عقود من العطاء طبعه التنوّع في المضامين والمواضيع، كما عرفت أغاني المجموعة انتشارا واسعا أواخر الثمانينات وبداية التسعينات في كل الأقطاب المغاربية والعربية، اختارت في ألبوم “تعيش بلادي” أن تقدّم أغانيها الجديدة بإيقاعات موسيقية متنوّعة، كما عملت على الانفتاح على الإيقاع الموسيقي الغربي إرضاء لجميع أذواق جماهيرها.
وكانت مجموعة “السهام” أو مجموعة “العائلة”، كما يحلو لمُتابعيها تسميتها بحكم التجانس القويّ ببن أفراد المجموعة، قدّمت في العام 2019 أغنيتين جديدتين بعنوان “ما زال الخير” و”رد بالك” استكمالا لنشاطها الغنائي والنضالي الذي تغنّى بقضايا الوطن والهجرة والقيم الأسرية والقضايا الاجتماعية والقومية ودافعت عن القضية الفلسطينية، الأمر الذي ساهم بقدر كبير في الارتقاء بالذائقة الفنية المغربية والعربية.
وعن تأخّر إنتاج المجموعة في الفترة الأخيرة، يقول قائدها مشفيق “إن ظروف جائحة كورونا التي عاشها العالم ساهمت في تأخّر إنتاج ‘تعيش بلادي’ كما أن التمارين كانت عن بعد”. وهو يؤكّد أن غياب الدعم سبب رئيسي لكبح ديناميكية العمل الفني الهادف، فمعاناة الفنانين قد تدعوهم إلى التأمل والإبداع والسمو بجمال الإبداع فوق ألم المعاناة والتعبير عنها فنيا. فالفن عنده أسمى وأرقى ما يقدّمه الإنسان/ الفنان، ويشعر به الآخر، لأنه يأتي صافيا نقيا من الروح إلى الروح.
ويتابع “أحيانا ما يكون الفنان بحاجة إلى محفزات ومعاناة كي ينجز أعمالا راقية، ويخرج ما بداخله إلى النور كاملا غير ناقص”، وهو ما حصل له ومع مجموعته خلال الجائحة، ليخرج الألبوم بالشكل الذي عوّدت به “السهام” جمهورها.
والحديث عن هذه المجموعات الشعرية، ومن بينها “السهام”، هو حديث عن تجارب شعرية عامية مرموقة منذ ستينات القرن الماضي، حيث ركّزت هذه المجموعات على القصائد الشعرية غير المهادنة، مضمونا وبنية فنية، لتردّدها الأجيال من ورائها.
وسبق لدار الشعر بتطوان أن أقامت تظاهرة سابقة بمدينة المضيق، وهي تظاهرة “بحور الشعر”، شهدت مشاركة الشاعر والروائي المغربي الطاهر بنجلون إلى جانب عدد من الشعراء والكتاب المغاربة في مكتبة شاطئية حرصت دار الشعر على تنظيمها صيف كل سنة. بينما ستواصل دار الشعر بتطوان الانفتاح على فضاءات وجغرافيات شعرية متنوّعة، بعدما أقامت تظاهراتها السابقة في نحو خمس عشرة مدينة مغربية.
وتمّ إحداث دار الشعر في تطوان بناء على مذكّرة تفاهم بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية ودائرة الثقافة في حكومة الشارقة في ربيع 2016، وهي مؤسسة شعرية دولية تعنى بالشعر والشعراء، وتسهر على تكريم الشعراء المغاربة المرموقين، واكتشاف الأصوات الشعرية الجديدة، مع الاحتفاء بمختلف تجارب الشعر المغربي المكتوب بالعربية والعامية المغربية والأمازيغية والحسانية، إلى جانب التجارب التي تقترح كتابة الشعر المغربي بلغات كونية من إنجليزية وإسبانية وفرنسية، وهي تؤكّد انفتاح الشاعر المغربي على العالم انطلاقا من هويته الشعرية على غناها ومعناها وتنوّعها الخلاق.