مجلس النواب الليبي يضغط لتشكيل حكومة جديدة مع انحسار هامش المناورة بشأن الانتخابات

يصر رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح على إعادة تشكيل سلطة تنفيذية جديدة في ليبيا لسحب البساط من حكومة عبدالحميد الدبيبة وللإبقاء على نفوذه، مع انحسار هامش المناورة للتملص من إجراء الاستحقاق الانتخابي.
طرابلس - يضغط مجلس النواب الليبي باتجاه تشكيل سلطة تنفيذية موحدة تتولى الإشراف على الانتخابات مع تمسك القوى الدولية بضرورة إجرائها العام الجاري.
ويرى مراقبون أن مجلس النواب يراهن على دعم القاهرة التي ترفض بالمطلق تولي حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة الإشراف على العملية الانتخابية، وتعتبرها سلطة منزوعة الشرعية.
وقال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح السبت إن ليبيا حققت نجاحا في وقف الاقتتال وأطلقت مسارات لحل الأزمة في مختلف أشكالها، مشيرا إلى أن المجلس التشريعي ينكب حاليا على تشكيل سلطة تنفيذية موحدة تدعم المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وتساندها أمنيا ولوجستيا.
وذكر صالح في كلمة خلال فعاليات المؤتمر الرابع والثلاثين للاتحاد البرلماني العربي في العراق، أن مجلس النواب أصدر القوانين اللازمة للانتخابات والاستفتاء على الدستور، مشددا على أن مصلحة الليبيين فوق كل اعتبار.
الخلافات حول التعديل الدستوري الثالث عشر من شأنها أن تؤثر على مساعي المجلس التشريعي لتوحيد السلطة التنفيذية
وكان مجلس النواب أقر مؤخرا تعديلا دستوريا يهيئ المجال لإجراء الاستحقاقين الرئاسي والتشريعي، بعد أن استعصت فرص التوصل إلى تسوية مع المجلس الأعلى للدولة بشأن القاعدة الدستورية.
ولا يعرف بعد كيف سيجري تنفيذ التعديل في غياب التوافق حوله بين القوى والمؤسسات الليبية المتنازعة. ويرى متابعون أن الخلافات مع مجلس الدولة حول التعديل الدستوري الثالث عشر من شأنها أن تؤثر على مساعي المجلس التشريعي لتوحيد السلطة التنفيذية.
وأشار صالح إلى أن تحقيق الأمن والاستقرار يستوجب إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية تحت رقابة دولية، ويسعى مجلس النواب حاليا لإقرار قوانين توافقية بين الأطراف لتنال قبول الجميع من خلال منح حق الترشح للجميع دون تهميش أو إقصاء تحقيقا لما تم الاتفاق عليه.
وطالب صالح البرلمانات العربية بدعم مجلس النواب الليبي في ممارسة حقة الدستوري وكممثل وحيد للشعب الليبي ومعبرا عن إرادته.
وكان رئيس مجلس النواب كشف في وقت سابق عن اقتراح لتشكيل لجنة لاختيار “سلطة تنفيذية موحدة” تحت إشراف دولي.
وتتشكل اللجنة المفترضة من خمسة عشر عضوا من مجلس النواب، ومثلهم من المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، بالإضافة إلى خمسة عشر آخرين من المستقلين.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها اقتراح تشكيل لجنة مشتركة مع مجلس الدولة لاختيار حكومة جديدة تخلف حكومتي الدبيبة وفتحي باشاغا، وتشرف على إجراء الانتخابات، إذ أن الحديث كان يدور في طرابلس عن تشكيل لجنة مشتركة بين مجلسي النواب والدولة من خمسة أعضاء لكل منهما بهدف بحث تشكيل حكومة مصغرة.
وما يميز مبادرة صالح الجديدة أنها رفعت عدد أعضاء مجلسي النواب والدولة في اللجنة إلى 15 بدل 5، وأضافت إليهم 15 من المستقلين، دون تحديد الجهة التي ستختار هؤلاء “المستقلين”، وآليات اختيار الحكومة، إن كانت بالتوافق أم بالانتخاب، أو عبر تقاسم الحقائب الوزارية بين الأطراف الثلاثة.
كما منح المقترح الأطراف الدولية (الأمم المتحدة) دورا في عملية تشكيل الحكومة من خلال الإشراف على العملية. والهدف هنا واضح، وهو ضمان الاعتراف الدولي، حتى لا تتكرر تجربة تعيين حكومة باشاغا، التي لم تتمكن من الحصول على الاعتراف الدولي.
وعندما دعا المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي منتصف ديسمبر الماضي إلى البحث عن آلية بديلة لحل الأزمة في حال تعذر توافق مجلسي النواب والدولة، سرّع الأخيران من وتيرة مفاوضاتهما حتى لا يمنحا أي عذر للمجتمع الدولي لتجاوزهما أو تهميشهما.
لكن ذلك لم يحل دون استمرار الخلافات وآخر تمظهرات ذلك التباينات الحاصلة داخل مجلس الدولة بشأن التعديل الدستوري والتي أدت إلى تأجيل التصويت عليه في المجلس لمرتين، الأمر الذي دفع مجلس النواب إلى نشره في الجريدة الرسمية الخميس بدون الحصول على مصادقة المجلس الأعلى للدولة.
وقبل حسم ملف تعديل الإعلان الدستوري، وأيضا تقاسم المناصب السيادية بين المجلسين، فاجأ صالح الطبقة السياسية بمقترح متجدد لتشكيل حكومة جديدة.
مجلس النواب أقر تعديلا دستوريا يهيئ المجال لإجراء الاستحقاقين الرئاسي والتشريعي، بعد أن استعصت فرص التوصل إلى تسوية مع المجلس الأعلى للدولة
وسبق لرئيس مجلس النواب أن أعلن في يناير الماضي عن تقديم مقترح للأمم المتحدة بآليات لتشكيل حكومة جديدة، دون أن يفصح حينها عن تلك الآليات.
وهذه الأحداث المتسارعة جاءت بهدف إقناع المبعوث الأممي بوجود مبادرات جادة بشأن التوصل إلى اتفاق لإجراء الانتخابات قبل انتهاء عام 2023، والتأكيد على أنه لا حاجة إلى بحث آلية بديلة خلال اجتماع مجلس الأمن في السابع والعشرين من فبراير الجاري عند الاستماع لإحاطة باتيلي، خاصة بعدما تم التوافق بشكل غير رسمي على موعد إجراء الانتخابات في نوفمبر المقبل.
وأشار باتيلي، من جانبه وقبل سفره إلى نيويورك، إلى وجود “تقارب متزايد في الآراء بشأن وجوب إجراء الانتخابات في ليبيا عام 2023”.
وهذا يعني أنه أكثر تفاؤلا، أو أقل تشاؤما، مما قدمه في إحاطته السابقة، ومن المستبعد أن يطالب أو يطرح آلية بديلة لمجلسي النواب والدولة، قبل أن يمنحهما فرصة ثانية بعد التوافق المبدئي بشأن الإعلان الدستوري، وإعلان شهر نوفمبر موعدا لإجراء الانتخابات، واقترابهما من الاتفاق على تقاسم بقية المناصب السيادية.
كما أن تعديل الإعلان الدستوري سيقطع الطريق أمام أي محاولة للمجتمع الدولي للاستعانة بالمجلس الرئاسي لقيادة العملية السياسية، بعدما نزع من الأخير صلاحية حل البرلمان إلا بشروط صعبة.
وحتى إذا حاولت الأمم المتحدة استنساخ تجربة ملتقى الحوار السياسي عندما اختارت 75 عضوا، منهم 13 من مجلس النواب ومثلهم من مجلس الدولة، و49 من المستقلين، فإنها تجد نفسها تتماهى مع مقترح صالح.
وبذلك يكون رئيس مجلس النواب قد قطع الطريق أمام أي خطة دولية بديلة من خلال إشراك المستقلين في عملية اختيار حكومة جديدة دون أن تكون لهم حصة الأسد، بل تتساوى حصصهم مع النواب وأعضاء مجلس الدولة.
وهذه الخطة تمنح صالح فرصا أكبر للتحكم في أي عملية لاختيار حكومة جديدة، حتى ولو كانت تحت إشراف دولي، حتى لا تتكرر خسارته أمام قائمة الدبيبة في انتخابات ملتقى الحوار السياسي لاختيار رئيس الحكومة وأعضاء المجلس الرئاسي في فبراير 2021.
وتهدف خطة صالح الجديدة إلى تطويق حكومة الدبيبة بالاستعانة بمجلس الدولة في المرحلة الأولى من خلال تقاسم المناصب السيادية وعلى رأسها تعيين محافظ جديد للمصرف المركزي يكون مواليا لمجلس النواب، ما سيجرد حكومة الوحدة من أحد مصادر قوتها وهو الميزانية، ناهيك عن سعي مجلس النواب للهيمنة على السلطة القضائية من خلال تغيير مقرها من طرابلس إلى الشرق ما يجعلها تحت رحمته، لكن رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري تصدى له، وأوقف مؤقتا هذا المخطط.
ويستفيد صالح من الخلاف بين الدبيبة والمشري عبر التحالف مع الأخير، ما يسهل عليه تشكيل حكومة جديدة قبل إعادة تهميش مجلس الدولة مجددا، والانفراد بقيادة السلطة التشريعية مع إخضاع السلطتين التنفيذية والقضائية لنفوذه.
وهذا ما صرح به ضمنيا في كلمته في مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي السبت حينما قال “مجلس النواب هو الجسم المنتخب الوحيد المعترف به دوليا، وهو صاحب الحق في وضع القوانين والتشريعات ومنح الثقة وسحبها من السلطة التنفيذية، والمصادقة على الاتفاقيات الدولية”، مؤكدا أن “أي محاولة للقفز على هذه الصلاحيات والاختصاصات أو تعطيل عمل المجلس تعد اعتداء على صلاحيات أي برلمان منتخب”.