مجلس النواب الليبي يخفض قيمة رسوم النقد الأجنبي إلى 20 في المئة

بنغازي (ليبيا) - قرر مجلس النواب، مساء الأحد، خفض قيمة الرسم المفروض على سعر الصرف الرسمي للعملات الأجنبية، ليصبح 20 في المئة لكل الأغراض بدلا من 27 في المئة. وبهذا الإجراء يعدل المجلس قراره الصادر في منتصف مارس الماضي بفرض رسم (ضريبة) على سعر الصرف الرسمي للعملات الأجنبية بـ27 في المئة لكل الأغراض حتى نهاية العام الجاري.
وجاء في حيثيات القرار أنه صدر بناء على ما عرضه محافظ المصرف المركزي ناجي عيسى ونائبه مفتاح البرعصي بشأن تخفيض قيمة الضريبة. وحسب المادة الأولى من القرار الموقع “تخفض قيمة الرسم المفروض على سعر الصرف الرسمي، على أن يكون سعر الصرف مضافا إليه هذه النسبة، مع إمكانية تخفيضه حسب ظروف إيرادات الدولة الليبية خلال مدة سريان القرار”.
ونص القرار على استخدام الإيراد المتحقق من الرسم الضريبي في تغطية نفقات المشروعات التنموية إذا دعت الحاجة إلى ذلك، أو إضافته إلى الموارد المخصصة لدى مصرف ليبيا المركزي لسداد الدين العام بموجب قانون مجلس النواب رقم 30 لسنة 2023، مع مراعاة الاستثناءات الممنوحة من رئيس مجلس النواب”.
وفي الأول من أغسطس الماضي، نشر قرار فرض ضريبة على بيع الدولار بالجريدة الرسمية، بينما صدرت ثلاثة أحكام قضائية بوقف العمل بهذا القرار. وعقب قرار البرلمان، أصدرت إدارة الرقابة على المصارف والنقد بمصرف ليبيا المركزي تعميما للمصارف يقضي بتنفيذ قرار مجلس النواب القاضي بتخفيض الرسم على النقد الأجنبي واستئناف العمل بمنظومة الأغراض الشخصية، وتسهيل إجراءات فتح الاعتمادات لكافة الأغراض.
ولم يوضح مجلس النواب الليبي في نص قراره ما إذا كان يرمي من وراء خطوته هذه تجديد استمرارية الرسوم الضريبية على مشتريات العملات الأجنبية بنسبة 20 في المئة دون أفق زمني محدد، أم ستنتهي مع نهاية هذا العام. وقال عمر تنتوش رئيس اللجنة المالية بمجلس النواب، إن فرض الضريبة على الدولار جاء بناء على قانون أصدره مجلس النواب، ولا ينتهي إلا بنهاية السنة المالية، مؤكدا بأن لا يلغي القانون إلا قانون، لذلك لن تلغى الضريبة إلا في حال أصدر النواب قانونا آخر بإلغائها.
من جهته، لوح مستشار المجلس الرئاسي زياد دغيم، باتجاه المجلس الرئاسي للقضاء ضد قرار رئيس مجلس النواب. وقال دغيم، في تصريحات صحفية، إن “القرار باطل لعدم الاختصاص، ففرض الرسوم اختصاص السلطة التنفيذية”. وادعى أن “القرار سيزيد معاناة الشعب لصالح تغطية العجز بسبب باب الدعم المتضخم بشكل غير منطقي بسبب نظام المقايضة المسبب للعجز في 60 المئة من إيرادات النفط من العملة الصعبة”.
وفي شهر أبريل الماضي، قضت محكمة استئناف مصراتة الليبية بوقف القرار الذي سبق أن أصدره رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، بشأن فرض ضريبة تبلغ 27 في المئة على مشتريات العملات الأجنبية.
وكان عقيلة صالح، قد أصدر في 15 مارس 2024 القرار رقم (15) لسنة 2024، بفرض “ضريبة” على سعر الصرف الرسمي للعملات الأجنبية بقيمة 27 في المئة حتى نهاية العام 2024، وذلك بعدما اقترح محافظ مصرف ليبيا المركزي آنذاك، الصديق الكبير، تعديل سعر صرف الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية، وفرض رسم بـ27 في المئة على النقد الأجنبي، متوقعًا أن يتراوح سعر الصرف بين 5.95 و6.15 دينار للدولار الواحد، بعد فرض الرسم لجميع الأغراض باستثناء القطاعات التي تمول من الخزانة العامة ذات الطابع السيادي والخدمي فقط.
ونصت المادة الأولى من القرار، على أن يكون سعر الصرف مضافا إليه نسبة 27 في المئة مع إمكانية تخفيضه حسب ظروف الإيرادات للدولة الليبية، وذلك خلال مدة سريان القرار.
فيما نصت المادة الثانية من القرار على أن يكلف محافظ مصرف ليبيا المركزي بتنفيذ القرار، وذلك بتعديل سعر بيع العملات الأجنبية بما يتوافق مع هذه الضريبة المفروضة، وتحديد القيمة المضافة على بيع تلك العملات مقابل العملة الليبية، على أن تتوفر العملة الأجنبية بكل المصارف العاملة بليبيا. وواجه القرار معارضة واسعة من قبل مختلف شرائح المجتمع الليبي، الذين اعتبروه عبئا إضافيا على كاهلهم.
وتوالت ردود الفعل الرافضة من داخل البرلمان، حيث طالب 30 عضواً في المجلس عقيلة صالح بسحب القرار، معتبرين أنه “قرار مجحف بحق المواطن البسيط”، وأنه “غير مدروس”، وخطوة “تشكل ضرراً على المواطن دون أن تكون حلاً لأي مشكلة، بل تشجيعاً على المزيد من الصرف خارج القانون وتغطية للنهب الحاصل في مختلف بنود الميزانية”.
كما اتهم النواب رئيس البرلمان بتجاوز صلاحياته، مؤكدين أنه “لا يمكن فرض ضريبة إلا بقانون يصدر عن قاعة المجلس”، مطالبين بعقد جلسة عامة لمناقشة المقترح، مهددين باللجوء إلى القضاء لوقف القرار، في حال عدم الاستجابة لمطلبهم.
وشدد رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته عبدالحميد الدبيبة، على “عدم القبول” بفرض ضريبة على سعر الصرف، محذرًا من “آثار سلبية” للضريبة سيتحمل تبعاتها المواطن الليبي، لكن مصرف ليبيا المركزي وجه المصارف بتنفيذ قرار رئيس مجلس النواب بشأن فرض رسم على سعر صرف العملات الأجنبية بصفة مؤقتة.
وشدد الدبيبة على تسهيل إجراءات التعامل بالنقد الأجنبي، بما فيها فتح الاعتمادات المستندية لكل الأغراض والسلع والخدمات والأغراض الشخصية وفقًا للضوابط والتعليمات الصادرة عن مصرف ليبيا المركزي بالخصوص، مع تقديم إقرار يتعهد فيه الزبون بموافقته على قبول السعر مضافة إليه الضريبة.
وفي فبراير الماضي، وجه محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير خطابا إلى الدبيبة، تساءل فيه عن كيفية زيادة المرتبات والمنح في ظل تراجع حجم الإيرادات المتوقعة للعام 2024 إلى مستوى 115 مليار دينار.
وأوضح الكبير أن “التوسع في الإنفاق قد يُرضي بعض الفئات على المدى القصير ولكنه يتنافى مع مبادئ الاستدامة المالية وضمان حقوق الأجيال المقبلة، وهو ما تتطلبه الإدارة الرشيدة للمال العام”. وقال إن نفقات الدولة منذ العام 2021 حتى نهاية العام 2023 وصلت إلى “قرابة 420 مليار دينار” في ثلاث سنوات، وكان معظم هذا الإنفاق “استهلاكيا مما ولد ضغوطا على سعر صرف الدينار الليبي”.
وشهدت الفترة الأخيرة تدهورا ملحوظا في سعر صرف الدينار بالسوق الموازية، حيث هبط السعر من 5.20 إلى نحو 7.25 مقابل الدولار الأميركي، فيما يستمر استقرار السعر الرسمي عند 4.85، الأمر الذي دفع المحافظ إلى اقتراح فرض الضريبة، على أن يكون السعر ما بين 5.95 و6.15 دينار للدولار الواحد.
ورغم الأزمات والفوضى، أنهت ليبيا العام الماضي بمعدل تضخم بلغ 2.4 في المئة، وفق بيانات البنك المركزي، وهو أقل بكثير من المستوى المسجل في باقي الدول العربية بشمال أفريقيا.
ويشكو النظام المالي الليبي من ثغرات كثيرة يتوجب إصلاحها، مردّها تأثيرات الحرب ورفض النافذين أيّ مساع لإعادة بناء قدرات اقتصاد البلد النفطي العضو في أوبك. ويقول خبراء إنه يحتاج إلى إصلاحات عميقة لتنسجم مع الظروف الراهنة لأن توفير التمويل للشركات والمستثمرين سيحرّك خيوطا كثيرة، منها الاستهلاك وتنمية التجارة وتحصيل عوائد إضافية لخزينة الدولة.