مجلس الإعلام في مصر عاجز أمام "حروب" القنوات الرياضية

عدم التدخل الحاسم والقوي من الهيئات المعنية بتنظيم الإعلام في مصر لضبط منظومة الإعلام الرياضي يعكس ضعفا غير مبرر في مواجهة المتجاوزين الذين أشعلوا “الحروب”.
القاهرة - عكست جملة قرارات أصدرها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر أخيرا لضبط منظومة الإعلام الرياضي حالة الوهن التي تبدو عليها الهيئات الإعلامية في مواجهة سطوة بعض المنابر الرياضية ونفوذها وانفلاتها، رغم ارتكاب العديد منها لمخالفات تسببت في احتقان جماهيري غير مسبوق.
وعولت نسبة كبيرة من الجمهور المصري أن يخرج الاجتماع الطارئ الذي عقده مجلس الإعلام، الثلاثاء الماضي، بقرارات وعقوبات فورية ضد المنابر الرياضية المتجاوزة، لكن جاءت النتيجة مخيبة للآمال بعد أن لوّح المجلس بسحب تراخيص أيّ قناة تتجاوز، وحذر من استمرار الخروقات.
ورغم اعتراف المجلس في بيانه بأنه “تم رصد تجاوزات خطيرة في الإعلام الرياضي من خلال لجان التحقيق التي تتابع القنوات الفضائية وردود أفعال الرأي العام”، إلا أنه لم يصدر عقوبة ضد أشخاص أو منابر محددة، واكتفى بالتحذير وبحث التجاوزات، وأنه سوف تكون هناك تدخلات عاجلة وفورية.
وبدا المجلس، وهو أعلى هيئة إعلامية معنية بإدارة المشهد في مصر، مرتبكا وغير قادر على المحاسبة وضبط إيقاع المنظومة، مع أن الجماهير المصرية تعرف جيدا من المخطئ وما هي طبيعة التجاوزات، وثمة أدلة تستحق عقوبات صارمة لتطهير الإعلام.
وقال كرم جبر رئيس مجلس تنظيم الإعلام إن المجلس مستمر في الانعقاد لبحث التجاوزات بحضور الجهات المختصة والتدخل الحالي مرتبط بانتهاء مهلة تسوية الخلافات القائمة في الوسط الرياضي، حيث كان هناك تعويل على حل الخلافات القائمة بين المنابر الرياضية، لكن ذلك لم يحدث.
وتوحي هذه النبرة بمدى وجود حالة ضعف وخوف من تدخل الهيئات الإعلامية في أزمات الإعلام الرياضي خشية الصدام مع أشخاص لهم نفوذ، وكان الحل من وجهة نظرها ترك أصحاب المشكلة يضعون الحلول، مع أن ذلك لا يحدث مع باقي المنابر.
وما يلفت الانتباه أن مجلس تنظيم الإعلام لم يتطرق إلى اسم محدد لقناة أو برنامج وتحدث في العموم، مع أن غالبية المنابر الإعلامية في صدام يومي مع قناة الزمالك ورئيس النادي مرتضى منصور بسبب تجاوزاته في حقها، حيث اعتاد بعض المذيعين الرد على إهاناته لهم، والتي وصلت حد السب والقذف العلني.
وأكد محمد شومان عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية في القاهرة أن غياب مهنية الإعلام الرياضي مرتبط بعدم تطبيق مواثيق الشرف بشكل صارم، وتتعامل بعض المنابر مع القضايا الرياضية بفكر متحزب وتنحاز بعض البرامج لأندية محددة، وهذا يضاعف من صعوبة ضبط المشهد.
وأضاف لـ”العرب”، أن الانتماء الرياضي لبعض المذيعين أزمة معقدة، وهذا جزء من اختلال المعايير المهنية، فهناك بعض الوجوه الإعلامية التي يطغى عليها الانتماء للنادي الذي تشجعه وحتى الضيوف أنفسهم لهم انتماءات، وبالتالي يشعر الجمهور بأن الرسالة موجهة بشكل شبه متعمد.
وتخطى التنافس الرياضي بين قناتي الزمالك والأهلي المستوى المسموح به مهنيا، وأصبحت المعارك طاغية على المحتوى المقدم في القناتين، فبرامج الأهلي تظهر كأنها تدعم خطوات التخلص من رئيس الزمالك بعد أن أصبح عبئا على الدولة.
ويشير المحتوى المقدم على شاشة قناة الزمالك بخطاب حزب يشعر بالاستهداف والمظلومية ومحاولة إبقائه غارقا في المشكلات على أمل توظيف قاعدته للضغط على دوائر صناعة القرار للتدخل في حل أزماته، ويتم استغلال ذلك في توجيه السباب للمنابر الداعمة للأهلي.
وترتب على هذا الواقع أن العديد من المنابر الإعلامية تبارز نفسها عبر التلاسن اللفظي وتبادل الاتهامات، فإذا انتقد برنامج بعينه منبرا لانحيازه إلى اسم ناد محدد يأتي الرد من مقدم البرنامج المتهم بالانحياز وصار الإعلام الرياضي أقرب إلى ساحة معارك.
ولأول مرة يُطلق كرم جبر على ما يحدث في الإعلام الرياضي مسمّى “حرب”، في مؤشر يعكس إلى أي درجة وصلت خطورة الوضع الراهن دون تدخل حاسم وقوي من الهيئات المعنية، والضعف غير المبرر لمواجهة المتجاوزين الذين أشعلوا هذه الحرب.
وأقر المجلس بأن بعض القنوات والبرامج الرياضية أصبحت تبث الكراهية حتى سادت في الوسط الإعلامي كله، ما ينعكس على الشباب وينذر بخطر حقيقي، معترفا بأن الأمر وصل إلى حافة الخطر، فيما تعهد بأنه سيبدأ متابعة كل البرامج لرصد الخروقات واتخاذ إجراءات عاجلة لوقف التجاوزات.
وطالب المجلس القنوات الفضائية والبرامج الرياضية بالتوقف الفوري عن بث الكراهية والتعصب والحقد وانتقاد الحكام والخوض في السمعة والسيرة الشخصية والذاتية وانتهاك الحرمات للوصول إلى ما يسمى بـ”الإعلام النظيف” الذي يدخل كل البيوت، ويتطلب إعلاء القيم والمبادئ واحترام القواعد المهنية.
وفي اعتراف غير مباشر بالعجز عن المواجهة المنفردة لتجاوزات المنابر الرياضية دعا المجلس نقابتي الصحافيين والإعلاميين ولجان اتحاد الكرة والرياضة بمجلس النواب للتدخل في إصدار ميثاق شرف رياضي لمواجهة ما يحدث في الوسط الرياضي بعدما وصلت ممارساته إلى مستوى متدن.
التنافس الرياضي بين قناتي الزمالك والأهلي تخطى المستوى المسموح به مهنيا، وأصبحت المعارك طاغية على المحتوى المقدم في القناتين
ويرى متابعون أن سعي مجلس تنظيم الإعلام لتدوير الأزمة وربطها بعدم وجود ميثاق شرف رياضي للإعلام دليل على العجز، لأن هناك مدونة سلوك مطبقة منذ فبراير 2022، وتتضمن بنودا وعقوبات كثيرة ضد المتجاوزين، لكنها غير مفعّلة أمام وجود مخاوف من تطبيقها بحذافيرها.
ولدى هؤلاء المتابعين شعور بأن تراخي الهيئات الإعلامية في التعامل بحزم مع تجاوزات البرامج الرياضية يرتبط بخشية ردة فعل الجمهور الذي قد يصنف ذلك على أنه استهداف متعمد لناد بعينه، ويتم جرّ الحكومة إلى المشكلة والإيحاء بأنها تسعى لهدم النادي من خلال التربص بالمنبر الإعلامي الذي يدافع عنه ويتحدث بلسانه.
وطالما لا تعترف الهيئات الإعلامية بأنها مسؤولة عن جزء كبير من فوضى الإعلام الرياضي لن تكون هناك حلول جذرية، لأن غالبية مقدمي البرامج الرياضية لم يحصلوا على رخصة مزاولة المهنة، أي أنهم مخالفون للحد الأدنى من الاشتراطات المنصوص عليها في اللوائح المنظمة للإعلام، ويتم غض الطرف عن هذه المخالفة.
وهناك عقوبات سابقة ضد مذيعين رياضيين ارتكبوا مخالفات مرتبطة بتغذية الاحتقان الجماهيري لم يتم حل أصل المشكلة المرتبط بها لكون معظم مقدمي البرامج لم يحصلوا على ترخيص بالظهور على الشاشة ولا تنطبق عليهم الشروط، فغالبيتهم لاعبون سابقون أو نجوم كرة سابقون أيضا، أو أعضاء في اتحاد كرة القدم.
وأوضح محمد شومان لـ”العرب” أنه لا بديل عن التدخل بصرامة لمحاسبة المتجاوزين، لأن الصمت على العشوائية الحاصلة في البرامج الرياضية قد يصل إلى منابر أخرى، ما يضع المشهد برمته في مكانة بالغة الخطورة.
وإذا استمر إخفاق الهيئات الإعلامية في وقف انفلات المنابر الرياضية ستواجه الحكومة أزمة في مخاطبة الناس، لأن الجمهور ينجذب إلى صراعات الإعلام الرياضي في ذروة حاجة الدولة إلى اهتمام الشارع بما تقوم به من إنجازات وما تواجهه من تحديات على الأرض، لكن المنابر الرياضية تلهي الشارع بالصراعات.