مجلس الأمة الجزائري يختار رجل قانون بلا طموح سياسي لرئاسته

الجزائر - حافظ أعضاء مجلس الأمة الجزائري على تقليد التزكية في اختيار رئيسه، ففي ظل غياب منافسة سياسية مفتوحة تم اختيار رجل القانون المتقاعد والبرلماني عزوز ناصري لخلافة سلفه المنتهية ولايته صالح قوجيل، وهو شخصية يغلب عليها الطابع القانوني كونه تقاعد من جهاز القضاء، ولا يملك في سيرته السياسية إلا ولايتين نيابيتين، وانحدر من جبهة التحرير الوطني، قبل أن يكون من مؤسسي حزب طلائع الحريات، وهو ربما السيرة التي تناسب وتريح السلطة من أي طموح سياسي مفاجئ لشخصية من داخل المعسكر.
وزكت المجموعات البرلمانية بمجلس الأمة الجزائري (الغرفة الثانية للبرلمان) العضو عن الثلث الرئاسي عزوز ناصري (80 عاما)، رئيسا جديدا، خلفا لصالح قوجيل المنتهية ولايته، لينتهي بذلك الجدل المستجد حول الفراغ الدستوري في الهيئة، بعد تأخر تنصيب الأعضاء الجدد وانتخاب الرئيس الجديد. ويعد الرئيس الجديد لمجلس الأمة أحد الوجوه القضائية في الجزائر، قياسا بتدرجه في مسؤوليات عدة في القطاع إلى أن تقاعد منه، الأمر الذي سيكون دعما قانونيا للهيئة التشريعية في استصدار التشريعات وتواؤمها مع المحكمة الدستورية والعهود والمواثيق التي وقعّت عليها الجزائر.
وكانت دوائر سياسية وإعلامية في الجزائر قد تداولت عدة لوائح وشخصيات لشغل مقاعد الثلث الرئاسي، ورئاسة الغرفة التشريعية الثانية، على غرار الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني عبدالعزيز بلخادم، والعقيد المتقاعد بلقاسم بوخاري، قبل أن تستقر دوائر السلطة على شخصية القاضي والنائب السابق عزوز ناصري. وارتبطت التأويلات السابقة بالطبيعة السياسية للمنصب، فعلاوة على أنه يمثل الرجل الثاني في الدولة بعد رئيس الدولة عبدالمجيد تبون، بموجب دستور البلاد، فإنه الشخصية التي تقود المرحلة الانتقالية في البلاد، في حال حدوث شغور رئاسي قسري.
ولم يتأخر الرجل في التعبير عن تماهيه مع خطاب السلطة، خاصة في ما يتعلق بالأزمة القائمة مع فرنسا، حيث ذكر في أول تصريح له، عقب انتخابه رئيسا لمجلس الأمة، أن “الجزائر المسالمة والعصية على أعدائها لا ترضى بالمساس في قرارها السيادي المستقل من أي جهة خارجية كانت، بما فيها فرنسا التي صارت تحن إلى ماضيها الاستعماري، وتسعى إلى زعزعة استقرار مؤسساتنا الدستورية والتشكيك في نزاهة نظامنا القضائي”، في تلميح إلى التصريحات الرسمية الواردة من باريس، المتعلقة بقضية سجن وإدانة الكاتب الفرانسي – الجزائري بوعلام صنصال، ومبررات عدم تسليم وزير الصناعة الأسبق عبدالسلام بوشوارب، والناشط في حركة “ماك” الانفصالية أكسل بلعباسي، إلى القضاء الجزائري.
◙ عزوز ناصري شدد على أن العلاقات بين الجزائر وباريس يتوجب أن تكون ندية وتتميز بتبادل المصالح المشتركة
وأدرج الرئيس الجديد ما وصفه بـ”الابتزاز السياسي المرفوض، والممارسات الدنيئة والتافهة، وعمليات اختراق سيادة البلد تحت غطاء دبلوماسي”، ضمن ظهوره الأول، للتأكيد على تناغم مبادئ السياسة الخارجية للبلاد، بين المؤسسات الرسمية وبين الهيئة البرلمانية، ليتأكد بذلك أن صوت مجلس الأمة سيكون ترديدا لصدى السلطة، خاصة في ما يتعلق بالأزمة القائمة مع فرنسا.
وشدد المتحدث على أن العلاقات بين الجزائر وباريس يتوجب أن تكون “ثنائية وندية وتتميز بتبادل المنافع والمصالح المشتركة”، محمّلا الطرف “الفرنسي الرسمي تبعات تصرف مسؤوليه”، في إشارة ضمنية إلى تصرفات واستفزازات وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو العديدة، والذي تحمله الجزائر مسؤولية تخريب علاقات البلدين، رغم أنه يمثل أحد أضلاع الحكومة الفرنسية المكلفين بمتابعة ملف الأزمة.
ولا يملك الرئيس الجديد لمجلس الأمة رصيدا سياسيا بارزا، إلا ولايتين نيابيتين، الأولى كانت بين 2002 و2007، عن حزب جبهة التحرير الوطني، والثانية كعضوا في مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي بين 2020 و2025، كما يعرف عنه انحيازه لصالح الأمين العام السابق للحزب المذكور علي بن فليس، في الاستقطاب الذي اندلع العام 2004، بينه وبين الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، للاستحواذ على الحزب، واستقر به المقام كواحد من المؤسسين الأوائل لحزب طلائع الحريات المعارض.
وكان الرئيس المنتهية ولايته صالح قوجيل (94 عاما)، قد عقد لقاء تنسيقيا مسبقا مع رؤساء المجموعات البرلمانية وممثلي التشكيلات السياسية الأخرى الممثلة بالمجلس، لدارسة جدول أعمال الجلسة التي ستخصص لتنصيب أعضاء مجلس الأمة الجدد المنتخبين والمعيّنين، فضلا عن انتخاب رئيس مجلس الأمة بعنوان التجديد النصفي لتشكيلة المجلس لسنة 2025، لكن النقطة غير المعلنة في جدول الأعمال هي تزكية النائب عزوز ناصري رئيسا جديدا للهيئة، ولذلك سبقت التقارير الإعلامية الجلسة ذاتها، مما يكرس غياب المنافسة السياسية المفتوحة، ووفاء الهيئة لتقليد التزكية وفق الإملاءات غير المعلنة.
واستغل صالح قوجيل، الذي يعتبر آخر وجه من رعيل الثورة التحريرية في مناصب المسؤولية، الفرصة للقول في جلسة الوداع “توليت رئاستها في ظرف وطني عظيم يؤرخ لبداية مرحلة جديدة في الجزائر رافقت مسارا وطنيا جديدا بعد حراك أصيل مبارك، انساب بسلميته في كل ربوع البلاد، وطالب بالتغيير وباقتلاع جذور الفساد من هذه الأرض الطاهرة.”
وأضاف “وإنها لمن تدابير الله الطيبة الخفية أن تتزامن رئاستي للغرفة العليا للبرلمان، مع إرساء دعائم الجزائر النوفمبرية الجديدة تحت قيادة وطنية رشيدة. لقد سعيت من منبر مجلسنا السامي، أن أواصل نضالي الدائم من أجل الجزائر.. نضال بدأته شابا فتيا بين أحضان الحركة الوطنية، ثم مجاهدا في صفوف جيش التحرير الوطني، واستكملته بتلبية نداء الواجب في كل المسؤوليات التي أوكلت لي.. وها أنا اليوم أغادر إحداها مرتاح البال والضمير حامدا الله على ما حباني.” وختم بالقول "أغادر مطمئن القلب، فالجزائر المنتصرة لن تخيب بمؤسساتها القوية وكفاءاتها الوطنية وأبنائها الصالحين."