مجلة "كتاب" تحتفي برحلة خوان غويتيسولو الأدبية من برشلونة إلى مراكش

الشارقة - تناولت مجلة “كتاب” في عددها الـ78، رحلة الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو لاستكشاف جذوره في الثقافة العربية، إذ أكد ارتباط الثقافة الغربية بإرث عربي إسلامي. وكان الروائي الذي بدأ مشواره الأدبي برواية “اللعبة السحرية” عام 1954، وتوفي في مدينة مراكش عام 2017، يرى أن مهمة الكاتب الرئيسية تتمثل في البناء على الإرث الأدبي، وتوظيفه بطرق جديدة لتنمو “الشجرة الأدبية” التي ينتمي إليها بوصفه إنسانا قبل أن يكون كاتبا.
وتتابع المجلة رحلة خوان غويتيسولو الذي ولد في برشلونة سنة 1931. قلبت الحرب الأهلية الإسبانية حياته رأسا على عقب، وطبعت طفولته بجراح لا تلتئم كان أكثرها تأثيرًا على نفسيته تفجير القنابل لجسد أمه إثر قصف جوي لطيران الجنرال فرانكو لوسط برشلونة سنة 1937.
صار الكاتب الشاب بعدها معارضا شرسا لفرانكو ونظامه، ثم بدأ ينتقد بشدة كل الأساطير المؤسسة للقومية الإسبانية، وكان ينتقد على الخصوص الإصرار الغريب للتاريخ الإسباني الرسمي على إنكار الدور المحوري للعرب والمسلمين في صياغة الشخصية الحضارية لإسبانيا في القرون الوسطى. بل ظل يعتبر طرد الموريسكيين من شبه الجزيرة الإيبيرية “فصلا أسود” في تاريخ إسبانيا.
أحس خوان الشاب بالاختناق داخل بلده إسبانيا. لهذا قرر الهجرة إلى باريس التي استقر فيها منذ سنة 1956، وبدأ يتحول بالتدريج إلى نجم من نجوم المشهد الثقافي الباريسي. لكن لقاءه بجان جينيه كان نقطة تحول في مساره، حيث انتبه بتعرُّفه على جينيه إلى نموذج الكاتب الذي يحلم بأن يصيره.
كما اكتشف أن الأضواء الباريسية بدأت تبعده عن طموحه العميق في كتابة أدب حقيقي ينشغل بقلق الإبداع وليس بهواجس الشهرة والذيوع، أدب قوي يطرح القضايا الكبرى ويفضح النفاق الغربي وينخرط في مجرى إنساني عميق يسخر فيه من النزعة الأوروبية الساذجة.
لهذا بالضبط احتاج خوان إلى مسافة معقولة ليُنجز مشروعه الأدبي والثقافي الكبير. جاء إلى طنجة أولًا سنة 1965. لكن سنة 1976 سيزور مراكش التي اختارها منذ ذلك الحين مقامًا له. صارت مراكش مدينته. وصار خوان يشتغل يوميا بالقراءة والتأليف قبل أن يخرج كل مساء إلى ساحة جامع الفنا ليأخذ قهوته مع أصدقائه الذين ليسوا سوى حكواتيي الساحة الشهيرة وبعض من صُنّاع فُرجتها من رواد موسيقى “كَناوة” الشعبية.
وعلاوة على احتفائها بغويتيسولو نشرت المجلة التي تصدر عن هيئة الشارقة للكتاب موضوعات عن الكتابة والنشر والقراءة، من بينها حوار مع الأديب السنغالي ماروبا فال الذي وصف الثقافة العربية بأنها “مذهلة”. وتناول استطلاع للمجلة مع أدباء عرب أهمية اختيار عناوين الكتب بوصفها عتبات أولى تثير اهتمام القراء. ورصد مقال عن الشاعر ياروسواف إيفاشكيفيتش حضور الثقافة العربية في الأدب البولندي.
وفي افتتاحية العدد الجديد، كتب الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب، رئيس تحرير المجلة، أحمد بن ركاض العامري مقالا بعنوان “الشارقة تشرق في المغرب”، تناول فيه دلالات الاحتفاء المغربي بالشارقة ضيف شرف المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط، من 17 حتى 27 أبريل الجاري. وقال إن هذا التتويج للشارقة يأتي “تقديرا لمكانة إمارة المحبة والكتاب، ومشروعها الثقافي التنويري القائم على المعرفة والجمال والإبداع.”
وأضاف “تتواصل جهودنا في تعزيز التبادل الثقافي مع عواصم الثقافة العربية والإقليمية والعالمية، بتوجيهات الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، التي تؤكد أهمية مشاركة الشارقة بصفتها ضيف شرف معرض الكتاب في العاصمة الرباط، لما يمثله هذا الحضور المشرق في المغرب، أرض الثقافة العريقة، وأرض الحضارات.”
وأكد العامري أن “آفاق التعاون بين إمارة الشارقة والمغرب مفتوحة على صيغة شاملة، في صناعة النشر والمعمار المعرفي والجمالي وفي الحفاظ على التراث الذي يشكل رسالة الأجداد إلى الأجيال، ويُعد أحد أركان الهوية الثقافية.”
وتضمن عدد أبريل من مجلة “كتاب” موضوعات عن أدباء وكتاب من المغرب واليابان وفلسطين وفرنسا ومصر وإسبانيا والأردن والسنغال وبولندا وسوريا والصين، فضلا عن زوايا لكل من الكتاب: حسن مدن من البحرين، لاورا غاغو غوميث من إسبانيا، زهير أبو شايب من فلسطين والأردن، محمد حقي صوتشين من تركيا، خلود المعلا من الإمارات، عبدالصمد بن شريف من المغرب، علاء عبدالهادي من مصر، صلاح بوسريف من المغرب، محسن الرملي من العراق وإسبانيا، نبيل سليمان من سوريا، صالح أبوأصبع من فلسطين والأردن، نايدا مويكيتش من البوسنة والهرسك، ووائل فاروق من مصر وإيطاليا.
وفي زاويته “رقيم”، كتب مدير تحرير مجلة “كتاب” علي العامري مقالا بعنوان “المغناطيس المغربي”، قال فيه “الآن، في الربيع، ومع احتفاء المغرب بالشارقة ضيف شرف المعرض الدولي للنشر والكتاب في الرباط، تتجلى الكلمة، وتتجلى المحبة، ويتجلى الجمال.” وتحدث عن سحر الطبيعة والثقافة الشعبية والآداب والفنون المغربية التي استقطبت عددا كبيرا من مشاهير الأدباء والرسامين الذين زاروا المغرب أو اختاروه مقاما لهم حتى وفاتهم.