مجلات الشعر

خبر صدور مجلة خاصة بالشعر، حتى لو كانت موسمية، يتحول إلى حدث ثقافي يستقطب اهتمام الإعلام الثقافي والمعنيين بأمور الشعر رغم التحديات الكبيرة التي أصبح يواجهها صدور هذه المجلة.
الثلاثاء 2019/01/29
الواقع الثقافي يعاني من تكريس ظواهر سلبية كثيرة (لوحة: محمد ظاظا)

حركة التطوّر والتجديد التي قادها رواد القصيدة الحديثة في الشعر العربي بقيت دون حاضنة ثقافية حقيقية، والدليل هو غياب المجلات الخاصة التي تعنى بالشعر وبقضايا الشعرية الجديدة.

والمجلة الوحيدة التي صدرت في نهاية الخمسينات كانت بتمويل خارجي، لكنها لم تستطع أن تواصل صدورها سوى سنوات قليلة، تلتها مجلة ثانية في مصر، لكنها لم تستطع أن تحقق حضورها عربيا، حتى أصبح صدورها أو عدمه لا يعني شيئا.

صدرت مجلة شعر اللبنانية التي اتسمت بنخبويتها في مرحلة شعرية غنية وهامة، كانت المعركة فيها بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر تطغى على هذا المشهد، وعلى الرغم من التأثير الذي تركته في الحياة الثقافية العربية، إلاّ أنها عجزت عن التأسيس لحالة شعرية مستدامة تنظيرا وإبداعا، لذلك لم تظهر أي مجلة بديلة تملأ الفراغ الذي خلّفه غيابها، على الرغم من تسيّد الشعر للمشهد الأدبي العربي.

وحاولت مجلات ثقافية أخرى أن تسد جزءا من هذا الفراغ، عبر تخصيص مساحة مهمّة للشعر وللدراسات الخاصة به، لكن ذلك لم يكن كافيا للاعتراف بالقيمة الخاصة التي كان يمثلها الشعر، ما يدل على غياب الاهتمام لدى الجهات الثقافية الرسمية العربية بإصدار هكذا مجلة تعمل على تعزيز حضور الشعر، ويعد ذلك مفارقة في زمن التحولات السياسية والاجتماعية التي كان الشعر سبّاقا في التعبير عنها.

المغامرة تتطلب اختيار هيئة تحرير تمتلك رؤية متكاملة ووعيا جماليا خاصا بالقيمة الحقيقة للإبداع، إضافة إلى إدراك كبير بأهمية تجديد الحوار حول قضايا الشعر الجمالية والفكرية

لذلك يتحول خبر صدور مجلة خاصة بالشعر، حتى لو كانت موسمية، إلى حدث ثقافي يستقطب اهتمام الإعلام الثقافي والمعنيين بأمور الشعر. إن أهمية هذا الحدث بالنسبة للشعراء ومحبي الشعر لا تقلّل من أثر التحديات الكبيرة التي أصبح يواجهها صدور هذه المجلة، لعل أهمها حالة الفوضى التي يعيشها واقع الشعر وتراجع الاهتمام به قراءة ونقدا وتوزيعا.

التحدي الآخر والأهم هو محدودية تسويق المجلات الثقافية، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بالشعر، ما يضاعف من المسؤولية ويستدعي بلورة رؤية متقدمة تأخذ في حسابها أن تكون منبرا حقيقيا للشعر، تتمثل فيه التجارب الشعرية على اختلاف أجيالها وتوجهاتها، بحيث تسهم في استعادة حضور الشعر وقيمته الجمالية والفكرية، بعد أن بات الشعر طريقا سهلا لكل عابر سبيل.

إن هذه المغامرة تتطلب اختيار هيئة تحرير تمتلك رؤية متكاملة ووعيا جماليا خاصا بالقيمة الحقيقة للإبداع، إضافة إلى إدراك كبير بأهمية تجديد الحوار حول قضايا الشعر الجمالية والفكرية، وسبل النهوض بالتجربة الشعرية العربية، في واقع ثقافي يعاني من تكريس ظواهر سلبية كثيرة، كان الشعر في مقدمة ما يعاني منها، سواء على صعيد النشر والتكريم، أو مدعي الشعر والحداثة.

15