مجزرة الأشجار تثير غضب الشارع المصري على الحكومة

القاهرة - أخفقت الحكومة المصرية التي سيعاد تشكيلها قريبا في تهدئة الغضب الشعبي ضد إزالة الأشجار وتقليص بعض المساحات الخضراء، في حين كشف مسؤولون في ثلاث وزارات عبر بيانات رسمية وجود توجه نحو زيادة معدلات التشجير في البلاد، لكن ذلك لم يوقف الحملة الغاضبة ضد تصرفات الحكومة.
وأعاد الارتفاع اللافت في درجات الحرارة في مصر مع أول أيام عيد الأضحى تسليط الضوء على إجراءات اتخذتها جهات حكومية لإزالة أشجار من شوارع وميادين في القاهرة، ما حرم مواطنين من راحة وفّرتها ظلال الأشجار لهم. ونفت وزارات البيئة والإسكان والزراعة وجود خطة للتخلص من الأشجار، وبادر مجلس الوزراء بالإعلان عن زيادة عدد الحدائق لتحسين الصورة السلبية عن الحكومة، لكن صور وفيديوهات ملأت الفضاء الإلكتروني أحرجت الخطاب الرسمي.
وأوضحت صور لعمليات تطوير شملت مناطق متفرقة وجود شبه كراهية من مسؤولين لما هو أخضر في بعض الشوارع والميادين، وطرق رئيسية بين المدن، مقابل هيمنة كتل إسمنتية على المظهر العام، ما عمّق من الغضب الجماهيري. وفسّر هذا الغضب بطريقة أخرى، إذ بدا في نظرهم نوعا من الإسقاط السياسي على قضايا أكثر أهمية لا يتحدث عنها المواطنون مباشرة، واستغلوا ما يسمى بـ”مذبحة الأشجار” لتوجيه لوم إلى الحكومة على أنها لا تحسن التصرف وترتيب أولوياتها.
وتزامن الضيق من تصرّف الحكومة مع إصرارها على قطع التيار الكهربائي يوميا لمدة ساعتين في أنحاء متفرقة لتخفيف أزمة الطاقة التي تعيشها البلاد، ما جعل الناس يشعرون بذروة ارتفاع درجات الحرارة، وقرّروا التصعيد ضد ما من شأنه أن يضاعف من إحساسهم بالحرارة المرتفعة وسوء الأحوال المناخية.
وبدت الحكومة كأنها تناقض نفسها بالسير عكس اتجاه توجهاتها، فهي التي تروّج لمبادرات بينها “اتحضّر للأخضر”، و”زراعة مئة مليون شجرة”، والاتجاه نحو الهيدروجين الأخضر، وتعلن على لسان وزيرة البيئة عزمها على زراعة 1.4 مليون شجرة أخيرا، بينما هي تتمادى في تقليص المساحات الخضراء، بحجة التوسع في البنى التحتية وتوسعة الطرق أمام المارة.
وأعاد معارضون تذكير الحكومة بأن مصر استضافت قمة المناخ منذ نحو عامين، ما يفرض عليها التوقف عن اتخاذ إجراءات لا تراعي التغيرات المناخية، والتحجج بأن بناء الجسور والطرق يمنحها مشروعية قطع الأشجار. ولوحظ وجود توجه رسمي للرد سريعا على الحملات المتصاعدة ضد الحكومة، والتي اعتادت التعامل مع الجدل المحتدم على شبكات التواصل الاجتماعي بلامبالاة نسبيا، وربما باستخفاف، من منطلق أنه تفريغ لشحنات غضب مكتوم.
وهرعت أكثر من وزارة في توقيت واحد للدفاع عن الحكومة ضد اتهامها بالانتقام من الأشجار، ويرتبط ذلك بمحاولة عناصر إخوانية استغلال الغضب لتحقيق مآرب سياسية وزعمت أن القاهرة تقوم بتصدير الفحم إلى إسرائيل بعد قرار كولومبيا بوقف تصديره، وهو ما دفع الحكومة المصرية للتمادي في مذبحة الأشجار.
ونفت وزارة البيئة هذه النوعية من الاتهامات ومحاولة تسييس ما حدث في معركة الأشجار المحلية، وقال مساعد وزيرة البيئة للتخطيط والاستثمار محمد معتمد إن الحكومة تضطر أحيانا إلى إزالة بعض الأشجار القائمة في الشوارع والمحاور المرورية لإفساح المجال لمشاريع التنمية. وتدخّل مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) على خط الأزمة بوقوف عدد من النواب في صف الشارع ضد الحكومة واتهامها بأنها دمرت حدائق شاسعة، وقلصت اللون الأخضر بلا مبررات منطقية، وانتشرت الطرق والكباري والمقاهي ومحطات الوقود.
وطالب بعض النواب بمحاسبة فورية للمتورطين في ما اعتُبر “جريمة تستحق المساءلة القانونية”، وتشجير عدد من الشوارع والميادين والطرق لترضية الناس. وأكد سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة أن الغضب المحتدم ضد تقليص المساحة الخضراء حمل رسالة سياسية، وأشار إلى أن الناس لن يصبروا كثيرا على فرض الأمر الواقع، وعلى الحكومة مراجعة مواقفها.
وأضاف صادق في تصريحات لـ”العرب” أن جزءا من الغضب الشعبي ضد مجازر قطع الأشجار يرتبط بوجود تحفظات على التوسع في المحاور المرورية وإنشاء الجسور، لأنها ليست ذات أولوية قصوى في ظل الأزمة الاقتصادية المحتدمة التي تعيشها البلاد، ولذلك فالغضب الراهن له رواسب تتعلق بتصورات وسياسات تتبناها الحكومة عامة.
وعانت مصر من ازدحام مروري غير مسبوق، ما دفع الحكومة إلى بناء عدد من الجسور والمحاور وتوسعة العديد من الطرق داخل المدن وخارجها، ما تطلب إزالة أشجار قديمة في أحياء راقية وشعبية، وهو ما ظهر في مقارنات المصريين مؤخرا.
◙ الحكومة وهي تحاول تبرئة ساحتها من تهمة تقليص المساحات الخضراء تصدّر لنفسها أزمة سياسية بالحديث عن حدائق شاسعة في مدن عمرانية جديدة
ويرى مراقبون أن أزمة الحكومة وهي تحاول تبرئة ساحتها من تهمة تقليص المساحات الخضراء، تصدّر لنفسها أزمة سياسية بخطاب مثيرة للاستفزاز عندما تدافع عن توجهاتها بالحديث عن وجود حدائق على مساحات شاسعة في مدن عمرانية جديدة. وولدّت تلك المبررات ردود فعل سلبية، لأن نسبة كبيرة من المصريين لا يستطيعون العيش في مدن حديثة لارتفاع ثمن السكن بها، مثل العاصمة الإدارية الجديدة التي صارت مقرا للحكم في شرق القاهرة.
وتسبب الارتباك الحكومي في تحول أصوات اعتادت تأييد النظام إلى أخرى تبدو معارضة، فالإعلامي عمرو أديب قال إن الأيام أثبتت أن “إزالة الأشجار جريمة، والجريمة الأكبر أن الناس يبحثون عن نقطة للظل وسط موجة شديدة الحرارة". وأوحت تفسيرات رسمية بافتقاد العديد من الوزراء للحنكة السياسية، فهناك من ألقى بمسؤولية القطع الجائر للأشجار على المحليات، وآخرون اكتفوا بنفي ما يثار، على الرغم من أن بعضه موثق بصور وفيديوهات وشهادات مواطنين.
وما أثار السخرية أن وزيرة البيئة ياسمين فؤاد، جرى تداول تصريح لها عبرت فيه عن حزنها لقطع الأشجار، ودافعت بأن جذورها (الأشجار) تسبب مشاكل مع الكابلات الكهربائية، وقالت من قبل “قطع الشجرة لتطوير طريق أهم فائدة من الإبقاء عليها”. ويعاقب القانون المصري كل من يقوم بقطع الأشجار بغرامة مالية، بالتوازي مع نصّ قانون العقوبات على معاقبة كل من يقطع أو يتلف أشجارا في أماكن وميادين عامة بالحبس أو بالغرامة، لكن نشطاء قالوا إن الحكومة لن تعاقب نفسها.
ولا تتخطى أزمة الأشجار محاولة تفريغ الشارع لشحنات غضبه حيال بعض الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، لكنها عكست ارتفاع منسوب التذمر في الشارع، وما لم تتحرك الحكومة التي سيعاد تشكيلها خلال أيام لوقف استثمار قوى معارضة للغضب، فإن الاستقرار السياسي الراهن سوف يصبح مهددا، فأزمة قطع الأشجار رماد قد يخفي نيرانا من الأزمات الأخرى.