مجازر الساحل السوري تهدد بإيقاظ شبح الفتنة في شمال لبنان

عاشت مدينة طرابلس في شمال لبنان أحداث عنف بين مواطنين ينتمون إلى الطائفة العلوية وآخرين من الطائفة السنية، وتأتي هذه التطورات تأثرا بأعمال القتل الجارية في الساحل السوري، وسط مخاوف لبنانية من أن القادم لم يأت بعد.
بيروت - أثارت المواجهات التي اندلعت في مناطق من طرابلس شمال لبنان، المخاوف من إيقاظ شبح الفتنة في المدينة التي سبق وعايشت أحداثا مؤسفة بين مواطنين ينتمون إلى الطائفتين العلوية والسنية.
وجاءت المواجهات الأخيرة تأثرا بالأحداث المروعة التي حصلت في الساحل السوري وما تخللها من مجازر استهدفت الطائفة العلوية، وأدت إلى مقتل المئات من المدنيين.
واندلعت المواجهات ليل السبت – الأحد، حينما تعرض فتى يبلغ من العمر 16 عاما للطعن بسكين من قبل شاب في منطقة جبل محسن ذات الأغلبية العلوية. وسرعان ما انتشرت شائعات تفيد بأن الضحية من محافظة إدلب في سوريا، وأن استهدافه جاء نتيجة التوتر الحاصل في سوريا، لكن تبين لاحقا أنه “من النَوَر” مكتوم القيد بحسب ما قالت الوكالة الوطنية للإعلام.
وأشعلت الشائعات توترا لاسيما في جبل محسن وباب التبانة ذات الغالبية السنية، قبل أن يتدخل الجيش اللبناني ويعيد ضبط الوضع الأمني في تلك المناطق.
وتشهد مدينة طرابلس الأحد هدوءا حذرا، في ظل انتشار مكثف لعناصر الجيش اللبناني.
وأثار ما جد في طرابلس مخاوف اللبنانيين من انتقال الصراع في سوريا إلى الداخل اللبناني لاسيما في الشمال، خصوصا وأن المشاهد الصادمة التي تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي عما يحصل بحق العلويين في الساحل السوري استفزت الكثير من أبناء الطائفة في جبل محسن.
وأقدمت قوات أمن مرتبطة بالإدارة الجديدة في سوريا على قتل المئات بينهم نساء وأطفال من الأقلية العلوية في منطقة الساحل في سوريا منذ يوم الخميس، ما دفع بالآلاف إلى الفرار من منازلهم.
وتداول نشطاء سوريون مقاطع فيديو تظهر العشرات من الجثث بملابس مدنية مكدسة قرب بعضها بعضا في باحة أمام منزل، وقرب عدد منها بقع من الدماء، بينما كان نسوة يولولن في المكان.
وفي مقطع آخر، يظهر أفراد بلباس عسكري وهم يأمرون ثلاثة أشخاص بالزحف على الأرض، واحدا تلو الآخر، قبل أن يطلقوا الرصاص عليهم من رشاشاتهم من مسافة قريبة. ويظهر في مقطع ثالث مقاتل بلباس عسكري وهو يطلق الرصاص تباعا من مسافة قريبة على شاب بثياب مدنية في مدخل مبنى قبل أن يرديه قتيلا.
وأثارت تلك المشاهد صدمة كبيرة، وأججت مشاعر غضب العلويين في جبل محسن بلبنان. وسبق وأن شهدت منطقتا جبل محسن وباب التبانة في طرابلس اللبنانية جولات عنف تأثرا بالحرب الأهلية التي شهدتها سوريا طيلة الأربع عشرة سنة الماضية، والتي لا يبدو أنه تم إسدال الستار عنها، وتنذر بالدخول في فصل دموي جديد، على وقع ما يجري حاليا في الساحل.
ويعيش في جبل محسن نحو ستين ألف نسمة من الطائفة العلوية، منهم 20 ألف شخص يحملون الجنسية السورية. وقد مضى على وجودهم في لبنان أكثر من سبعين سنة. لكنهم لم يسجلوا في إحصاء العام 1932 كي يكسبوا الجنسية اللبنانية، ولم يتقدموا بالحصول على الجنسية لاحقا.
ويفصل شارع سوريا بين جبل محسن وحي باب التبانة الذي يقطنه سكان من أغلبية سنية، معروف عنهم مواقفهم المناوئة للنظام السوري السابق.
ويقول سياسيون إن على الرغم من التطورات الإيجابية التي شهدها لبنان خلال الشهرين الماضيين بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، وما ينطوي عليه ذلك من رغبة في عهد جديد ينأى بلبنان عن الصراعات في المنطقة، لكن لا يبدو أن الأمور بهذه السهولة.
المجلس الإسلامي العلوي أصدر بيانا حول التوتر في طرابلس أكد فيه أن "السلم الأهلي والاستقرار الأمني خط أحمر"
وحذر النائب غسان سكاف من “تضييع البوصلة والتركيز فقط على الداخل اللبناني من قبل الحكومة الجديدة واعتبار أن لبنان أصبح سالما، فالخطر كبير والأسوأ منتظر في القادم من الأيام، وهناك تقاطع إيراني – إسرائيلي لتفجير الوضع في سوريا والدولتان تسعيان إلى تقسيم سوريا.”
ولفت سكاف في تصريح له إلى أن “إسرائيل تتوغل في جنوب سوريا مدعية حماية الدروز وتتواصل مع الأكراد، وإيران تدعم فلول نظام الأسد في الساحل السوري، وأطلقت مقاومة ضد النظام السوري الجديد المدعوم من تركيا”، مشددا على أن “الأرض خصبة في سوريا لإثارة النعرات الطائفية وإيران كانت تنتظر أن يفشل السوريون في التوافق لتستثمر في الخلاف كما استثمرت في الخلاف في العراق ولبنان في الماضي.”
وقال إن “لبنان اليوم لن يكون في منأى عن المسار التقسيمي والحرب الطائفية في سوريا وهنا يكمن الخطر الحقيقي.”
أكد النائب كريم كبارة أن “الحفاظ على الأمن والاستقرار في مدينة طرابلس مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع.”
وشدد كبارة في بيان على “رفض عودة المدينة إلى حقبة الاشتباكات والصراعات، خاصة تلك المرتبطة بتطورات أو أحداث خارجية. كما دان الخطاب الطائفي والتحريضي”، داعيا إلى “نبذه بكل أشكاله”. ودعا الجميع إلى “التحلي بالحكمة”، وطالب المؤسسات الأمنية والعسكرية بـ”التعامل بحزم مع أي تهديد يمس أمن طرابلس واستقرارها.”
وكان المجلس الإسلامي العلوي قد أصدر بيانا حول التوتر الأخير في طرابلس أكد فيه أن “السلم الأهلي والاستقرار الأمني خط أحمر”.
وشدد المجلس على أن له “كامل الثقة بالأجهزة الأمنية بأنها ستقوم بواجبها بكل شفافية للكشف عن ملابسات الحادث وكشف الحقيقة”، لافتا إلى أن “طرابلس كانت وما زالت نموذجا للانصهار الوطني وسدا منيعا في وجه الفتنة. حمى الله لبنان، حمى الله الجيش اللبناني، وعاشت طرابلس آمنة مستقرة”.