مثقفون مصريون يطالبون بإقالة "الوزير الصامت"

القاهرة - منذ أربع سنوات، اعتصم عدد من المثقفين المصريين أمام وزارة الثقافة ضد الوزير علاء عبدالعزيز الذي فرضته جماعة الإخوان ليتحكم في مقادير الثقافة المصرية ويأخذها باتجاه ما أطلقوا عليه آنذاك “الأخونة” التي أرادت تغيير وجه مصر من خلال قوتها الناعمة.. لقي عبدالعزيز هجومًا عاصفًا منذ أن خُوِّلت إليه تلك المهمة، حتى استقال في أعقاب بيان 3 يوليو 2013.
شغل منصب وزير الثقافة في مصر بعد الإطاحة بحكم الإخوان الوزير محمد صابر عرب (في حكومة الدكتور حازم البببلاوي، وفي وزارة المهندس إبراهيم محلب الأولى)، والدكتور جابر عصفور (في وزارة محلب الثانية)، حتى استقر المطاف عند الوزير الحالي حلمي النمنم عقب أن تم اختياره وزيرًا للثقافة في حكومة المهندس شريف إسماعيل في 19 سبتمبر 2015.
خيبة بعد التفاؤل
كان اختيار النمنم مبشرًا لجماعة المثقفين، إذ على مدار حياته عُرفت عنه جرأته في مناهضة الإسلام السياسي ومواجهة الفكر الأصولي المتطرف والدفاع عن الحريات والتنوير. كتاباته الجريئة وقراءاته المستنيرة في قضايا الإسلام السياسي والفكر الديني كانت تشي بأن عمله في الوزارة سيسهم في تغيير فعلي وملموس في المشهد الثقافي المصري وفي معركة تجديد الخطاب الديني ووضع مصر الثقافي في العالم، إلا أنه مع مرور السنوات تبين للمثقفين أن كل ما طمحوا إليه لم يكن سوى "أضغاث أحلام" من وزير عاجز عن الفعل وساهم في ركود ثقافي إن لم يكن قد دفع بالثقافة إلى التقهقر خلفًا.
قضايا عدة أثيرت طوال الفترة التي تولى فيها النمنم حقيبة الثقافة، على رأسها حرية الإبداع التي وقف إزاءها صامتا
قضايا عدة أثيرت طوال تلك الفترة التي تولى فيها النمنم حقيبة الثقافة، على رأسها حرية الإبداع التي وقف إزاءها صامتًا ولم يحرك ساكنًا أمام كُتَّاب يزج بهم في السجون على وقع كتابات مخالفة لما هو سائد، لتتكرر الاختبارات التي يثبت فيها النمنم في كل مرة إخفاقه بجدارة أمام جموع مثقفين راهنوا عليه، فيما تسبب الإخفاق والتقصير الذي جعل القاهرة تخرج من المنافسة في مسابقة عاصمة الكتاب للعام 2019 والتي فازت بها الشارقة، وما تزامن مع ذلك من أوضاع متدنية للهيئات الثقافية التابعة للوزارة، في أن ينتفض المثقفون ضد النمنم مطالبين بإقالته في بيان حرره الشاعر رفعت سلام ووقع عليه عدد كبير من المثقفين المصريين فضلًا عن عدد من المثقفين العرب الذين تضامنوا مع مثقفي مصر.
ثورة المثقفين
توجهنا بالسؤال إلى الشاعر رفعت سلام: ما الذي جعلكم تعلنون ثورتكم ضد النمنم الآن؟ ليجيب سلام "هي ليست ثورة، فـ‘ثورة‘ كلمة كبيرة بالنسبة إلى النمنم. لكننا -نحن المثقفين- نراقب ممارساته كوزير للثقافة منذ أن حل بالوزارة، فلم يقدم أي منجز يمكن لأي مثقف أن يذكره له، سوى مضاعفة إيقاع التدهور والانهيار في مؤسسات الدولة الثقافية، بدلاً من وقف هذا التدهور، إلى حد لم يعد معه السكوت والانتظار ممكنيْن، فالمزيد من الوقت يمنحه المزيد من فرص التخبط واتخاذ القرارات العشوائية المهدرة لإمكانيات هذه المؤسسات، بل المخربة لها”.
يتابع سلام في حديثه مع “العرب” قائلا “لنضرب مثالاً واحدًا بما يعتبره الكثير من المثقفين ‘أهم مؤسسة ثقافية مصرية‘، وهي الهيئة العامة لقصور الثقافة. فطوال مدة وزارته لم يقم بأدنى جهد لتشغيل وإعادة فتح قصور ومراكز الثقافة المغلقة في المحافظات والأقاليم المختلفة، التابعة للهيئة. وإذا كانت الهيئة تغطي -سابقا- على ظلمات هذه القصور -التي تمرح فيها حاليا الفئران والخفافيش- بحركة نشر واسعة النطاق، من خلال نحو ثلاثين سلسلة شهرية”.
فقد تم في عهد النمنم، كما يقول سلام، توجيه ضربة قاضية لحركة النشر بالهيئة هي الأخرى، أي أن الخراب أصبح شاملاً، كاملاً، بلا ثغرة مضيئة. وما أكثر الأمثلة في المؤسسات الأخرى.
المثقفون المصريون أصدروا بيانا يعلنون فيه استهجانهم للحالة المتردية التي وصلت إليها وزارة الثقافة في عهد النمنم
وبرغم الاستجابة الحماسية التي لقيها البيان لدى جموع المثقفين إلا أن سلام يتوقع أن يواجه مطلب المثقفين بالعناد وغطرسة القوة اللذين سيدفعان إلى التمسك بالوزير، وعدم الاستجابة لمطلبهم.
استهجان تام
وجاء في البيان المنشور “يعلن الموقعون على هذا البيان من المبدعين والكتاب والفنانين والمثقفين استهجانهم التام للحالة المتردية التي وصلت إليها وزارة الثقافة المصرية في عهد الوزير الحالي، الصحفي حلمي النمنم، حيث تشهد الوزارة انحدارًا منقطع النظير يومًا بعد يوم، كان شاهده الأخير الإهمال والتقصير والتخاذل في إدارة سيادته لملفٍّ غايةٍ في الأهمية وهو ‘اختيار القاهرة عاصمةً عالميةً للكتاب 2019’، الذي أداره الوزير بطريقةٍ لا تختلف كثيرًا عن إدارته لملفات كثيرة، منها -على سبيل المثال- فضيحة المشاركة المصرية في العام المصري الصيني، واختياراته الهزيلة للقيادات في قطاعات الوزارة المختلفة، التي وصلت حدًّا عبثيًّا فاضحًا في الآونة الأخيرة، وكذا نأيه عن التعامل مع الأزمات الكارثية التي تشهدها أكاديمية الفنون، التي يزعم الوزير عدم تبعيتها لسلطته الإدارية خلافا للحقيقة، وأيضًا ما يكابده قطاع من أهم قطاعات الوزارة وهو “الهيئة العامة لقصور الثقافة”، التي أصيب مشروع النشر فيها بشلل كامل لاحقًا بكارثة تجميد الأنشطة في أكثر من سبعين بالمئة من المواقع الثقافية، وهي الأزمة القائمة منذ كارثة حريق بني سويف وحتى وقتنا هذا".
ويتابع “الموقعون على هذا البيان يسجلون هنا موقفهم الرافض لاستمرار وزير الثقافة في منصبه، ويطالبون بإقالته الفورية ومحاسبته أيضًا، واضعين هذه المسؤولية أمام الجهات المعنيَّة كافة للاضطلاع بدورها ومسؤوليتها، رافضين أي تهاون أو تقصير أو تفريط من أي مسؤول في أي موقع، عمدًا أو سهوًا، تواطؤًا أو تخاذلاً، واضعين أيادينا في يد الشعب المصري بمختلف طوائفه ومؤسساته، قبضًا على جمر الإيمان بمصر، ورباطًا على ثغورها المادية والمعنوية كافة، حيث يهون في سبيل هذا الهدف السامي النبيل كل غالٍ ونفيس".