متلبس بالتفاؤل

وهذه السنة تسدل ستائرها هامّة بالرحيل، غير مأسوف عليها بكل ما وفرته لنا من أسباب غير حاثة على البهجة، وإذ بدأت الدعايات الانتخابية لرئاسيات 2019 في تونس، بل هيمنت على كل شيء تقريبا، وتوقف كل شيء استنفارا لهذا الجلل، بل أعلن البعض اعتزامه التقدم للرئاسة، فإنني سأترشح لرئاسة البلاد ولن أعد المواطنين بشيء، عدا محاولتي الاستفادة من المنصب بكل ما أوتيت من قوة ورباطة جأش.
المسألة بسيطة ولا تحتاج كلاما كثيرا. الوضع في البلاد يوحي بأنه يسير بهدي رباني ويشي بأن لا أحد يمسك المقود. تتحرك الأمور في تونس، بالحد الأدنى للحركة. الحد الذي يسمح بالتنفس أو الامتعاض أو السخرية، وعدا ذلك من الأفعال غير ممكن التحقق، لا لأنه ممنوع أو مُجرّم، بل لأنه غير ممكن فيزيائيا في ظل حالة خمول عامّة تسود البلاد. تحوّلت الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال، ولاحقا إلى حكومة تصريف أفعال، وأخيرا إلى تصريف الأوحال كما كان الأمر في محافظة نابل.. وللأمانة كانت الحكومة مقتدرة في التحوّل وفي التصريف.
وبناء على ما تقدّم، وبناء على أن صلاحيات الرئيس محدودة في النظام السياسي التونسي، وبناء أيضا على أن لا رغبة لديّ ولا قدرة، على تغيير شيء، فلن أفعل شيئا للشعب المغوار، سوى الاستمتاع بالراتب والسباحة في مسبح القصر الرئاسي الجميل المطل على البحر المتوسط. وسأواصل كتابة بعض مقالات الرأي مع تغيير التعريف الذي يوضع أسفل اسمي بأن أضع “كاتب تونسي ورئيس للجمهورية في أوقات الفراغ”، وقدوتي في ذلك رئيس سابق للبلاد كان يحكمنا ويكتب لنا مقالات رأي متينة وشيقة.
وعلى الشعب أن يدرك أن عليه التعويل على نفسه، والتشمير على سواعد الجدّ، وعدم انتظار أن يأتي الفرج من رئيس الجمهورية، فالفرج من عند الله أولا، وصلاحيات الرئيس محدودة، ثم إن الشعب عليه البذل والعمل، وممارسة رياضته الشعبية الأولى، وهي السخرية والتندر والتهكم، والرئيس عليه إصدار بعض التصريحات في القنوات التلفزيونية الخاصة، ولا ضير من إلقاء بعض النكات التي لا تضحك سوى المتملقين.
ليس عيبا أن يكون رئيس البلاد قصير القامة، ذلك أن زعماء كثرا كانوا من جنس “أقربهم إلى الأرض أشدّهم بلاء”، فنابليون وبورقيبة كانوا قصارا لكنهم توصلوا إلى تسجيل أسمائهم في سير زعامات التاريخ. لن أكون شديد البلاء لأنه لا وقت لي لذلك، وسأتفرغ للمطالعة والاستماع للموسيقى واستدعاء أصدقائي وزملائي إلى القصر علّهم يغيرون مزاجهم العكر.
متفائل بإمكانية حصولي على منصب رئاسة البلاد، رغم قصر قامتي ومحدودية قدراتي على تغيير شيء، لأن التغيير لا يحصل عن طريق الرؤساء بل هو “قدر أحمق الخطى”.