متلازمة الفقر والخداع

هناك من جعلوا الخداع مذهباً يروّجون له دون أن يأبهوا بالإيذاء النفسي الذي يسببونه للأشخاص الذين يفترض أنهم أصدقاء أو أقرباء.
الخميس 2022/10/13
الخداع موجود في كل مكان

تعوّد الكثير من التونسيين على قول كلمة "نعم" على الفور عند طلب شيء منهم بدلا من "لا" ومن دون تفكير، حتى في الأمور التي يدركون أنهم يجهلونها أو لا يستطيعون تنفيذها على أرض الواقع، وينطوي هذا الأمر غالبا على الموافقة على تقديم خدمة أو أداء مهمة معينة، إما بدافع تحقيق مصلحة شخصية أو من أجل الحفاظ على المكانة الاجتماعية، وربما للشعور بالابتهاج والإحساس بالعظمة، وقد يقدمون على ذلك، من باب المجاملة لا غير.

حدثتني إحدى قريباتي مؤخرا عما عاشته من حالة نفسية في غاية السوء، بعد أن كانت فريسة لخداع جارها البقال الذي قدم لها وعودا واهية بتشغيل أبنائها الثلاثة العاطلين عن العمل، لكنها قضت شهورا تعيش على هذا الأمل الكاذب، ولم تستفق منه إلا بعد أن أضاعت الكثير من الوقت والجهد والمال أيضا، فضلا عن إحساسها الداخلي بخيبة الأمل والحزن والاكتئاب وفقدان الثقة.

على أي حال، ليست هذه الحالة نادرة، كما لا يمثل المجتمع التونسي استثناء. نعلم جميعا أن الخداع موجود في كل مكان، حتى في عالم الحيوانات التي تخدع بعضها باستمرار عبر السلوكيات التمويهية التي تكتسبها وتمارسها في البيئة التي تعيش فيها، وهناك شيء مشابه لذلك في معظم المجتمعات العربية التي تعاني مما يمكن أن نطلق عليه "متلازمة" الفقر والكذب، والطرق المستحدثة لخداع النفس وخداع الآخرين.

إذا نظرنا من حولنا إلى كم الوعود الواهية بقضاء الحاجة التي أصبحت تتدفق بسهولة على الألسن، سواء أكانت تقال من جانب زوج يتحدث مع  زوجته، أو من قبل جزار يعد بتقديم شريحة اللحم التي طلبناها، أو من السياسيين الذين يستغلون نقطة ضعفنا، ليغدقوا علينا أبهى ما لديهم من خطابات رنانة وعبارات منمقة ووصولاً إلى النفاق المباح.

المشكلة أن الناس يُقدّرون الأمل الزائف الذي يمكن أن يُقدم لهم، وهو نوع من الوهم المريح وعله يحقق، أكثر من قبول أن يصارحهم المحيطون بهم بالحقيقة، ويستهجنون رد بعض الأشخاص على طلبهم بـ”لا”، أو “هذا ليس في مقدوري القيام به”. فمثل هذه العبارات تحمل دلالات سلبية، وقد يفسرها البعض على أنها إهانة لهم أو تجريح في حقهم، أو رغبة في عدم مساعدتهم وتجاهلهم. ما يخلق جوا من العداء والكراهية.

جزء من طبيعتنا البشرية، ومن طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه، هو محاولة إيجاد طرق ملتوية لترضية الآخرين، ولكن هناك من جعلوا الخداع مذهباً يروّجون له دون أن يأبهوا بالإيذاء النفسي الذي يسببونه للأشخاص الذين يفترض أنهم أصدقاء أو أقرباء.

20