متخصصون يحذرون من استخدام الألعاب الإلكترونية لنشر الفكر المتطرف في الأردن

عمان - حذر متخصصون وأكاديميون من مخاطر استخدام الألعاب الإلكترونية من خلال توظيف الإمكانيات العلمية والتقنية المتطورة ووسائل الاتصال والشبكات المعلوماتية في نشر الأفكار المتطرفة، وتخويف وترويع الآخرين وإلحاق الضرر بهم أو تهديدهم وإخضاعهم، أو القيام بمهاجمة نظم المعلومات على خلفيات سياسية أو عرقية أو دينية أو حتى دوافع شخصية.
وتحدث فريق مركز السلم المجتمعي (وحدة متخصصة أنشأتها مديرية الأمن العام) لوكالة الأنباء الأردنية عن طرق استدراج الشباب وتجنيدهم باستخدام الألعاب الإلكترونية من خلال التواصل المباشر عبر غرف الدردشة ومواقع التواصل الاجتماعي، بدءا من دراسة وتصفح الصفحة الشخصية للشخص المراد تجنيده ومعرفة جميع معلوماته واحتياجاته ودرجة ثقافته واهتماماته، واستقطابه بناء على ذلك.
ويضيف الفريق “ثم البدء بإرسال الرسائل والإيميلات ورسائل من خلال تطبيقات الأجهزة الخلوية العشوائية؛ مثل الرسائل التي تطلب المساعدة والتبرعات ومصدرها رقم خارجي، وكذلك التواصل عبر الألعاب الموجودة على الإنترنت (أونلاين) وخاصة ألعاب القتال والأكشن عن طريق الدردشات الخاصة بين مجتمع اللاعبين ومحاولة إغراء اللاعبين بنقلهم للقتال إلى العالم الواقعي بمداعبة مشاعر الاندفاع والتهور والبحث عن المجهول لديهم”.
ويتابع الفريق “كما تنشر الفيديوهات على المواقع الإلكترونية المتضمنة أشكال القتال الحقيقي المدبلج مع تصوير احترافي تصاحبه أناشيد ثورية وحماسية تغرر بالمراهقين، ومحاولة التواصل مع أصحاب التعليقات المؤيدة للفيديوهات وإقناعهم بالانضمام، فضلا عن ذلك إنشاء المواقع الإلكترونية الخاصة بعصابات التطرف ونشر وبث سمومهم والتواصل مع زوارها، وإنشاء المواقع الإلكترونية الدينية من قبل عصابات التطرف لنشر الفتاوى الضالة والتواصل مع زوارها، أو استقطاب الشباب من خلال صفحات مزورة تحمل اسم وصور فتيات، والدخول معهم في علاقات صداقة وتمرير سمومهم عبر الثقة العاطفية للشخص المراد تجنيده”.
من أبرز الأسباب المساهمة في سقوط الشبان والشابات في شراك الجماعات الإرهابية الجهل وغياب الوعي الديني الصحيح لدى غالبيتهم
وأوضح أن “من أبرز الأسباب المساهمة في سقوط الشبان والشابات في شراك الجماعات الإرهابية الجهل وغياب الوعي الديني الصحيح لدى غالبيتهم، بالإضافة إلى الفقر والفراغ والبطالة التي يعيشها الشباب، ما جعل التنظيمات الإرهابية تجذبهم إلى صفوفها، وسعي بعض الشباب خلف الانتقام والتنفيس عما في داخله، وانخراط البعض الآخر في مثل هذه الأعمال ظنا منه أنه ينتصر لأمته وقضيته، فهو الوحيد المدافع عن هذا الدين”.
وأكد أن “هدف التنظيمات الإرهابية من استخدام شبكات التواصل الاجتماعي هو التنسيق عبر هذه الأدوات التي تستخدمها للتفاعل والتنسيق أثناء إعداد وتنفيذ العمليات الإرهابية”، لافتا إلى أن الميزة الأساسية في تلك المواقع بالنسبة إلى هذه الجماعات أنها توفر مجتمعات افتراضية متغيرة، تتكون بصورة تلقائية خلال الأحداث الكبيرة، الأمر الذي تستفيد منه تلك الجماعات من خلال متابعة أحدث المعلومات عن أي قضية تظهر في المجال العام.
وقال الفريق إن “تجنيد أتباع جدد ونشر الأفكار والمعتقدات يتم من خلال استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لتجنيد المتطرفين عبر إنشاء مجموعة على فيسبوك لاجتذاب المتوافقين فكريا معها، ومن خلال المجموعات التي يمكن لها أن تنشئ حوارا بين الأطراف الذين يقومون بعملية الاستقطاب والمغرر بهم الجدد، وما يميز هذه التطبيقات هو صعوبة الدخول إلى خصائصها لأنها غير مخترقة أو يصعب اختراقها كما هي الحال في الكثير من التطبيقات الهشة”.
ويشير الفريق إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي ساحة افتراضية للتدريب تستخدمها الجماعات المتطرفة بصورة أساسية للتدريب، موضحا أن الوظيفة الأساسية للموقع هي إضافة الفيديوهات التي يقوم المشتركون بتحميلها على الموقع، وبعد ذلك تصبح متاحة للرؤية من قبل الجميع، بالإضافة إلى الحصول على الدعم المادي والمعنوي في دعم المقاتلين.
أهم طرق الوقاية من التجنيد الإلكتروني التحصين الفكري السليم للشخص إزاء التجنيد الذي يبدأ بتغيير الأفكار
وذكر أن “تحقيق الشهرة والإعلان المجاني عن التنظيمات الإرهابية لا يخفيان على أحد والدور الريادي للإعلام المعاصر في تثبيت وجهة نظر معينة أو التأثير المباشر وغير المباشر في العقول البشرية، حيث استطاعت التنظيمات الإرهابية استغلال الجانب الإعلامي بصورة جديدة ومبتكرة لصالحها، واستطاعت أن تكسب عاطفة الكثيرين من خلال تلمس حاجاتهم ومعاناتهم والمساعدات التي يمكن لها أن تقدمها لمن ينتمي إليها”.
وشدد على أن الفئات التي تستهدفها التنظيمات الإرهابية هي أولا المتعاطفون مع الفكر الإرهابي، وغالبيتهم من الشباب لاستمرار الحصول على دعمهم، وثانيا الرأي العام من أجل تأكيد نفوذها في المجتمع، إما بغرض الحشد أو التأييد أو التخويف من مواجهتها، وثالثا الخصوم من أجهزة الدولة ومؤسساتها، وذلك بهدف إضعاف موقفهم، والتأثير على هيبتهم وإظهارهم بمظهر العاجز في مقابل قوتها، ورابعا غير المتعلمين وخاصة من فئة الشباب، إلا أن المتعلمين هم فئة مستهدفة أيضا من قبل هذه التنظيمات؛ وذلك بالتغرير بعدد منهم، وخاصة الشباب، ومنهم فئة العاطلون عن العمل والأحداث. وخامسا الأشخاص ذوو الإعاقة الذين عمدت التنظيمات الإرهابية إلى استقطابهم من خلال الألعاب الإلكترونية والفيديوهات الخاصة التي تترجم بواسطة مترجمي لغة الإشارة الخاصين بها، وخاصة الصم والبكم ممن يتم التلاعب بعواطفهم من خلال الفيديوهات والألعاب والروابط الإلكترونية الوهمية.
وبيّن أن أهم طرق الوقاية من التجنيد الإلكتروني التحصين الفكري السليم للشخص إزاء التجنيد الذي يبدأ بتغيير الأفكار، وكذلك تعزيز الفهم العميق وزيادة الوعي والوازع الديني، وتحصين الأبناء المسبق، وكذلك إشارة الآباء للأبناء منذ الصغر إلى موضوع التسامح والتعايش بين أتباع الأديان بالمناداة والتعامل، مؤكدا ضرورة عدم الاستمرار في التواصل مع الأشخاص غير المعروفين لديهم.
ولفت الفريق إلى تعريف التطرف كمصطلح يشير إلى فرد أو جماعة اعتنقت فكرا أو مذهبا أو سلوكا ما على نحو يخالف ما أجمع عليه المجتمع، وهو، أي التطرف، موقف يرفض معتنقوه أي فرصة للحوار، كما يرفضون أي تلميح إلى وجود قصور أو خطأ في فهمهم.

بدورها، قالت المحاضرة في جامعة الحسين التقنية المختصة في صناعة الألعاب والواقع الافتراضي دانيه السعيد إن “هناك عدة أسباب تجعل الألعاب التي تدعو إلى العنف والإرهاب تحظى بشعبية على الصعيدين المحلي والعالمي، ويمكن للألعاب التي تتميز بالعنف والإرهاب أن توفر شعورا بالإثارة والتشويق للاعبين ويمكن أن تكون جاذبة لهم، وكذلك استخدام العديد من اللاعبين الألعاب كشكل من أشكال الهروب من الواقع؛ ما يسمح لهم بنسيان مشاكلهم ومخاوفهم مؤقتا”.
ولفتت إلى أن “هذه الألعاب غالبا ما تكون متعددة اللاعبين، حيث تسمح للاعبين بالعمل كفريق واحد ومحاربة الآخرين، وهي جذابة للاعبين الذين يستمتعون باللعب معا”.
وأضافت أن “هناك الكثير من الشركات الأردنية التي تراعي المحتوى العربي، وتقوم على تعريب وإعادة النشر لمحتوى الألعاب بما يناسب المجتمع الأردني والعربي وعاداته وتقاليده ودمج لغته، وتلعب دورا مهما في تثبيت المحتوى الثقافي والمجتمعي والديني في الألعاب”، مشيرة إلى أن “جامعة الحسين التقنية بدأت بتدريس صناعة الألعاب وتصميمها وترسيخ هذه القيم والمبادئ من خلال الدروس، وتثقيف اللاعبين والجمهور الأوسع حول المحتوى الثقافي والمجتمعي في الألعاب، وتعزيز الوعي بالتأثيرات والآثار المحتملة لهذا المحتوى”.
وقال المستشار والخبير في قضايا الشباب الدكتور محمود السرحان إن “الألعاب الإلكترونية مثيرة للشباب نظرا لتوفرها وسهولة الوصول إليها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت من خلال الفضاءات المفتوحة دون حواجز جغرافية أو سياسية، ما يعني أن الرسائل الاتصالية، ومن ضمنها الألعاب الإلكترونية، لا تتحكم بالضرورة في منظومة القيم المجتمعية المنبثقة عن الثوابت الوطنية والدينية والحضارية، الأمر الذي يخلق حالة من الحيرة والصراع والاغتراب وأزمة الهوية لدى متابعيها وممارسيها”.
وبين أن السبيل الأنسب لمجابهة تأثيراتها السلبية وتداعياتها الخطيرة، هو زيادة الوعي لدى الفرد والمجتمع على حد السواء، وإنتاج بدائل وطنية وعربية وإسلامية، وإنسانية تتحكم في منظومة القيم المشتركة للبشرية، فضلا عن السعي الجاد والمخلص للحد من ممارستها كي لا تصبح جزءا أصيلا من حياة الشباب، وبالتالي يصبح اللجوء إلى ممارستها إدمانا يصعب الخلاص منه، وكذلك ملء أوقات الفراغ بما هو نافع ومفيد للشباب.