متحف فاروق حسني

فاروق حسني صار شخصية عامة لأنه أنجز مشاريع صار المصريون يفخرون بها لأنها أعادت إليهم جزءا من تاريخهم الحي.
السبت 2024/09/21
رجل استثنائي.. كانت أفعاله استثنائية

"سيأتيني شاب قادم من طرف فاروق حسني"، قلت لموظف استعلامات الفندق الذي أقيم فيه بالزمالك، فإذا ببشرة وجهه تحمر وهو يقول لي، "حاضر يا بيه. دا فاروق حسني هو ملك الثقافة".

في شارع المعز، اشتريت قنينة ماء من كشك صغير فيما كنت أتأمل أحد المساجد. قال صاحب الكشك "ما كان لذلك المسجد أن يكون كما تراه لولا فاروق حسني. لقد بذل جهدا عظيما من أجل صيانته".

أينما ذهبتُ في القاهرة التاريخية، كان ذكر حسني يرافقني بقوة حب غير متوقعة. فصديقي الذي أعرفه رساما حديثا ومجددا كان وزيرا للثقافة لمدة 22 سنة. غير أنني لم أتعرف عليه وزيرا بل عرفته رساما، أعجبتني قوة شخصيته التي اخترقت كل الوصفات التقليدية وفرضت جاذبيتها.

في البحرين، حين رأيته أول مرة أذهلتني شخصيته وعمق طريقته في التفكير في الرسم، فقررت أن أزور القاهرة من أجله. فهو شخص استثنائي قد يلتقيه المرء مرة في العمر.

ما عرفته في القاهرة أن فاروق حسني ينافس الرياضيين والمطربين والممثلين والسياسيين في شهرتهم، بالرغم من أنه ظل محتفظا بملامح الشخصية النخبوية، بكل صفاتها الرفيعة التي تستثير الرغبة في المضي قدما بأفكار النهضة والتنوير.

صار شخصية عامة لأنه أنجز مشاريع صار المصريون يفخرون بها لأنها أعادت إليهم جزءا من تاريخهم الحي.

منذ 2011 لم يعد وزيرا بالرغم من أنه قدم استقالته عام 2005، ولكن الوزير الذي اختفى سيظهره مستقبل مشاريعه المتحف المصري الجديد.

ولقد سُعدت لأن الكاتب الكبير محمد سلماوي قد دعا في مقالة له في جريدة الأهرام إلى إقامة تمثال لفاروق حسني في بوابة المتحف باعتباره بانيه.

أخيرا حصلت مصر على متحف يليق بآثارها. وليس نوعا من المبالغة إذا ما قلت “لولا حسني لما بُني ذلك المتحف” ما فعله الوزير الرسام من أجل بناء المتحف كان استثنائيا وهو أمر طبيعي.

رجل استثنائي مثله لا بد أن تكون أفعاله استثنائية. ولو تعامل حسني مع الموضوع بروح الوظيفة لما حصلت مصر على الأموال التي أنفقتها على بناء المتحف.

وبالرغم من أن حسني كان دائما موظفا رفيع المستوى غير أنه لم يكن موظفا تقليديا عابرا إذ إنه ترك بصماته التي لا تُمحى في كل مكان عمل فيه.

وبالرغم من أن المثقفين المصريين اختلفوا عليه أثناء توزيره غير أن أحدا منهم لا ينكر أن البنية الثقافية التي عمل حسني على تأسيسها هي واحدة من الإنجازات الضخمة التي تشهد على الروح الوطنية الخلاقة التي تمتع بها الرجل.

يُظلم كل وزير ثقافة إذا ما قورن بفاروق حسني. ليس لأن لحظته التاريخية صنعت قدره بل لأن خياله كان أكبر من وظيفته. لم يكن وزيرا للثقافة بل هو الثقافة الحية وقد صنعت زمنها.     

18