مبيعات العقارات في دبي تسير عكس المنغصات العالمية

أثبتت المبيعات القياسية للعقارات في دبي للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية قبل 13 عاما أن القطاع يسير عكس المنغصات العالمية التي تتسبب فيها الفائدة المرتفعة على اقتصادات الدول، وسط ترجيحات بأن يستمر النمو هذا العام بفضل جاذبية الإمارة.
دبي - شهد التحول المذهل في سوق العقارات في دبي العام الماضي، تحطيم المركز المالي الأبرز في الشرق الأوسط رقما قياسيا دام أكثر من عقد من الزمن فيما يتعلق بإجمالي مبيعات المنازل، ورفع الإيجارات إلى مستويات غير مسبوقة.
وتظهر المؤشرات أن القطاع سجل صفقات غير مسبوقة بنهاية العام الماضي، ومن المتوقع أن يتجه نحو تحطيم الرقم هذا العام مع اعتماد الحكومة لإستراتيجية طموحة لجعله أكثر جاذبية وزخما.
ووفق شركة “سي.بي.آر.إي” للاستشارات العقارية فقد رصدت دائرة الأراضي والأملاك في دبي العام الماضي قرابة 90.9 ألف معاملة سكنية متجاوزة الرقم القياسي المسجل في عام 2009 والبالغ قرابة 81.2 ألف معاملة.
ووصل إجمالي حجم الصفقات بدبي في 2021 إلى أكثر من 57 ألف صفقة بزيادة تقدر بنحو 73.6 في المئة بمقارنة سنوية، وبنسبة 51.6 في المئة عن عام 2019.
وتعافى سوق العقارات في دبي من ركود دام سبع سنوات مدعوما بمجموعة من العوامل، بما في ذلك قلق المستثمرين الأوروبيين بشأن زيادة الضرائب المحتملة في الداخل وزيادة المشترين الروس الذين يتطلعون إلى حماية ثرواتهم.
وزادت عقود الإيجار أو اتفاقيات تأجير المنازل بنسبة 11 في المئة خلال 2022 مقارنة بالعام السابق، مما يعكس نمو سكان المدينة.
وقال رئيس الأبحاث في شركة “سي.بي.آر.إي” تيمور خان في مقابلة مع وكالة بلومبرغ “لقد كان عاما رائعا”. وأضاف “هذا هو أكبر عدد من المعاملات على الإطلاق، ويرجع ذلك جزئيا إلى زيادة المعروض من المنازل الجديدة، ولأن الإقبال كان قويا”.
وخالف سوق العقارات في دبي الاتجاه السائد في معظم أنحاء العالم، حيث انخفضت القيم إلى حد كبير وسط ارتفاع أسعار الفائدة وتوقعات اقتصادية تزداد قتامة.
لكن في دبي، التي يشكل المغتربون أكثر من 90 في المئة من سكانها البالغ عددهم 3.3 ملايين نسمة، فقد ارتفعت أسعار المنازل والإيجارات، وسط تدفق الروس الذين يتطلعون إلى حماية ثرواتهم بعد الحرب في أوكرانيا.
كما فر المصرفيون من عمليات الإغلاق الصارمة في آسيا. وشمل الوافدون أيضا مستثمرين في التكنولوجيا ورجال أعمال ومديرين تنفيذيين لصناديق التحوط بعد أن خففت المدينة القيود الاجتماعية والقوانين المتحررة لتعزيز مكانتها كمركز أعمال بارز في المنطقة.
وتتمتع الإمارة بموقع جغرافي مميز في وسط العالم، وتحتل مكانة رائدة على صعيد الابتكار وتحظى بتقدير المستثمرين واحترامهم في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا والعالم.
ويقدر الخبراء أن الاستثمارات الأجنبية في العقارات السكنية تشكل 60 في المئة من إجمالي الاستثمارات في هذا القطاع وأن 40 في المئة من الاستثمارات العقارية فقط محلية.
وتبين الإحصائيات أن ثلث الاستثمارات يأتي من الأجانب في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، وما يزيد عن ربعها أي حوالي 27 في المئة يأتي من مستثمرين خارج تلك المناطق.
وغالبا ما ينظر إلى إمارة دبي على أنها وجهة فاخرة ومركز للمسكن الإضافي لكن النتائج تظهر تحولا نحو شراء المساكن الأساسية في المناطق الراقية.
ويأتي ذلك الأمر بفضل وجود البنية التحتية المتطورة إلى جانب نمط الحياة المميز الذي يشمل أفضل الفنادق والمطاعم في العالم ووسائل الراحة الاستثنائية التي تقدمها والتي جعلت منها الوجهة الأفضل للعمل والحياة والاستثمار.
وخلال العام الماضي، ارتفع متوسط الإيجار السنوي لفيلا أو منازل عائلية في دبي بنحو 25 في المئة، أي بمقدار 150 ألف درهم (76.8 ألف دولار).
كما تشير بيانات “سي.بي.آر.إي” إلى أن متوسط إيجارات الشقق قفز بنسبة 27 في المئة إلى 95.1 ألف درهم (25.9 ألف دولار)، بينما ارتفع متوسط أسعار الشقق بنسبة 9 في المئة والفيلات بنسبة 12.8 في المئة.
ويعتقد خان أن السوق سينخفض ببطء هذا العام. وقال إن “المفاجأة الوحيدة، التي يمكن أن تتغير، هي عودة مفاجئة للمستثمرين من الصين، الذين كانوا رابع أكبر مجموعة شراء في دبي حتى سنوات قليلة مضت”.
وأوضح أن هؤلاء المشترين يميلون إلى الاهتمام بالعقارات الاستثمارية متوسطة الحجم على عكس المشترين الروس، الذين يركزون أكثر على المنتجات الفاخرة في السوق.
ويقول سماسرة روس إنهم قاموا باقتناص العقارات في دبي في الأشهر الأخيرة، أي منذ اندلاع الحرب في شرق أوروبا أواخر فبراير الماضي، حيث تواجه بلادهم عقوبات أميركية وأوروبية بسبب شنها حربا ضد أوكرانيا.
ولطالما كان الروس من كبار المشترين للمنازل الفخمة في الإمارة الجذابة، والتي تعتبر تقليديا من بين أفضل 10 جنسيات تستثمر في عقاراتها.
◙ 90.9 ألف معاملة رصدتها دائرة الأراضي والأملاك في 2022 قياسا بنحو 81.2 ألف معاملة في 2009
وتؤكد بعض المعطيات أن هناك نحو 70 ألف منزل قيد الإنشاء حاليا في دبي، ويقول محللون إن هذا العرض الإضافي سيساعد أيضا في تخفيف الضغط على الإيجارات والأسعار.
لكن خان يتوقع أن يكون عدد العقارات التي تم الانتهاء منها فعليًا خلال هذا العام أقل مع قيام المطورين بالتدريج في الإفراج عن المعروض من المساكن.
وقال “أرى اعتدالا كبيرا في معدلات الإيجار هذا العام، لاسيما في بعض المجالات الأساسية”.
وأضاف “الزيادات في أسعار الإيجارات في العام الماضي ليست مستدامة، وقد بدأنا نشهد مقاومة مع تصويت المستأجرين بأقدامهم والانتقال إلى أحياء لم يفكّروا فيها أبدا قبل عامين”.
ورجّح محللون أن يحظى سوق العقارات في دبي بالمزيد من تدفق الاستثمارات خلال السنوات الثلاثة المقبلة بعدما اعتمدت الحكومة إستراتيجية أواخر ديسمبر الماضي تطمح من خلالها الإمارة إلى الريادة في القطاع ببناء أرضية قانونية أكثر صلابة لجذب الشركات.
وتتمحور أبرز مرتكزات الخطة في تعزيز الريادة العالمية للإمارة في القطاع وتمكين المجتمع العقاري من الخدمات السلسة وتوفير تشريعات وبيانات متكاملة وشراكات فعالة مع توفير بنية تحتية رقمية متطورة وكادر بشري مؤهل.
وتوقعت شركة “نايت فرانك” المتخصصة في الاستشارات العقارية في أكتوبر الماضي أن تنمو الأسعار على المديين القصير والمتوسط بنسبة تتراوح بين 5 و7 في المئة.
وذكرت في تقرير حينها أن “الدولار القوي وأسعار الفائدة العالية قد يؤثران على السوق لكن شيوع المشترين نقدا، ومن المتوقع أن يحمي السوق إلى حد ما”.