مبيعات العقارات التجارية في بريطانيا تختبر شهية السوق بعد الركود

لاحظ المحللون عودة سوق العقارات التجارية البريطانية إلى الحياة بعد جمودها إثر الأزمة الصحية التي أثرت عليها كثيرا، وإن كان ذلك بأسعار أقل كثيرا، ما يجعلها في اختبار شهية السوق التي تتطلع إلى تحقيق الاتزان في اقتصاد تأثر من كثرة الأزمات.
لندن- تظهر بعض العقارات المكتبية باهظة الثمن المعروضة للبيع الآن في المملكة المتحدة إلى أين من المرجح أن تصل السوق إلى القاع؟ وكيف ستتعافى أحجام الصفقات في المملكة المتحدة بسرعة، وخاصة في سوق المكاتب المتضررة بشدة؟
ويقول خبراء في القطاع إن ذلك يشير بدوره إلى ما ينتظر البلدان الأخرى التي لا تزال تعاني من ركود أعمق جراء مخلفات جائحة كورونا ثم تداعيات الحرب في شرق أوروبا.
وقال شخص مطلع على الأمر لرويترز، لم تذكر هويته، الثلاثاء إن “المستثمر العقاري نوفين عرض برجا يتكون من 21 طابقا في مدينة لندن أكمله في عام 2019، للبيع مقابل 322 مليون جنيه إسترليني (419 مليون دولار)”.
ويعتبر هذا المبلغ أقل من حوالي 400 مليون جنيه إسترليني كان يسعى للحصول عليها في عام 2022 من البرج المعروف بشكل غير رسمي باسم “علبة لحم الخنزير” بسبب شكله المستدير.
وعلى الناحية الأخرى تسعى شركة بروكفيلد الكندية للحصول على حوالي 500 مليون جنيه إسترليني لبرج سيتي بوينت القريب، وفقا لمزود بيانات الصناعة كوستار.
وهذا يقارن بأحدث تقييم رسمي له بنحو 670 مليون جنيه إسترليني، وسعره البالغ 560 مليون جنيه إسترليني عندما بيع آخر مرة في عام 2016، بحسب شركة كوستار.
وتشهد المباني المكتبية الجديدة طلبا قويا، حيث تم تأجير أكثر من 80 في المئة من أبراج المكاتب الجديدة للمستثمر أم آند جي الواقع في ليدينهال 40 بمدينة لندن.
لكن جولة حديثة أظهرت ما يجب القيام به لجذب المستأجرين، حيث يوفر المبنى ساونا وغرف علاج وصالون تصفيف شعر وغرفة يوغا وجناح لياقة بدنية بيلوتون وغرفة سينما ومكتبة معظمها للاستخدام الحصري لمستأجري المكاتب.
وقال مارتن تاونز، نائب رئيس أم آند جي للعقارات العالمية لرويترز “لقد كانت لدينا قناعة بأن المستأجرين يريدون ترقية مساحاتهم”. وأضاف “يجب تحويل بعض المكاتب القديمة غير المفضلة إلى استخدامات أخرى مثل الإسكان أو هدمها”.
وضربت جائحة كوفيد – 19 أسواق العقارات التجارية العالمية من خلال دفع التضخم وتكاليف التمويل إلى الارتفاع، في حين تسببت في التحول إلى العمل الهجين والعمل عن بعد، مما يعني أن معظم المستأجرين يريدون مساحات مكتبية أقل ولكن ذات جودة أعلى.
وتؤكد شركة الاستشارات الإنشائية تيرنر وتاونسند ألينيا أن كلفة بناء مكاتب رئيسية في لندن ارتفعت إلى أكثر من 500 جنيه إسترليني للقدم المربع الآن من أقل من 400 جنيه إسترليني قبل الوباء.
وأشار خبراء الشركة إلى أن نصف هذه الزيادة يرجع إلى التضخم، والباقي يرجع إلى وسائل راحة أفضل واعتمادات خضراء.
ويرى المستثمرون أنه في حين أن بعض العقارات، مثل المكاتب القديمة خارج المدينة، التي لا تزال شبه مستحيلة البيع، فإن السوق البريطانية تتحسن للمكاتب الرئيسية والإسكان الإيجاري والخدمات اللوجستية.
وبدأ التراجع العالمي في التضخم وأسعار الفائدة في تخفيف تكاليف التمويل وتحسين جاذبية العقارات مقارنة بالاستثمارات الأخرى، حيث هناك نشاط أكثر قوة، والمزيد من المشاركين يخرجون من الهامش.
وانتعشت أحجام الصفقات في جميع أنحاء العقارات التجارية في المملكة المتحدة، والتي تشمل المكاتب والتجزئة والخدمات اللوجستية والإسكان الإيجاري بنسبة 26 في المئة سنويا في الربع الثاني من هذا العام، وفقا لبيانات أم.أس.سي.آي.
وبعملية مقارنة فإن هذا الارتفاع قابله انخفاض في السوق الفرنسية بواقع 45 في المئة وبنحو 22 في المئة في السوق الألمانية.
وبعد انخفاضها في عامي 2022 و2023، من المتوقع أن ترتفع أسعار العقارات التجارية في المملكة المتحدة بنسبة اثنين في المئة هذا العام، حتى مع استمرارها في الانخفاض في منطقة اليورو والولايات المتحدة.
ويعتقد خبراء شركة التحليلات كابيتال إكونوميكس أنها ستتفوق على الأسواق الغربية الأخرى على مدى السنوات الأربع المقبلة.
لكن أم.أس.سي.آي تقول إن أحجام مبيعات المكاتب في لندن لا تزال منخفضة بنسبة 21 في المئة حتى الآن هذا العام، متخلفة عن بقية سوق المملكة المتحدة.
كما لم تكن هناك صفقات تزيد عن 100 مليون جنيه إسترليني في النصف الأول من هذا العام، وهي أول فترة ستة أشهر من هذا القبيل منذ عام 1999، بحسب ما تشير إليه كوستار.
وفي خضم ذلك تواصل معدلات الشواغر المكتبية الإجمالية الارتفاع، حيث بلغت 10.1 في المئة بلندن خلال الربع الثالث من هذا العام وهو أعلى مستوى منذ أكثر من عقدين.
وتقترب هذه النسبة من 17 في المئة في منطقة دوكلاندز الشرقية بالمدينة، حيث تفكر مجموعة كاناري وارف في تحويل بعض المساحات الفارغة إلى فنادق.
ويؤكد المستثمرون العقاريون والوكلاء أن البائعين المحتملين يقبلون بالأسعار المنخفضة اليوم. وقد يضطر البعض إلى البيع بسبب تكاليف إعادة التمويل المرتفعة، وفقا للمصرفيين، لكن المشترين الأجانب قد يكونون على استعداد للانقضاض.
وقالت فيونا فون، رئيسة أسواق رأس المال العقاري في المملكة المتحدة لدى بنك بي.أن.بي باريبا الفرنسي، “يقول العديد من المستثمرين إن المملكة المتحدة موقع استثماري جيد بسبب الوضع السياسي المستقر وهم يريدون الدخول قبل أن تبدأ الأسعار في الارتفاع”.
ومن بين المستثمرين المحليين، تخطط شركة شرودرز لإنفاق مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية على العقارات التجارية البريطانية هذا العام والعام المقبل، بما في ذلك على الأرجح المكاتب الرئيسية.
500 جنيه إسترليني قيمة ارتفاع كلفة بناء مكاتب رئيسية في لندن للقدم المربع الآن من أقل من 400 جنيه إسترليني قبل الوباء
وأفاد مدير الأصول بأن السوق تجتذب اهتماما متزايدا من المستثمرين في الشرق الأوسط وآسيا وأستراليا. ولفت إلى أنه ستبدأ قريبا في التحدث إلى المستأجرين المحتملين بشأن التأجير المسبق لبرجها المخطط له المكون من 63 طابقا في 55 بيشوبسجيت.
وقال نك مونتجومري، رئيس قسم العقارات العالمي في شرودرز “لقد كانت المكاتب إلى حد ما كلمة قذرة. ومن موقعنا الحالي، فهي تشكل فرصة أكثر منها مجازفة… فالبندول يميل دائما إلى التأرجح إلى أبعد مما ينبغي”.