مبعوث ماكرون في طرابلس: ماذا تريد فرنسا من الدبيبة

تعتبر فرنسا أن بقاء الوضع الراهن في ليبيا، ووجود حكومتين متنافستين واحدة في الغرب بقيادة رئيس الوزراء المنتهية ولايته عبدالحميد الدبيبة، والأخرى في الشرق برئاسة أسامة حماد بتكليف من مجلس النواب، سيؤثر على جهود حل المعضلة الليبية ويهدد نفوذها المتراجع في ليبيا، لذلك تدعو إلى إيجاد حل سياسي يساهم في إجراء الانتخابات بالبلاد.
طرابلس - أثار لقاء رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة ببول سولير، المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي، وبسفير باريس لدى طرابلس مصطفى مهراج، التساؤلات بشأن دوافعه في ظل مؤشرات على خسارة باريس نفوذها في الشرق والجنوب لصالح روسيا، وبعد هزائم متتالية تشهدها في القارة الأفريقية حيث فقدت عددا مهما من حلفائها ووصول حكام جدد يبدو أنهم أقرب إلى موسكو.
وباستثناء حديث الدبيبة عن فتح المجال لشركة توتال إنرجيز الفرنسية للاستثمار في ليبيا والتي لا يعرف إن كان قد تحول إلى شيء فعلي، تغيب أي مؤشرات تؤكد أن علاقات طرابلس مع باريس في عهد الدبيبة أفضل مما كانت عليه في الحكومات السابقة.
وأكد الدبيبة ضرورة إجراء الانتخابات “في أقرب وقت وفق قوانين عادلة ونزيهة”، مرحبا بما ورد في إحاطة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا عبدالله باتيلي أمام مجلس الأمن الدولي من تأكيد لأهمية إنهاء المراحل الانتقالية في البلاد.
والتقى الدبيبة كلا من بول سولير المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي، وسفير باريس لدى طرابلس مصطفى مهراج مساء الأربعاء.
من غير المعروف إذا ما كانت باريس تريد ربط علاقات مع الدبيبة أم تستطلع الأوضاع خاصة بعد الاشتباكات
وجرى خلال اللقاء بحث تطورات الأوضاع السياسية في ليبيا والدول المجاورة ومستجدات ملف الانتخابات، بحسب بيان لمنصة “حكومتنا” (حكومية).
وأعرب المبعوث الفرنسي، وفقا للبيان، عن دعم بلاده لحكومة الوحدة الوطنية والخطوات التي تتخذها بشأن إجراء الانتخابات في أقرب الآجال.
وساد التوتر والفتور في العلاقات بين باريس وطرابلس خلال السنوات الماضية، حيث اتهمت فرنسا في أكثر من مناسبة بدعم الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر، كان آخر تلك الاتهامات عقب العثور على صواريخ جافلين الأميركية في معسكر لقوات الجيش في مدينة غريان خلال حرب طرابلس، أكدت التحقيقات أنها تعود لفرنسا.
ووجدت فرنسا نفسها الآن في وضع غير مريح في ليبيا في ظل التقارب المستمر بين حليفها (السابق) حفتر مع روسيا واندفاع طرابلس تماما نحو تركيا.
وزار وفد عسكري روسي بنغازي قبل نحو أسبوعين وناقش مع حفتر محاربة الإرهاب، بحسب ما ذكر الناطق باسم الجيش أحمد المسماري، لكن تقارير ربطت بين الزيارة وما يجري في الجنوب من استعدادات يقودها الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي للهجوم على المعارضة التشادية المدعومة من فاغنر. وتنتشر مجموعة فاغنر في مناطق حيوية وإستراتيجية جنوب وشرق ليبيا، منذ انسحابها من محيط طرابلس في 2020.
ومن غير المعروف إذا ما كانت باريس تريد ربط علاقات مع الدبيبة أم تستطلع الأوضاع خاصة بعد الاشتباكات بين قوة الردع الخاصة واللواء 444. وتتواتر الأنباء منذ ذلك الوقت بشأن ارتباط اللواء 444، الذي ينتمي إليه عدد من الضباط الذين كانوا ضمن كتائب نظام العقيد الراحل معمر القذافي وأبنائه، وروسيا.
وأثبتت الأحداث الأخيرة في دول الساحل والصحراء أهمية إقليم فزان (جنوب) في رسم خطوط المعادلة السياسية والعسكرية والأمنية لدى الفرنسيين والروس، بينما لا أحد يمكنه تجاهل دور موسكو في ليبيا.
وبات إصرار باريس على توسيع دائرة نفوذها في الجنوب الليبي مرتبطا بالتمدد الروسي في دول الساحل والصحراء، الذي يبدو أنه أزعج عددا من الفرقاء الليبيين ممن يعتقدون أن موسكو تمثل الداعم الأساسي للمشير خليفة حفتر.
وفي يوليو 2019، اعترفت باريس بأن الصواريخ التي تم العثور عليها في قاعدة كانت تحت سيطرة تلك القوات بمدينة غريان هي فرنسية بالفعل، مع توضيح بأن “هذه الأسلحة كانت مخصصة للحماية الذاتية لمفرزة فرنسية منتشرة لأغراض استخباراتية في منطقة مكافحة الإرهاب”.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد كشفت أن أربعة صواريخ جافلين مضادة للدبابات، اشترتها فرنسا من الولايات المتحدة، قد تم الاستيلاء عليها في يونيو من معسكر للمقاتلين الموالين لحفتر في غريان التي تقع على بعد حوالي 100 كيلومتر في اتجاه جنوب غرب طرابلس، والتي جعل منها الرجل القوي بالمنطقة الشرقية قاعدة خلفية في خطته للسيطرة على العاصمة وعموم المنطقة الغربية قبل أن يضطر إلى سحب مقاتليه منها.
إقرأ أيضا
وكان لفرنسا دور واضح في العمل على تقريب المسافات في صميم اللجنة العسكرية 5+5 التي عقدت آخر اجتماعاتها في باريس في منتصف يوليو الماضي، بمشاركة رئيس أركان الجيش الوطني عبدالرازق الناظوري ورئيس أركان المنطقة الغربية محمد الحداد، وقالت الخارجية الفرنسية إن “الاجتماعات بحثت توحيد المؤسسات العسكرية وإرساء الاستقرار في ليبيا مع الحرص على احترام السيادة الليبية احتراما كاملا”.
وأكدت أن فرنسا تدعم الحوار بين الجهات الأمنية الفاعلة في ليبيا، وتدعم حشد الأمم المتحدة للجهات الفاعلة الليبية لتكوين وحدات مشتركة لإرساء الأمن على الحدود.
وأصرّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على استقبال أعضاء لجنة 5+5 وتكريمهم بوسام الشرف، في إشارة إلى عمق الدور الفرنسي المحتمل في صياغة المشهد الميداني في ليبيا، لاسيما بعد اصطدامه بالتحولات الحاصلة في الموقف من روسيا على إثر اندلاع الحرب في أوكرانيا، وبروز حالة التنافس الحاد على تقاسم النفوذ في دول الساحل والصحراء والتي تعتبر ليبيا من أبرز بواباتها في اتجاه الشمال.
وشهدت ليبيا خلال العامين الماضيين حراكا غربيا واسعا من أجل الضغط على الجنرال حفتر لطرد عناصر فاغنر.
ولا تنفي موسكو دور فاغنر في ليبيا، حيث كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أقر في يونيو 2022 بوجود عناصر من تلك المجموعة في ليبيا، لافتا إلى أن وجودها في ليبيا جاء بدعوة من مجلس النواب الذي كان يتولى المسؤولية السياسية والتشريعية خلال سنوات حرب “فجر ليبيا”.
وتدعم الأمم المتحدة جهود ليبيا لمعالجة أزمة وجود حكومتين في البلاد منذ مطلع العام الماضي، إحداهما برئاسة أسامة حماد وكلفها مجلس النواب (شرق)، والأخرى معترف بها من الأمم المتحدة، وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.
ويأمل الليبيون في أن تقود الانتخابات إلى تسليم السلطة في البلد الغني بالنفط وإنهاء مرحلة الانقسام السياسي والفترات الانتقالية المتواصلة منذ الإطاحة بنظام حكم العقيد معمر القذافي (1969 – 2011).