مبعوث جديد يضع ملامس عمانية على عمل بعثة الأمم المتحدة في العراق

دور الحسان قد يشمل ترتيب وساطات بين أطراف متدخلة في الملف العراقي.
الخميس 2024/07/18
أهل المنطقة أدرى بشعابها

المبعوث الأممي الجديد إلى العراق يبدو بفعل خبرته في مجال الدبلوماسية الوقائية وبناء السلام والتنمية، وبسبب انتمائه لسلطنة عمان ذات الخبرة الواسعة في التوسط بحلحلة الصراعات وخفض التوترات، مؤهلا للقيام بدور قد يتجاوز مجرّد المهام الروتينية للبعثة الأممية التي يقودها، إلى ترتيب وساطات بين الأطراف ذات الصلة بالشأن العراقي والمتصارعة على النفوذ والمصالح في البلد.

بغداد - وقع اختيار منظمة الأمم المتّحدة على دبلوماسي عماني ليرأس بعثتها إلى العراق، وذلك في غمرة الخلافات بين بغداد والمنظمة بسبب إثارة السلطات العراقية لمآخذ على عمل البعثة الأممية لمساعدة العراق “يونامي” ورئيستها السابقة الهولندية جينين هينيس بلاسخارت ومطالبتها بإنهاء مهام البعثة لانتفاء الحاجة إليها، بحسب حكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني.

وبدا اختيار محمد الحسّان الممثل السابق لسلطنة عمان لدى الأمم المتّحدة ليقود البعثة الأممية في العراق مدروسا، كون الرجل يحمل جنسية بلد انتهج سياسات محايدة نأت به عن صراعات المنطقة واحتفظ بعلاقات جيدة مع مختلف الدول بما في ذلك إيران التي تمتلك نفوذا كبيرا في العراق وتدين لها بالولاء غالبية القوى القائدة للدولة العراقية، فضلا عن امتلاك السلطنة لتجربة واسعة في الوساطات الصعبة وبين أكثر الفرقاء تباعدا في المواقف أفضى الكثير منها إلى تبريد الصراعات وحلحلة بعض القضايا.

ويبدو أنّ هذا هو ما تحتاج إليه الأمم المتحدة حاليا للحدّ من خلافاتها مع الحكومة العراقية المشكّلة بالأساس من قبل الإطار التنسيقي الشيعي ولإقناعها بالعدول عن مطالبتها بإنهاء عمل بعثة يونامي.

وعلى غرار جميع موظفي الأمم المتحدة ومبعوثيها إلى البلدان والمناطق في المنطقة والعالم، سيكون الحسّان ملزما بتنفيذ سياسات المنظمة ورآها المستمدة من المجتمع الدولي وخصوصا قواه الكبرى، دون أن يمنع ذلك استفادته من دعم بلده الأم وعلاقاتها بالدول وخبرتها في الوساطات ليضع ملامس خصوصية على العمل الأممي في العراق. وأعلنت المنظمة الدولية مؤخرا في بيان عن تعيين أمينها العام أنطونيو غوتيريش للدبلوماسي العماني ممثلا خاصا جديدا له في العراق ورئيسا لبعثة يونامي خلفا لبلاسخارت.

ويتمتع الحسان، بحسب البيان الأممي، بخبرة دبلوماسية متنوعة حيث تمتد مسيرته المهنية لأكثر من ثلاثين عاما في مجال الدبلوماسية الوقائية وبناء السلام والتنمية، وكان آخر منصب شغله ضمن الطاقم الدبلوماسي لبلاده هو منصب الممثل الدائم لسلطنة عُمان لدى الأمم المتحدة منذ العام 2019. وشغل الحسان قبل ذلك مناصب متعددة في وزارة الشؤون الخارجية العمانية ومن بين أرفعها منصب سفير فوق العادة ومفوض عُمان لدى الاتحاد الروسي، وفي نفس الفترة كان سفيرا غير مقيم لدى بيلاروسيا وأوكرانيا وأرمينيا ومولدوفا.

عبدالقادر النايل: الحسان سيجعل العراق مقرا للتفاوض بين إيران والغرب
عبدالقادر النايل: الحسان سيجعل العراق مقرا للتفاوض بين إيران والغرب

ويحمل الحسان درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة واشنطن في ولاية سياتل الأميركية والماجستير في العلاقات الدولية من جامعة سان جون في نيويورك والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة موسكو للاقتصاد والإحصاء في روسيا. وتعليقا على اختيار الحسان للمنصب الأممي الجديد، قال الناشط والمحلل السياسي العراقي عبدالقادر النايل إنّ اختيار شخصية عمانية لتمثيل المنظمة الدولية في العراق في هذا التوقيت الحساس “له دلالات كبيرة ويتشابك مع كل الملفات الشائكة في المنطقةّ.

وتوقّع النايل العضو في الميثاق الوطني العراقي، في حديث لوكالة سبوتنيك الروسية أنّ يكون من ضمن المهام التي سيضطلع بها الحسّان في نطاق وظيفته الجديدة الوساطة بين جهات إقليمية ودولية و”ميليشيات الحشد في العراق والحوثيين في اليمن وحزب الله اللبناني، فضلا عن إيران”. وأضاف أنّ “سلطنة عُمان تُمثل الساحة الخلفية والحقيقية للمفاوضات بين الغرب وإيران”، وأنّ “جميع اللقاءات حُسمت مع طهران من خلال استضافة عمان على أراضيها وفود المفاوضات”.

وقال إنّ إيران تسعى للتهدئة وقد “دفعت برئيس جمهوري إصلاحي أعلن منذ اللحظة الأولى أنّ طهران لا تريد امتلاك سلاح نووي، وأنه يرحب بالمفاوضات مع الولايات المتّحدة وأوروبا وهي خطوة إيرانية استباقية بعد فوز حزب العمال البريطاني في الانتخابات الأخيرة، وقُبيل وصول دونالد ترامب إلى بيت الأبيض”.

وأكّد أن “المبعوث الأممي الجديد إلى العراق ستكون مهمته دفع آليات التفاوض مع إيران وأذرعها، وسيكون ناقلا للرسائل بين الغرب وإيران متخذا من الأراضي العراقية مقرا لذلك”. وتوقّع أن تقوم حكومة السوداني والإطار التنسيقي وإيران بتسهيل مهمة البعثة التي يقودها الحسان كون تلك الأطراف “بحاجة ماسة إلى ترطيب الأجواء واحتواء عزلة إيران”.

ويظل من المهام العاجلة للدبلوماسي العماني في بداية مهمّته الأممية في العراق هو ترميم العلاقة المتضرّرة بين الأمم المتحدة والسلطة الاتّحادية العراقية التي تقودها بالأساس أحزاب وفصائل شيعية موالية لإيران ويبدو أنّها مصدر الموقف السلبي من عمل المنظمة في البلاد. وفي مايو الماضي طلب العراق من الأمم المتحدة إنهاء عمل بعثتها لمساعدة العراق “يونامي” والتي تشكلت بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للبلاد عام 2003، وذلك بحلول عام 2025، قائلا إنه لم يعد بحاجة إليها نظرا لإحرازه تقدما كبيرا نحو الاستقرار.

وكان من بين المهام المعلنة للبعثة الأممية التي تتّخذ في المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد مقرا لها مواكبة “التجربة الديمقراطية” الناشئة في البلد والمساعدة على تطبيق معايير حقوق الإنسان، وهما الهدفان اللذان أظهرت التجربة العملية مدى عدم واقعيتهما.

وقال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إن العراق يرغب في تعميق التعاون مع منظمات الأمم المتحدة الأخرى لكن لم يعد هناك حاجة للعمل السياسي الذي تضطلع به بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يونامي”. وكثيرا ما يتردد أعضاء البعثة على كبار المسؤولين في المؤسسات السياسية والقضائية والأمنية، وهو عمل يعتبره المؤيدون ضروريا لمنع الصراعات أو حلها بينما يراه المنتقدون تدخلا.

وكتب السوداني في رسالة إلى أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة أنّ “العراق تمكن من اتخاذ خطوات مهمة في العديد من المجالات، لا سيما في العمل الذي تضطلع به بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق”.

◙ الأمم المتحدة تفاخر برعايتها للعملية الديمقراطية في العراق بينما عمليا رعت المنظمة عملية عرجاء تقوم على المحاصصة وتكافؤ القوى وتقاسم المغانم السياسية والمادية

وخلال السنوات الأخيرة بدأت القوى الرئيسية القائد للعملية السياسية في العراق تظهر رغبة متزايدة في إنهاء عمل عدة بعثات دولية من بينها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الذي تم إنشاؤه عام 2014 للتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية فضلا عن مهمة الأمم المتحدة التي تشكلت للمساعدة في تعزيز المساءلة عن جرائم الجماعة المتشددة.

ويقول مسؤولون عراقيون إن البلاد أحرزت تقدما كبيرا بعد فترة العنف الطائفي التي تلت الغزو بقيادة الولايات المتحدة ومحاولة تنظيم الدولة الإسلامية إقامة الخلافة في العراق، وإنها لم تعد بحاجة إلى مثل هذا القدر من المساعدة الدولية. ويشعر بعض المنتقدين بالقلق بشأن استقرار الديمقراطية الناشئة في العراق بسبب تكرار الصراعات في البلاد ووجود العديد من الجماعات السياسية المدججة بالسلاح والتي كثيرا ما وقعت بينها اشتباكات في الشوارع.

كما ينتاب بعض الدبلوماسيين ومسؤولي الأمم المتحدة القلق بشأن حقوق الإنسان والمساءلة في بلد يُصنف في الكثير من الأحيان من بين الدول الأشد فسادا في العالم. ويقول نشطاء إن حرية التعبير تقلصت في السنوات القليلة الماضية. وتقول حكومة العراق إنها تعمل على مكافحة الفساد وتنفي قمع حرية التعبير.

وبالتوازي مع ذلك لا يسلم أداء البعثات الأممية إلى البلدان العربية، لاسيما إلى كلّ من سوريا والسودان وليبيا واليمن من نقد ينصب على عدم إحرازها أي تقدم يذكر في حلحلة الصراعات في تلك البلدان، حتى أنّ البعض يتهمها بإدارة تلك الصراعات وإطالة أمدها بدل التعاون مع المجتمع الدولي على إنهائها بصرامة بدل الرخاوة الكبيرة في مقاربتها.

وفي العراق تفاخر الأمم المتحدة برعايتها للعملية الديمقراطية، بينما عمليا رعت المنظمة عملية عرجاء تقوم على المحاصصة وتكافؤ القوى وتقاسم المغانم السياسية والمادية بينها. ويجري العراق منذ عقدين عمليات انتخابية بانتظام لكن مخرجات صناديق الاقتراع لا تكاد تعني شيئا إذ بات الفائزون شبه معروفين مسبقا، كما أن بعض من يفوزون بالفعل ليسوا هم من يحكمون البلاد بالضرورة إذ يخضع الأمر للتوافقات والمساومات وتفسير النصوص الدستورية لمصلحة بعض الأطراف النافذة.

كما لم تسلم البعثات الأممية إلى بلدان المنطقة من شبهات التورط في الفساد المالي من خلال إهدار ميزانيات تشغيلية ضخم مخصصة لعمل تلك البعثات بشكل يفوق أحيانا المتطلبات الحقيقية لها. وشهد العمل الأممي في العراق في وقت سابق عثرة كبيرة عندما تمّ الكشف عن تورّط أعضاء في بعثة الأمم المتحدة بعمليات فساد متعلقة بمشاريع إعادة إعمار المناطق المدمرة جرّاء الحرب التي دارت فيها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

3