مبالغة التونسيين في الاحتفال بالعام الجديد تخفي ضغوطا نفسية

مظاهر الاحتفال برأس السنة الإدارية تعكس رغبة التونسي في صنع السعادة رغم ما يعيشه من صعوبات في حياته اليومية.
السبت 2025/01/04
رغبة في صنع السعادة

تونس ـ كانت مظاهر احتفال التونسيين برأس السنة الإدارية مبالغا فيها، وفق خبراء علم النفس.

واعتبرت الأخصائية في علم النفس سلوى طاجين أن مظاهر الاحتفال برأس السنة الإدارية والمبالغة فيها تعكس رغبة التونسي في صنع السعادة رغم ما يعيشه من صعوبات في حياته اليومية.

وأضافت طاجين، في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، أن بعض التونسيين رغم ما عايشوه خلال سنة مضت من ضغوط نفسية واجتماعية ومالية فإنهم يحاولون مع كل فرصة (احتفالات برأس السنة أو الأعياد) أن يصنعوا سعادتهم الخاصة بهم والخروج من بوتقة المشاعر والطاقة السلبية ليشعروا ولو لبضع ساعات أو أيام بالسعادة. واعتبرت أن هذه السعادة، التي يتكبد المواطن في بعض الأحيان مصاريف طائلة لتحقيقها، تبقى مشروطة ولا يمكن أن تدوم سوى لبعض الوقت، في حين أن السعادة الحقيقية، حسب تقديرها، “هي شعور بالأمان الداخلي ولا ينبع إلا من داخل الإنسان.”

وأرجعت طاجين السبب الرئيسي لهذه السعادة المشروطة وغير الدائمة إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي تجعل أغلب المستخدمين يقعون في مقارنات بين حياتهم وحياة الآخرين وبين ما يمتلكونه وما يمتلكه الآخرون فتبقى مساعيهم لا متناهية لكسب وتحقيق سعادة مشروطة تبدأ بالتقليد.

بعض التونسيين رغم ما عايشوه خلال سنة مضت من ضغوط نفسية يحاولون مع كل فرصة أن يصنعوا سعادتهم الخاصة بهم

ولفتت الأخصائية النفسية إلى أن سهولة النفاذ إلى مواقع التواصل الاجتماعي وما تنشره من مظاهر حياة لا تمت للواقع بصلة، وفي غياب محطات تلفزية تقدم مادة قادرة على استقطاب مختلف أفراد العائلة واقتصارها في بعض الأحيان على بث أخبار الحروب والكوارث، جعل كل ذلك التونسي يتعرض إلى ضغوط كبيرة وإحساس بالعجز والإحباط، وهو ما يؤدي إلى القلق والضغط النفسي والاكتئاب بسبب المقارنات والبحث عن سعادة وهمية.

ورغم غياب أرقام وإحصائيات رسمية، غير أن الأخصائية النفسية لاحظت ارتفاعا لافتا لحالات الشعور بالقلق والاكتئاب والهلع، مشيرة إلى أن الأمر لا يقتصر على الكهول أو المتقدمين في السن وإنما يمسّ شريحة واسعة من المراهقين والأطفال الذين تأثروا بهذه الاضطرابات النفسية وانعكست سلبا على مسار حياتهم.

واعتبرت في هذا الصدد أن بعض المعتقدات التي أصبحت سائدة اليوم من قبيل “أن التعليم لا يمكنه أن يحقق أهداف الأشخاص في كسب حياة كريمة أو إيجاد موطن شغل” قد دمّرت الأجيال الجديدة حيث أصبح جلّهم يفكرون اليوم في الطرق “المختصرة” لتحصيل مداخيل مالية وخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك عبر التفكير في الهجرة غير النظامية.

وأضافت طاجين أن بسبب هذه العوامل، يعيش التونسي سعادة مشروطة وأصبح في الواقع لا يتلذذ لحظات السعادة القليلة بسبب المقارنات والبحث عنها في وسائل أخرى تقدمها بصفة مشروطة.

وشدّدت على أن الخروج من السعادة المشروطة يبقى رهين قدرة الشخصية على الفصل بين المُقدّم والمُتاح، داعية إلى اقتناص الأسباب والفرص للفرحة والاحتفال في المناسبات والقناعة بما يمتلكه الفرد من ممتلكات وعلاقات وأشخاص في حياته والابتعاد عن أسلوب المقارنات.

الخروج من السعادة المشروطة يبقى رهين قدرة الشخصية على الفصل بين المُقدّم والمُتاح

وأفاد الأخصائي النفسي طارق السعيدي أن الكثير من التونسيين يعيشون ضغوطا نفسية يومية إن كان بسبب توفير متطلبات الحياة أو عوامل خاصة تختلف فيها ردات الفعل، مؤكدا أن التعرض للضغط النفسي يؤدي إلى ارتفاع هرمون الكورتيزول الذي يمكن أن يؤثر ارتفاعه على المدى الطويل على صحة القلب ويتسبب في الأمراض السرطانية.

وأضاف طارق السعيدي في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء أن الجسم يتعرف على الخطر الداهم من خلال ردات فعل فسيولوجية تتمثل في ارتفاع هرمون الكورتيزول الذي يمكن أن يؤثر على المدى الطويل على الصحة الجسدية للإنسان وكذلك على مزاجه إلى جانب حدوث اضطرابات في النوم وعلى القدرات الفكرية.

وللإشارة يعتبر الكورتيزول هرمون التوتر بسبب دوره في استجابة الجسم للتوتر ويتكون في الغدد الكظرية، ومعظم الخلايا في الجسم لها مستقبلات الكورتيزول التي تستخدم الكورتيزول لمجموعة متنوعة من الوظائف، بما في ذلك تنظيم السكر في الدم وتقليل الالتهاب وتنظيم الأيض وصياغة الذاكرة.

وحذر السعيدي من أن تواصل الضغط النفسي الذي يتجاوز القدرات الدماغية يمكن له في المستقبل أن يتحول إلى اضطرابات نفسية، لافتا إلى أن منظمة الصحة العالمية كانت قد أشارت في إحصائيات خلال السنوات الأخيرة إلى أن 52 في المئة من التونسيين يعانون من اضطرابات نفسية.

وللتحصين النفسي دعا إلى التعامل بمرونة إزاء المشاكل والتدرب على التقبل وليس التحمل لأن التحمل مصيره الانفجار، والعمل على التقليص من المساحة الزمنية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وحث على المطالعة وممارسة الرياضة والتعرض لأشعة الشمس لتقليل الضغط النفسي.

وأكد على ضرورة ممارسة تمارين الاسترخاء والتواصل مع أفراد العائلة والأصدقاء، اللذين  يعتبرهما مفيدين أحيانا أكثر من حصص العلاج النفسي، وتجنب استهلاك المخدرات والتبغ والكحول.

وخلق تقارب المناسبات والأعياد والوضع الاقتصادي العام وبالتحديد غلاء الأسعار وتراجع المقدرة الشرائية للمواطن التونسي ضغوطا ألقت بظلالها على الأسر مهما كانت مستويات دخلها، وأثرت بشكل كبير على الفئات المتوسطة والفقيرة حتى في أبسط ضروريات الحياة، لذلك يقتنص التونسيون مناسبات مثل رأس السنة الإدارية ليخلقوا نوعا من البهجة يساعدهم على الخروج من أزماتهم.

15