مباركي جيلالي يعرض أعمالا واقعية من التراث الجزائري

الجزائر - يتواصل برواق الفنون عائشة حداد في الجزائر العاصمة معرض الفنان التشكيلي مباركي جيلالي الذي يرحل من خلال مجموعة من أعماله الواقعية إلى عوالم ساحرة تعج بالتراث الجزائري العريق وسحر الطبيعة وكذلك أجواء نفسية ووجودية، بأسلوب ذي قيمة فنية وتقنية عالية.
ويشمل معرض “لمسات فنية مع نسمات صيفية”، الذي افتتح في 26 يوليو الجاري ويستمر حتى السادس من أغسطس المقبل في إطار النشاطات الثقافية لمؤسسة “فنون وثقافة” لولاية الجزائر، أكثر من 20 عملا فنيا ذات أحجام ومواضيع مختلفة تتقاطر من زواياها رائحة التراث وعناصر الثقافة والتراث المادي واللامادي الجزائري.
وأنجز الفنان إبداعاته وفق تركيب لوني متماوج ذي رمزية ودلالات توحي بارتباطi بجماليات التراث، مدرجا فيها الألوان الداكنة من خلال انتهاج أسلوب بسيط مع إبراز الأضواء الساطعة والخافتة في توليفة غاية في الأناقة.
وتتمحور الأعمال المعروضة حول التراث والأصالة الجزائريين من خلال إبراز المعالم التاريخية واللباس التقليدي وكذلك جمال الطبيعة وتنوع العادات والتقاليد الأصيلة التي يجسد تراثها الأصيل والثري بعناصره على غرار جلسات الرجال في القصور الطينية بالجنوب وواحات النخيل وينابيع المياه وشوارع القصبة، بكل ما تحمله من موروث شعبي.
يخوض الفنان في لوحاته في شتى التقنيات؛ ما يعكس تمكنه من مختلف المدارس الفنية، وجاء معرضه منوعا، يعطي فسحة للمشاهد؛ كي ينتقل في سلاسة، من لوحة إلى أخرى، تنقله بدوره من مشهد جزائري إلى آخر، وهو يحاول التنويع في التقنيات وفق المواضيع التي تعالجها كل لوحة على حدة، إذ يلجأ – كما هو الحال في
مختلف معارضه ولوحاته – إلى الأسلوب التصويري في تشكيل الطبيعة خاصة في زمن الربيع، وكذلك رسمه للبحر المسالم المنبطح فوق الشطآن الذهبية، في حين يميل إلى المدرسة التجريدية في حال أراد التركيز على الألوان.
وما يلفت الانتباه في مجموعة اللوحات، ومنها بورتريهات لأطفال وشيوخ، هو التدرج المحكم في الألوان واستعمال أسلوب وتقنيات الاتجاه الواقعي الذي يعكس اهتمام الرسام بالموروث العمراني لكل مناطق الوطن سواء في قصبة الجزائر أو في قصور الجنوب وغيرها، إلى جانب موسيقى كل منطقة وتراثها.
ويعتبر المعرض محطة أخرى في مسار هذا الفنان الذي احترف التشكيل من خلال مشاركته في العديد من الورشات منذ سنوات طويلة، وهو بمثابة دعوة لعشاق الواقعية لاكتشاف لوحات تمنحهم فرصة التعرف على تجربة عصامية تعمل على حفر مكانها ضمن التجربة التشكيلية الجزائرية وتقديم نفس جديد واع هو بمثابة جسر ثابت للحفاظ على قيم الجمال والفن والأصالة وتقديمها للجيل الجديد.
وتم إنجاز أغلب الأعمال المعروضة بتقنية الأكريليك (الألوان المائية) والألوان الزيتية إضافة إلى تقنية الحبر الصيني الذي منح العمل بعدا جماليا عميقا، وخصوصا من خلال استخدام اللون البنفسجي الذي يظهر في لوحة دون عنوان واجهة بحرية مليئة بالصخور وقت الغروب، إلى جانب توظيف مادة القهوة في تجسيد تفاصيل البورتريهات كخيار تقني فني مغاير جديد.
تدرج محكم في الألوان واستعمال أسلوب وتقنيات الاتجاه الواقعي الذي يعكس اهتمام الرسام بالموروث العمراني لكل مناطق الوطن
وأشار الفنان مباركي جيلالي في هذا الإطار أنه “يميل في أعماله الفنية المعروضة للمدرسة الواقعية بشكل لافت، باعتبارها أداة للافتخار بثراء التراث الجزائري العريق وكنوزه، وملاذا أيضا للغوص في مواضيع عديدة، وهذا للتعبير عمّا يجول في أعماقه من أفكار ومشاعر”. وأضاف أن مسيرته الفنية انطلقت منذ سنوات طويلة بالعاصمة، وقد شارك بعدها في العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل الجزائر وخارجها.
يذكر أن رواق الفنون عائشة حداد، تأسس في مارس 2003، في المتحف الوطني للفنون الجميلة بالجزائر بإشراف مؤسسة الفن والثقافة لمدينة الجزائر التي تمنح أيضا جائزة تحمل اسم الفنانة الراحلة عائشة حداد وتهدف إلى مكافأة أفضل لوحة نسائية سنويًا.
ويركز الرواق على احتضان التجارب التشكيلية المنفتحة على التجارب العالمية لكنها متمسكة بثوابت الهوية الجزائرية، انطلاقا من أن التراث منبع للإلهام، وأساس للحاضر والمستقبل وهو حقل قابل للتجديد ومواكبة العصر، لما ينقله من عادات وتقاليد وفنون ونحوها من جيل إلى آخر، واستلهام تجارب السلف المنعكسة في الآثار التي نجدها في المتاحف والمعابد والمخطوطات النادرة التي لا يزال لها تأثير في عصرنا الحالي.