مبادرة من القاهرة والعين على سرت

القاهرة - طرح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، السبت، مبادرة سياسية جديدة لحل الأزمة الليبية، دعا فيها لوقف إطلاق النار، اعتبارا من الاثنين، وتشكيل مجلس رئاسي يرمي إلى رفع الغطاء عن تركيا، في وقت بدا أن الميليشيات الحليفة لحكومة فايز السراج تدفع إلى الهجوم على سرت بالرغم من اعتراض فرنسا، وروسيا التي قد تدفع بطائراتها لوقف تقدم الميليشيات.
وتتضمن المبادرة تشكيل مجلس رئاسي يضم رئيسا ونائبين ورئيس وزراء لمدة عام ونصف، يمكن أن يجدد لهم لمدة ستة أشهر. كما تحث الأمم المتحدة على إلزام الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة من كافة الأراضي الليبية وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها حتى يتمكن الجيش الوطني الليبي بالتعاون مع الأجهزة الأمنية من الاضطلاع بالمسؤوليات والمهام في البلاد.
ورفض رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا (استشاري) خالد المشري المبادرة المصرية فور إطلاقها، وقال “لا مكان لحفتر في أيّ مفاوضات قادمة”.
ويقول متابعون للشأن الليبي إن المبادرة ترمي بالكرة في ملعب حكومة السراج والميليشيات الحليفة، والتي دأبت على إعلان رغبتها في الحل السياسي، مثل ما جاء في كلام السراج خلال اتصال هاتفي أخير مع المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل.
وأشار هؤلاء إلى أن هذه الخطوة يمكن أن تفجر الخلافات داخل حكومة الوفاق التي تعتمد على ميليشيات وكتائب مسلحة مختلفة، وتفتح الطريق إلى عودة تصفية الحسابات العسكرية بين مصراتة وطرابلس والزنتان وترهونة، بعد هيمنة الأولى على كثير من مقاليد الأمور.
وتفتح المبادرة الباب أما تصحيح الأوضاع الاقتصادية المختلة، وضبط الأداء في المصرف المركزي، وهيئة النفط الليبية، وهو ما يضر بمصالح السراج والميليشيات والإخوان الذين سيطروا على الثروة ورفضوا التوزيع العادل لها.
عناصر المبادرة
- وقف إطلاق النار بدءا من الاثنين
- تشكيل مجلس رئاسي منتخب
- تولي الأمم المتحدة إخراج المرتزقة
- تفكيك الميليشيات وأسلحتها
- تولي الجيش والقوى الأمنية مهمة الأمن
وأكدت مصادر دبلوماسية لـ”العرب” أن القاهرة تحاورت مع الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا، وتوصلت إلى قناعة بأهمية طرح هذه المبادرة، وحصلت على ضمانات سياسية بدعمها، وإحياء مسار الحوار السياسي على قاعدة مؤتمر برلين الدولي، بدلا من توسيع نطاق الحرب الذي أدى إلى استدعاء تركيا وإحراج المجتمع الدولي.
واستقبلت القاهرة الأربعاء الماضي المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، وبعد يومين استقبلت المستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي، وعقد كل منهما لقاءات مع المسؤولين عن الملف الليبي في مصر، واستمع كلاهما لسبل الخروج من المأزق الراهن.
وعقد عقيلة وحفتر اجتماعا مشتركا في القاهرة، الجمعة، خُصص للتفاهم وتذليل الخلافات التي أدت إلى التباعد بينهما مؤخرا، وتمخض الاجتماع عن الالتفاف حول المبادرة وتمتين التحالف السياسي بين الطرفين، استعدادا لمواجهة سياسية صعبة مع حكومة الوفاق التي تضم أطرافا متنافرة.
وعلمت “العرب” أن موافقة الجيش الليبي على الانسحاب خارج محيط طرابلس والتخلي عن المواقع التي سيطر عليها سابقا في غرب ليبيا، جاءت ضمن تنسيق مع قوى إقليمية ودولية لتمهيد الطريق للحوار السياسي، ولم يكن ذلك الانسحاب نتيجة الضغوط العسكرية المكثفة التي تعرض لها.
ويعتقد مراقبون أن المبادرة ستزيد من إحراج حكومة الوفاق، وستغذي لدى الميليشيات الهروب إلى الخيار العسكري بدءا من الهجوم على سرت في تحد للدول المتدخّلة في الأزمة، وخاصة روسيا التي يعتقد أنها لن تسمح بتقدم الميليشيات نحو حقول النفط.
وتشير تقارير مختلفة إلى وجود اتفاق روسي تركي يسمح لأنقرة وحلفائها الإسلاميين المسيطرين على حكومة الوفاق بالسيطرة على العاصمة وحدودها الإدارية، وألا يتعدى الأمر تلك الحدود، في الوقت الذي تتمركز فيه طائرات روسية في قاعدة الجفرة بانتظار تطورات الوضع.
وكانت أنباء أشارت إلى أن طائرات روسية قد هاجمت منذ يومين تحركات مشبوهة في منطقة السدادة بين سرت ومصراتة في رسالة تنبيه إلى الميليشيات المنتشية بالتقدمات الميدانية الأخيرة في ترهونة ومحيط العاصمة. وقالت تلك الأنباء إن عدم تحرك هذا الطيران لاستهداف مواقع الميليشيات في الغرب الليبي دليل إضافي على وجود تفاهمات روسية تركية بشأن حدود العمليات العسكرية وخطوطها الحمراء.
كما أن تقدم الميليشيات باتجاه سرت من شأنه أن يزيد من غضب فرنسا التي لا شك أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تحرك تركيا لوضع اليد على المصالح الفرنسية. وتحركت باريس في الأيام الأخيرة باتجاهات مختلفة لتأكيد غضبها من التطورات في ليبيا، من ذلك اتصال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرئيسين الجزائري عبدالمجيد تبون والتونسي قيس سعيّد، في مسعى للحصول على موقف مغاربي معارض للتمدد التركي.
وتدعم فرنسا سياسيا الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في حربه على الإرهاب، وهو ما يتضح من خلال عرقلتها قرارات أوروبية تدينه وتُتّهم من قبل الإسلاميين بتقديم دعم عسكري له، الأمر الذي تنفيه باريس.
وتريد فرنسا من خلال هذه المساعي سحب الملف الليبي من تركيا وروسيا اللتين تتصاعد التكهنات بشأن إبرامهما صفقة لتقاسم النفوذ في ليبيا متجاهلتين المجتمع الدولي.