مبادرة مصرية لخفض تكاليف الزواج تحظى بدعم أسري

ارتفاع الأسعار والعزوف عن الزواج يدفعان إلى التساهل في مستلزماته.
الخميس 2023/09/14
التخلي عن المظاهر الزائفة أولى خطوات إنجاح الزواج

تجاوبت الكثير من الأسر المصرية مع مبادرة التخفيف من مستلزمات الزواج تسهيلا على العروسين وتجنبا للتداين وتعقيد الأمور بين العائلات المتصاهرة، وهو ما يدفع في بعض الأحيان إلى وقوع مشاكل ينجم عنها إبطال مشروع الزواج برمته. بدورها أعلنت دار الإفتاء المصرية دعمها الكامل لكل تحرك يستهدف تبسيط أمور الزواج، باعتباره من صميم المقاصد الشرعية.

القاهرة - بدأت عائلات مصرية تتعامل بحكمة مع مستلزمات الزواج، حيث انتشرت مؤخرا مبادرة في قرى ومناطق ريفية وشعبية للاستغناء عن الكثير من النفقات والتخلي عن المظاهر الزائفة والاكتفاء بالضروريات التي لا ترهق الأسرة.

وقررت بعض القرى في مصر إعداد وثيقة يتم تطبيق بنودها على أسرتي الشاب والفتاة، ولا يتم تجاوزها أو التغاضي عن المستلزمات الموجودة فيها، على أمل تسهيل شروط الزواج وعدم إرهاق كاهل أحد الطرفين بالنواحي المالية.

جاءت المبادرة من خلال فكرة انتشرت عبر حملات توعية بأهمية تحديد نفقات الزواج ووضع حد أقصى وتسعيرة استرشادية لها، وبعدها تحدد لقاءات أسرية مع الأهالي للاستماع إلى آراء السيدات والفتيات والشباب والشيوخ.

استندت الوثيقة المعدة لاحتياجات العُرس إلى المطلوب توفيره في منزل الزوجية دون إرهاق الأسرة في ظل ظروف معيشية صعبة، ويتم شراء الحد الأدنى من المستلزمات الضرورية، والاكتفاء فقط بالأساسيات، تمهيدا لحياة زوجية مستقرة.

الوثيقة المعدة لاحتياجات العُرس استندت إلى المطلوب توفيره في منزل الزوجية دون إرهاق الأسرة في ظل صعوبات المعيشة

وجاء التحرك بشكل فردي بعد أن تراجعت معدلات الزواج في الكثير من المناطق أمام موجة غلاء غير مسبوقة وعدم قدرة عدد كبير من الأسر على تدبير احتياجات الزواج.

وأصبحت هناك أسر تقترض ولا تستطيع الوفاء بمتطلبات الزواج، وأخرى تبيع بعض ممتلكاتها لتوفير نفقات زواج الابن أو الابنة، وأمهات يتورطن في شراء سلع لا يستطعن الوفاء بأثمانها فينتهي بهن الحال في السجن.

وأمام اقتناع أسر كثيرة بالوثيقة المعدة لمستلزمات الزواج في المنطقة السكنية نجحت الفكرة وباتت التكاليف بسيطة بعد وضع حد أقصى لكل شيء من دون النظر إلى الأعراف والتقاليد السائدة، فالمهم أن يجد الزوجان سكنا يقيمان فيه بأقل تكلفة.

وأعلنت دار الإفتاء المصرية دعمها الكامل لكل تحرك يستهدف تبسيط أمور الزواج، لأنه من صميم المقاصد الشرعية، ولا مانع في أن يكون خاتم الزواج المقدم للعروس من الفضة وليس الذهب، تسهيلا على الزوج.

يتناغم هذا التحرك أيضا مع مبادرة أطلقها الأزهر لمواجهة تكاليف الزواج الباهظة وجلبت ردود أفعال إيجابية، وهو ما يعكس تقبل شريحة كبيرة في المجتمع فكرة الترشيد في تجهيزات الزواج، والتي تحتاج إلى المزيد من الانتشار.

ولا تزال هناك أسر تتشدد في اشتراطات الزواج وتفرض قائمة طويلة من المطالب التي يصعب الالتزام بها وسط الأوضاع الاقتصادية الصعبة، مثل المهر المرتفع والسكن الفاخر والاحتياجات المنزلية المبالغ فيها واشتراط شكل مثالي لحفل الزفاف، ما تسبب في خفض معدلات الزواج.

وتشمل التسهيلات التي تم إقرارها في بعض المناطق المصرية قصر مراسم الخطوبة على قراءة الفاتحة وارتداء الخاتم مع عدم إطالة فترة الخطوبة لمنع حدوث مشكلات أو إجبار الشاب على تقديم المزيد من الهدايا، كي يوفر كل شيء لتدبير نفقات الزواج.

تساهل الأسرة تجاه الشاب وقبولها بتكاليف بسيطة لا يعنيان أنها تسلم له الفتاة مجانا، لأن مرونتها معه تضع على عاتقه مسؤولية الحفاظ عليها والظهور أمام أسرتها بأنه يستحق هذا التنازل

وتضمنت التسهيلات اختيار مسكن الزوجية بالتوافق بين طرفي الزواج حسب الاستطاعة المالية ودون شروط أو المطالبة بمنزل فاخر مجهّز بشكل معين، مع تحديد الذهب كهدية للعروس بمبالغ مالية وليس بالميزان أمام ارتفاع سعره.

وتوافقت أسر كثيرة على وضع تسعيرة لا يتم تجاوزها بالنسبة إلى الأجهزة الكهربائية والأثاث المطلوب لفرش بيت الزوجية، مع إقامة مراسم الزفاف بصورة بسيطة، وإلغاء الهدايا المقدمة إلى أسرة الشاب أو الفتاة.

وحظيت العادات الجديدة للزواج بدعم أسري واضح، وتفاعل معها كثيرون، باعتبار أن الوضع الاقتصادي الراهن يفترض أن يصبح دافعا لكل الأسر إلى تغيير العادات والتقاليد والأعراف البالية التي أرهقت كاهل الناس بالديون والقروض والاستدانة لمجرد التنافس في مستلزمات الزواج.

وقال عبدالعزيز السيد، وهو رب أسرة لأربعة فتيات ويعيش في ريف محافظة البحيرة شمال القاهرة، إن تغير عادات الزواج أصبح خيارا لا غنى عنه، معقبا “عن نفسي لن أشترط على الشاب المتقدم لخطبة إحدى بناتي شروطا تعجيزية، وذلك التزاما بالعرف الذي صار متبعا في المنطقة، ومن يخالف ذلك من أرباب الأسر فهو الخاسر”.

وأضاف السيد لـ”العرب” أن في المنطقة التي يقطن فيها اتفق أرباب الأسر على وضع سقف لكل شيء، بدءا من ثمن خاتم الزواج ومرورا بمرحلة التجهيز وانتهاء بشكل العُرس، وتم تحديد قائمة بكل المطلوب من أسرة الشاب والفتاة، وتوافق عليها غالبية الناس، لأن الأزمة الاقتصادية طالت مختلف الشرائح ولم يسلم منها أحد.

ولم ينكر الأب أنه حين تمت مناقشة مستلزمات الزواج كانت هناك آراء رافضة وآباء ينظرون إلى المهور وغيرها، لأنها تعكس قيمة البنت عند أسرتها، وثمة عائلات تعتقد أنها إذا لم تفرض شروطا على الشاب فستبدو كمن تبيع الفتاة بثمن بخس، لكن بعدما توافقت الأغلبية التزم الجميع، لأن الزواج ليس تجارة.

ولا تزال معضلة بعض الأسر كامنة في عدم اقتناعها بأن الكثير من الفتيات لديهن استعداد كامل للزواج دون تكاليف باهظة أو اشتراطات مبالغ فيها على الشبان المتقدمين لخطبتهن، لكن المشكلة في الآباء والأمهات الذين ينظرون إلى هذه المستلزمات كأساس لبناء علاقة زوجية مستقرة، مع أنهم بذلك قد يهدمون الزيجة قبل أن تبدأ.

الزواج الميسر بداية لسعادة مستقبلية وأسرة متماسكة خالية من الضغوط والديون، عكس الشروط التعجيزية التي تتسبب في زيادة معدلات عنوسة الشبان والفتيات

وأجرى المركز المصري لبحوث الرأي العام استطلاعا حول مدى تقبل الفتيات لإلغاء عادات وطقوس في الزواج، فأبدت 62 في المئة منهن الموافقة على الزواج بلا شبكة (ذهب)، ولا مانع في ارتداء خاتم الخطوبة من الفضة، شريطة توافر الشاب المناسب.

واتفق متخصصون في العلاقات الأسرية على أن تخلي أغلب الأسر عن الشروط المبالغ فيها عند الزواج لم يعد صعبا أو مستحيلا، المهم إطلاق مشروع تثقيفي متكامل تتشارك فيه مختلف المؤسسات لنشر الوعي بأن العلاقة الزوجية تقوم على المودة والتراحم، ولا يتم تقييمها بقيمة ما يدفعه كل طرف.

وأوضحت هالة منصور، الباحثة في علم الاجتماع والعلاقات العائلية بالقاهرة، أن الوضع الاقتصادي الصعب أسهل فرصة لإقناع الأهالي بتغيير اشتراطات الزواج، والتفاهم معهم على أن ذلك ليس تساهلا في حق الفتاة، بقدر ما يرتبط الأمر بأن السعادة الزوجية لا تقاس بالتكلفة، لكن يمكن التخطيط لبناء علاقة مستقرة بأقل شيء ممكن، فما قيمة أن تشتري العروس كل المستلزمات بأعلى سعر وأسرتها محاصرة بالديون؟

وذكرت لـ”العرب” أن “التوجه نحو وضع سقف وحد أقصى لمستلزمات الزواج مبادرة إنسانية تكرس الاستقرار الأسري لكل الأطراف، وتتحقق الاستدامة ونشر أهدافها في كل المناطق من خلال خطاب إعلامي وتثقيفي وديني بسيط يصل إلى الشريحة المستهدفة، كي لا تكون قاصرة على المناطق التي بدأت فيها”.

وأكدت أن الزواج الميسر بداية لسعادة مستقبلية وأسرة متماسكة خالية من الضغوط والديون، عكس الشروط التعجيزية التي تتسبب في زيادة معدلات عنوسة الشبان والفتيات بلا بحث عن شريك يصون العشرة ويتحمل المسؤولية بأقل تكلفة.

وتساهل الأسرة تجاه الشاب وقبولها بتكاليف بسيطة لا يعنيان أنها تسلم له الفتاة مجانا، لأن مرونتها معه تضع على عاتقه مسؤولية الحفاظ عليها والظهور أمام أسرتها بأنه يستحق هذا التنازل، وهي ثقافة يتم نشرها تدريجيا بين أرباب الأسر.

15