مبادرة مصرية جديدة لتعزيز تمكين المرأة اقتصاديا

كثفت الحكومة المصرية جهودها لتعزيز دور المرأة في الاقتصاد عبر تسهيل الوصول إلى تمويل مشروعات ومبادرات تدعم قضية تمكين النساء وتحقيق المساواة بين الجنسين، وذلك ضمن خطط تستهدف رفع نسبة السيدات في تقلد المناصب العامة وتوطين الوظائف لهن بما يخدم استراتيجية التنمية الشاملة في البلاد.
القاهرة - دشنت الهيئة العامة للرقابة المالية المصرية أداة تمويل جديدة بسوق رأس المال تحت مسمى “سندات المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة”، وهي ذات بعد اجتماعي يشترط توجيه عائدات طرحها إلى تمويل المشاريع والمبادرات أو السياسات التي تدعم قضية تمكين المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين اقتصاديا.
وتهدف الآلية الجديدة إلى توفير التمويل الرخيص للشركات والهيئات التي تركز على قضايا المرأة بشرط أن يضم مجلس إدارتها 25 في المئة من النساء، أو التي توظف نسبة لا تقل عن ثلث العمالة من النساء، أو تملك امرأة واحدة على الأقل نسبة لا تقل عن 51 في المئة من رأسمال المنشأة.
ويستهدف المنتج الجديد الشركات التي تشجع سياساتها المساواة بين الجنسين في بيئة العمل وتطور ثلث منتجاتها وخدماتها لتحسين جودة حياة المرأة.
وسندات الشركات هي أداة تمويل تصدرها الشركات لتمويل التوسعات والتطوير، وتلجأ إليها كوسيلة للاقتراض، وتشمل طرفا دائنا وهو من يشتري السند وآخر مدينا وهو مصدر أو بائع السند، ويتعهد المُصدر بأن يدفع لحامل السند فائدة محددة مسبقًا طول مدة السند ويرد القيمة الاسمية للسند عند حلول تاريخ الاستحقاق.
وأعلن وزير المالية المصري محمد معيط أن الحكومة تدرس إصدار سندات تدعم خطط التنمية المستدامة وتراعي تمكين المرأة، مؤكدا أهمية منح أولوية مطلقة لدعم وحماية أوضاع المرأة والأسرة تماشيًا مع حقوق الإنسان.
وتمنح الأداة الجديدة ميزة للشركات التي تساهم في خلق فرص عمل للنساء أكثر من الرجال، حيث يمكنها زيادة إصدار السندات بفائدة منخفضة للتوسع في التمويل، على عكس الشركات الأخرى التي لا تمكّن المرأة اقتصاديًا.
وتعد الفوارق بين الجنسين من أكثر تحديات سوق العمل في مصر، بالتزامن مع خفض نسبة مشاركة النساء في القطاع الخاص، وحتى بعد الانضمام إلى القوى العاملة تبقى فرصهن في إيجاد عمل أقل من الرجال، وعمليًا لا تزال فرص حصولهن على وظائف جيّدة مقيّدة.
ووفقا للأرقام التي أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بلغت نسبة مساهمة المرأة في قوة العمل 15.6 في المئة من إجمالي قوة العمل (15 عاما فأكثر) مقابل 67.3 في المئة للرجال.
كما وصلت نسبة الإناث المشتغلات (15 عاما فأكثر) إلى 15.3 في المئة مقابل 84.7 في المئة لدى الذكور.
ومن أبرز التحديات التي تواجه نجاح الآلية الجديدة عدم استطاعة الحكومة إجبار القطاع الخاص على زيادة عدد النساء العاملات، لأنه يبحث عن مصلحته بتحقيق الربح من أجل الاستمرار والمنافسة في الأسواق، وبالتالي عدم رواج سندات المساواة بين الجنسين.
ويصعب إغفال الدور المهم والرئيسي للقطاع الخاص في توفير فرص عمل للمرأة، ولكن ربط الاقتراض عبر السندات بنوع الجنس في الشركات أمر غريب، لأن الاقتراض وفقًا للأسس الاقتصادية يرتبط بالكفاءة المالية للمؤسسات وطبقًا للدراسة المستقبلية للمنظومة.
وأبدت بسنت فهمي، وكيلة اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب سابقا، في تصريح لـ”العرب” اعتراضها على الآلية الجديدة واعتبرتها تمييزا بين الشركات وليست داعمة لتمكين المرأة اقتصاديًا، وأن المزايا تُمنح للشركات الأقوى بعيدًا عن نوع الجنس.
وتحوم شكوك حول لجوء بعض المنشآت إلى تعيين المرأة بشكل صوري بغية إصدار السندات للحصول على التمويل الميسر الناشئ عن خفض مصروفات الإصدار وسعر الفائدة التنافسي، وذلك يكسر القواعد المالية لإصدار السندات والمشتملة على غرض إصدارها واستخدامها ومخاطر عدم السداد.
وأوضحت فهمي أن التعيين في مجالس إدارات الشركات يجب أن يرتبط بالكفاءة والقدرة على العمل وليس بنوع الجنس، وتوجد العديد من السيدات اللاتي لهنّ كفاءة تفوق كفاءة الرجال، لكن طبيعة المرأة تدفع القطاع الخاص إلى تفضيل تشغيل الرجال.
وأشارت إلى أن الأنثى، كونها أما وزوجة وراعية لأطفالها، في حاجة إلى الحصول على إجازات والانقطاع عن العمل، وهذا لا يعيب المرأة أو يقلل من شأنها، لكنها لغة الاقتصاد والمصالح لدى الشركات.
ويقول خبراء إن المرأة في مصر مُمَكّنة اقتصاديًا منذ زمن طويل، باعتبارها كانت ملكة في العصر الفرعوني، وتنتفي تقريبا الوظائف الحكومية القائمة على التمييز، ولا توجد سيدات حقوقهن مهضومة أو يعانين الاضطهاد.
وحسب وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية شهدت الأعوام السبعة الماضية طفرة كبيرة في أعداد النساء بالمناصب السياسية والقيادية المختلفة، وارتفعت نسبة الوزيرات في الحكومة من 6 في المئة عام 2015 إلى 25 في المئة العام الجاري.
كما تستحوذ المرأة على 45 في المئة من الوظائف في الجهاز الحكومي، وسجل نصيب المرأة في مقاعد البرلمان الحالي نحو 28 في المئة، مقارنة بنسبة لم تتعد 2 في المئة عام 2013.
وقالت يُمن الحماقي، أستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس، لـ”العرب” إن “مساعي مصر لتمكين المرأة اقتصاديًا ترتبط باستضافة البلاد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي العام المقبل والذي يتطلب مشاركة أكثر للمرأة في مختلف نواحي الحياة، كما أن رؤية مصر 2030 لتحقيق التنمية المستدامة تقتضي رفع نسبة المرأة العاملة”.
وأطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030 ضمن خطة للتنمية المستدامة التي اشتملت على التمكين الاقتصادي للمرأة عبر تنمية قدراتها لتوسيع خيارات العمل أمامها وزيادة مشاركتها في قوة العمل.
كما تشمل الخطة تحقيق تكافؤ الفرص في توظيف النساء بكافة القطاعات لاسيما القطاع الخاص، وفي ريادة الأعمال وتقلد المناصب الرئيسية في الهيئات العامة والشركات الخاصة وخلق بيئة صديقة للمرأة.
وأضافت الحماقي لـ”العرب” أن “تدشين السندات الجديدة يأتي كمحاولة لزيادة مشاركة المرأة في قوة العمل، لأن تحقيق أهداف التنمية المستدامة بمصر محفوف بمخاطر مع ضعف المشاركة النسائية اقتصاديًا، والتي تبلغ نحو 22 في المئة وهو معدل منخفض”.
وتعمل الحكومة المصرية على إفساح المجال لتوفير فرص عمل عديدة للمرأة، خاصة المرأة الريفية والمرأة المعيلة، وتقديم القروض الميسرة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر من أجل رفع نسبة مشاركة الإناث في سوق العمل.
وينعكس التمكين وزيادة مشاركة المرأة اقتصاديًا بالإيجاب على معدل النمو الاقتصادي، لأن المرأة تمثل قوى محركة كونها تضيف طاقات إنتاجية جديدة تعزز الإنتاج والنهوض بالعملية الاقتصادية.