مبادرة الدبيبة السياسية رهان أخير لإنقاذ حكومته من السقوط

طرابلس - أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها في غرب ليبيا عبدالحميد الدبيبة، الثلاثاء، عزمه إطلاق مبادرة سياسية خلال الأيام المقبلة تتضمن ثلاثة مسارات قال إنها تهدف إلى الخروج من المأزق الوطني وتجاوز حالة الانقسام، وذلك في محاولة أخيرة لدرء خطر الإطاحة بحكومته.
وتأتي هذه الخطوة في ظل ضغوط متزايدة من البرلمان الليبي الذي يسعى لتشكيل حكومة بديلة، وتزايد الغضب الشعبي المطالب برحيل حكومة الدبيبة. يبدو أن هذه المبادرة هي محاولة من الدبيبة للحفاظ على نفوذه وموقعه، في مواجهة تصاعد التوتر السياسي والمخاوف من انزلاق البلاد نحو مزيد من الانقسام والصراع.
ويُعد هذا الإعلان تصعيدا جديدا في الصراع على السلطة بين الأطراف الليبية، ويشير إلى أن الدبيبة لا ينوي التنازل عن موقعه بسهولة، حتى مع تزايد الضغوط الداخلية والخارجية لتجاوز حالة الانقسام السياسي في البلاد.
وكشف الدبيبة عن محاور مبادرته خلال اجتماع مجلس الوزراء العادي الثاني لعام 2025 والمنعقد في العاصمة طرابلس وفق بث مباشر نقلته منصة حكومتنا على فيسبوك "سأعلن خلال أيام مبادرة سياسية تتضمن ثلاثة مسارات للخروج من المأزق الوطني".
وأوضح أن "المسار الأول هو إعادة هيكلة الحكومة على أساس الكفاءة بعيدا عن المحاصصة أو التأثيرات الموازية".
أما المسار الثاني وفق الدبيبة، فإنه يتمثل في "إطلاق مشروع الاستعلام الوطني كمسار جامع ومعبّر عن الإرادة الشعبية" في إشارة لبرنامج ستطلقه الحكومة الكترونيا لتقديم خدمة الإجابة عن تساؤلات المواطنين.
فيما يتمثل المسار الثالث، بحسب الدبيبة "بوضع آلية واقعية لتأمين الانتخابات وإنهاء ذريعة وجود حكومة موازية".
ولم تمر مبادرة الدبيبة دون ردود فعل، حيث وصفها المجلس الرئاسي الليبي بتجاوز للمسار التوافقي.
وأصدر عضوا المجلس الرئاسي، موسى الكوني وعبدالله اللافي، بيانًا أكدا فيه دعم المجلس لأي جهد جاد يعالج الانسداد السياسي ويعزز الاستقرار، لكنهما شددا على أن المجلس لم يُبلّغ بمضمون هذا المقترح رسميًا أو غير رسميًا، ولم يكن طرفًا في أي مشاورات بشأنه.
وأكد البيان على تمسك المجلس بالتزامه بالشراكة الوطنية ورفضه "الاجتهادات الفردية أو الإشارات التي قد تفسر على نحو غير دقيق"، معربًا عن رفضه لإطلاق مبادرات أحادية لا تمر عبر قنوات الحوار الوطني.
وشدد المجلس الرئاسي على انفتاحه على أي مسعى وطني حواري في إطار التوافق، لكنه رفض "محاولات القفز على اللحظة السياسية الراهنة أو خلق تصورات منفردة تعمّق الانقسام".
ومن الصعب التكهنّ بموقف السلطات في شرق ليبيا من المبادرة التي سيعلنها الدبيبة، خاصّة البرلمان، الذي يطالب بتغيير الحكومة، وبدأ بالفعل في إجراءات تشكيل واحدة بديلة عن حكومة الدبيبة.
كما يبرز في المشهد موقف رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الذي طرح من جانبه أحقية المجلس في تسمية رئيس الحكومة مستندا إلى التعديل الدستوري الحادي عشر، بينما تواصل البعثة الأممية للدعم في ليبيا عقد مشاوراتها مع لجنة استشارية مكونة من 20 خبيرا قانونيا لصياغة تصور نهائي لمسار الحل.
وفي معرض حديثه عن التطورات الأخيرة في طرابلس، دافع الدبيبة عن أداء حكومته، قائلا "نفذنا عملية أمنية دقيقة ومنضبطة ضد مجموعة خارجة عن القانون (لم يحددها) ونجحنا بأقل الخسائر".
ويشير الدبيبة بحديثه إلى مقتل عبدالغني الككلي الملقب بـ"غنيوة"، وهو رئيس جهاز "دعم الاستقرار" التابع للمجلس الرئاسي.
وأشعل مقتل غنيوة اشتباكات دامية في طرابلس أعقبتها احتجاجات شعبية مستمرة، تطالب برحيل حكومة الدبيبة ووقف الاقتتال.
وأضاف الدبيبة "العملية الأمنية تمثل بداية فعلية لاستعادة سلطة الدولة داخل العاصمة بلا شراكة مع أي قوة موازية".
وعن المظاهرات قال الدبيبة "وفرنا حماية شاملة لكل من اختار التظاهر السلمي دون تمييز أو تدخل ولم تسجّل أي اعتقالات أو تجاوزات أمنية خلال التظاهرات وتعاملنا بأقصى درجات الانضباط القانون.
ومع ذلك، تتناقض هذه التصريحات مع مشاهد مصورة تم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي، أظهرت قيام قوات أمنية بتفريق المتظاهرين بالقوة، وسط أنباء عن استخدام الرصاص الحي.
وأوضح الدبيبة أن تحركاته الأمنية والسياسية تحظى بدعم دولي، معتبرا أن "المجتمع الدولي بدأ يدرك أن ما يجري في ليبيا ليس صراع نفوذ بل فرضا لسيادة القانون". واعتبر أن "الحل الوحيد يكمن في تنظيم انتخابات حرة تتيح لليبيين اختيار قيادتهم".
وتعيش ليبيا وضعا محفوفا بالمخاطر، مع تصاعد التوّترات والصراع على السلطة والموارد المالية بين الأطراف السياسية في شرق البلاد وغربها ووصول الحوار بينهم إلى طريق مسدود، إذ ثمة خطر ومخاوف حقيقية من انزلاق البلاد إلى نزاع مسلّح، مع تحريك الجيش الليبي قواته نحو مدينة سرت وإعلان قوات الغرب الليبي حالة التأهبّ ودخولها في دورات تدريبية قتالية.
وتشهد البلاد منذ أكثر من أسبوعين خروج مظاهرات شعبية غاضبة في طرابلس، رفع خلالها المحتجون شعارات تطالب بتفكيك المليشيات، وتحقيق العدالة في توزيع الثروات، بعيدا عن التجاذبات السياسية أو الأيديولوجية.
ويرى مراقبون أن هذه التحركات تعكس استياء متزايدا من أداء الحكومة ورفضا لتغوّل المجموعات المسلحة على مؤسسات الدولة، وسط مطالبات محلية ودولية متزايدة بضرورة استئناف المسار الانتخابي، وتوحيد مؤسسات الدولة على أسس وطنية.