مبادرة الجبهة الداخلية تكرس الانقسام بين الموالاة والمعارضة في الجزائر

غياب مناخ التهدئة والتشاور المفتوح يرهن التقارب بين ألوان الطيف السياسي.
الأحد 2023/08/20
انقسام متواصل في المعارضة

الجزائر - شرعت أحزاب موالية للسلطة في الجزائر في وضع معالم جبهة داخلية موحدة تحسبا للتحديات والمخاطر الإقليمية والدولية التي تهدد البلاد، وذلك عبر عقد ندوة سياسية اشتركت فيها فعاليات حزبية وأهلية، غير أن المعارضة قررت مقاطعتها بدعوى الافتقاد إلى الشروط السياسية للتماسك الداخلي، وعلى رأسها غياب التشاور ومناخ التهدئة السياسية والانفتاح على جميع الأطراف.

وغابت عدة أحزاب سياسية محسوبة على المعارضة عن ندوة "التلاحم وتأمين المستقبل"، التي بادرت بها حركة البناء الوطني الإخوانية بمعية أحزاب تقليدية معروفة بولائها للسلطة، على غرار جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وتجمع أمل الجزائر، فضلا عن عدد من الجمعيات والمنظمات والنقابات.

وتضاربت أسباب المقاطعين للندوة، لكنها أجمعت على غياب ما وصفته بـ"الشروط الأساسية لإرساء أيّ مبادرة وطنية موحدة، للوقوف في وجه التحديات والمخاطر التي تهدد البلاد، على غرار ما هو متوقع من التطورات المنتظرة في منطقة الساحل الصحراوي، بعد الانقلاب العسكري القائم في دولة النيجر".

ويبدو أن الندوة ستفشل في تحقيق الغاية التي أطلقت لأجلها، في ظل غياب الإجماع داخل الطبقة السياسية حول شكل ومحتوى أيّ مبادرة تستهدف رص الصفوف الداخلية، وستكتفي بتكريس الانقسام بين موالين للسلطة يدعمون خياراتها، وبين معارضين يتمسكون بضرورة توفير شروط أساسية لأيّ ندوة من هذا النوع.

عبدالقادر بن قرينة: هناك بعض الأبواق أرادت التشويش على المبادرة قبل بدايتها
عبدالقادر بن قرينة: هناك بعض الأبواق أرادت التشويش على المبادرة قبل بدايتها

وغابت أكبر الأحزاب الإخوانية (حركة مجتمع السلم)، وجبهة القوى الاشتراكية، وحزب العمال، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، بدعوى غياب التشاور الأوّلي حول الندوة، وتجاهل السلطة لمطالب التهدئة السياسية التي رفعتها قوى سياسية وشخصيات مستقلة، من أجل استعادة مناخ الثقة والتعاون بين الأطياف السياسية الفاعلة في المجتمع.

وصرّح رئيس حركة البناء الوطني ومرشح الانتخابات الرئاسية الأخيرة عبدالقادر بن قرينة بأن "رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون سيجد منا كل الدعم في حماية وصية الشهداء وحفظ أمن واستقرار البلاد"، وهي إشارة دعم وتأييد للرجل بالموازاة مع تصاعد الحديث عن رغبة تبون الجامحة في المرور إلى ولاية رئاسية ثانية نهاية العام القادم.

ولفت بن قرينة إلى أنه "يدرك جيدا المخاطر التي تحيط بالبلاد، وأن حركته تؤمن بأهمية تمتين الجبهة الداخلية، وهذا الأمر تمثل في عقد هذه المبادرة.. وليعلم الشعب الجزائري أن وفاءنا له يعكس اجتماعنا اليوم في ندوة التلاحم الوطني، ونؤكد أهمية الندوة التي نتطلع إلى ترقيتها إلى فضاء حوار يستوعب كل التيارات". وتابع "هذه المبادرة هي خالصة للوطن وليست حسب الظرف ولا الحزب ولا أيّ استحقاق وطني، وإنها أكبر مبادرة شهدتها الساحة السياسية منذ الاستقلال".

وأكد على أن "الجزائر دولة سلم وسلام ووفية لمبادئها وحريصة على التعاون في إطار الندية، ونحن ملتحمون مع الجيش بكل قوة وواثقون في قدرته على حماية الجزائر من أيّ تربص بها". وحذر بن قرينة من أن "هناك بعض الأبواق أرادت أن تشوّش على المبادرة قبل بدايتها، نظرا لأهمية التلاحم والتعاون لترقية الحوار من أجل الجزائر".

وخلت التوصيات التي توجت الندوة من أي خطوة لافتة أو عمل ميداني يجسد تصورات ونوايا أصحابها، واكتفت بدعوات فضفاضة للشارع والسلطة، غاب عنها الجرأة السياسية اللازمة لتقديم تنازلات متبادلة لاختصار المسافات بين السلطة وبين المشككين في خياراتها، رغم أن الأمر يتعلق بانشغالات إقليمية ودولية جادة وخطيرة.

وكان زعيم حركة البناء الوطني أول من بادر بندوة التلاحم وتأمين المستقبل، واستطاع إقناع أحزاب ثقيلة في المشهد السياسي بالانخراط فيها، الأمر الذي اعتبر إنجازا للرجل الذي تحول إلى قاطرة للمؤيدين للسلطة، بعدما اقتصر الأمر في وقت سابق على جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.

لكن رسائل الرجل توقفت عند أعتاب مقار أحزاب المعارضة ولم يصدر عنها أيّ رد، وهو ما يشكّل إخفاقا يكرّس انقساما تقليديا بين الموالاة والمعارضة، وأن المبادرة لم ترتق إلى إقناع جميع القوى والفعاليات السياسية بالانخراط في المسعى، خاصة بالنسبة إلى الأحزاب الراديكالية، التي تضع إجراءات التهدئة السياسية في صدارة أيّ مبادرة تطرح للنقاش.

وأكد المكلف بالتسيير المؤقت لحزب التجمع الوطني الديمقراطي ياحي مصطفي بأن حزبه “ينخرط بكل مسؤولية ضمن مبادرة التلاحم الوطني، ولن يتأخر عن الانخراط في أيّ مسعى أو مبادرة سياسية تهدف إلى حماية الدولة ومؤسساتها".

◙ أسباب المقاطعين للندوة تضاربت لكنها أجمعت على غياب ما وصفته بـ"الشروط الأساسية لإرساء أيّ مبادرة وطنية موحدة"

وأوضح مصطفى في كلمته أثناء الندوة المنعقدة بالعاصمة الجزائر بأنه "يؤمن بأن نعمة الأمن والاستقرار جاءت بفضل الجهد الأمني والاجتماعي للدولة الجزائرية في محاربة كل ما يهدد النسيج المجتمعي الجزائري، وأن جهود الدولة الجزائرية التي تبقى في حاجة إلى جبهة داخلية متينة وقوية يُغذيها المزيد من التجنيد والوعي من الطبقة السياسية".

وعبّر عن "أمل حزبه في أن تكون هذه الندوة انطلاقة لمسار تعبوي حقيقي تنخرط فيه كل القوى السياسية والمجتمعية للبلاد، لاسيما وأن هذا الأمر يتطلب منا العمل على مُقاربة جديدة تهدف إلى احتضان هذه المبادرة لأكبر عدد ممكن من الجزائريين والجزائريات". وشدد مصطفى على أن "ما عاشته بعض الدول كسوريا والنيجر يدعونا إلى اليقظة والتجنيد لبناء حزام وطني صلب للالتفاف حول مكتسبات الدولة، والوقوف إلى جانب الدبلوماسية الوطنية والجيش الوطني الشعبي".

من جهته أكد الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني أبوالفضل بعجي على أن “الجزائر هي البلد الوحيد في المنطقة التي تملك قرارها السياسي، وهذا يعتبر تحديا كبيرا يتطلب منا جميعا التلاحم لأجل حماية الوطن".

وأضاف بعجي "مبادئ الجزائر اليوم والوقوف مع الشعوب المضطهدة جعلها تقع تحت التهديدات، خاصة وأن الجزائر لها تأثير إقليمي ودولي يتطلب منا الدفاع عن مؤسسات الدولة وأولها رئاسة الجمهورية والجيش". وتابع "دورنا اليوم يبدأ من خلال هذا اللقاء الكبير، وما هي إلا انطلاقة ولا يعني أننا نقصي الغائبين ونريد منهم الحضور، لأن الهدف ليس اللقاء في الصالونات الضيقة ولكن يجب النزول إلى الميدان لتوعية المواطنين".

2