مبادرة اتحاد الشغل لإنقاذ تونس أم لاستعادة نفوذ سياسي تآكل

شكوك في نجاح المبادرة في ظل انقسام حولها ومقاطعة منظمة الأعراف.
السبت 2023/01/28
في اللحظات الأخيرة لإنقاذ الاتحاد

تثير المبادرة التي بدأ الاتحاد العام التونسي للشغل إعدادها بمعية ثلاث منظمات، وفي غياب منظمة الأعراف، شكوكا كثيرة في دوافعها، لاسيما وأنها تأتي ما اقتراب انتهاء المرحلة الانتقالية، باستكمال إجراء الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية.

تونس - أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل الجمعة عن بدء الاجتماعات التنسيقية من أجل صياغة مبادرة يقول إن الهدف منها “إنقاذ” البلاد من الانهيار، فيما يشكك كثيرون في دوافعها، محذرين من أن مثل هذه المبادرات الأحادية من شأنها أن تعمق أزمة البلاد.

ويقول متابعون للشأن التونسي إن المبادرة التي أطلق الاتحاد صافرة الإعداد لها، بمعية ثلاث منظمات وطنية وهي الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للمحامين، ومنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، هدفها خلط الأوراق، مع اقتراب نهاية المرحلة الانتقالية.

وجاء الإعلان عن بدء المفاوضات من أجل صياغة المبادرة قبل يومين فقط على إجراء الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، التي تشكل المحطة الأخيرة من المسار الانتقالي، الذي انطلق في الخامس والعشرين من يوليو 2021.

وتكتسي هذه الانتخابات، التي سبق وأعلن اتحاد الشغل عدم الاعتراف بها، أهمية خاصة لكونها تأتي لاستكمال تركيز باقي مؤسسات الدولة ضمن الدستور الجديد الذي طرحه الرئيس قيس سعيّد، وصادق عليه الشعب في استفتاء جرى في الخامس والعشرين من يوليو 2022.

ويرى المتابعون أن الاتحاد، كما باقي الطيف السياسي المعارض في تونس، يخشى من أن ينهي تركيز المؤسسة التشريعية آخر أمل له في التموقع ضمن المنظومة السياسية الجديدة، وبالتالي هو يستميت في التصعيد، وفي التشكيك في شرعية المسار الحالي.

نبيل الرابحي: المبادرة مآلها الفشل ولا يمكن أن تكون جدية
نبيل الرابحي: المبادرة مآلها الفشل ولا يمكن أن تكون جدية

وقال الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي في افتتاح جلسات التحضير للمبادرة "علينا اليوم التوجه نحو خيارات وطنية أمام ما تعيشه البلاد من انهيار لعدة قطاعات كالصحة والتعليم"، مضيفا أن "السيادة الوطنية ليست مجرد شعارات.. كفانا عبثا بهذه البلاد".

وأضاف الطبوبي أن “تونس تمر بمنعطفات خطيرة منذ 12 عاما ومن الضروري اليوم الالتقاء على طاولة الحوار لإيجاد حلول لها”. وتابع “ننظم المبادرة الوطنية للإنقاذ الوطني للتشاور من أجل صياغة برنامج متكامل وعقلاني حول كيفية إنقاذ البلاد".

وبدا واضحا أن الاتحاد من خلال هذه المبادرة يريد تكرار تجربة مبادرة الحوار الوطني، الذي جرى في العام 2013، لإنهاء أزمة سياسية خطيرة شهدتها البلاد آنذاك على إثر سلسلة من الهزات الأمنية، أخطرها اغتيال القياديين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

وقد استفاد الاتحاد حينها من تلك التجربة بفرض نفسه رقما صعبا في المعادلة السياسية في تونس، عبر المشاركة في صياغة التحالفات التي قادت البلاد طيلة تسع سنوات، والمساهمة في تشكيل حكومات وإسقاط أخرى. ويعتقد اتحاد الشغل أن المبادرة الجديدة من شأنها أن تعيد له تلك المكانة، التي تآكلت خلال العامين الأخيرين.

واعتبر المحلل السياسي نبيل الرابحي أن المبادرة التي يعتزم الاتحاد طرحها هي “مبادرة للتموقع، خصوصا بعد أن خسر اتحاد الشغل مكانته السياسية بعد الخامس والعشرين من يوليو 2021، حيث كان لعب دورا مركزيا في السياسة التونسية منذ العام 2013 بمبادرة الحوار الوطني، ويريد العودة اليوم إلى ذلك المربع".

ولفت الرابحي في تصريحات لـ"العرب" إلى أنه "ليس هناك إجماع على هذه المبادرة التي لا تزال في طور الإعداد حتى بين أحزاب المعارضة السياسية، حيث سبق أن قال غازي الشواشي الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي إنها ستفشل، بينما ثمّن راشد الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة الإسلامية تلك المبادرة”، على أمل الانخراط فيها.

وأكّد المحلل السياسي التونسي أن “المبادرة مآلها الفشل ولا يمكن أن تكون جدية لأنها أحادية الأطراف”، لافتا إلى أن “القائمين على هذه المبادرة يريدون طرح أزمة سياسية هي في واقع الأمر غير موجودة، ذلك أن الرئيس قيس سعيّد اتبع خارطة طريق واضحة، والشارع التونسي دعمها".

وشدد المحلل التونسي على أن "الاتحاد خسر الوساطة التي كان يلعبها بين الأحزاب والسلطة، واليوم المعادلة تغيرت تماما". وقال الطبوبي في كلمته إن منظمات المجتمع المدني تسعى لصياغة برنامج متكامل هدفه الرئيسي إنقاذ تونس "دون الاهتمام بتصورات من يحكم أو من يعارض". وأضاف "نسعى لإيجاد الحلول والمخرجات لإنقاذ البلاد من الوضع المزري.. نحن في اللحظات الأخيرة للإنقاذ".

وقاطع اتحاد الصناعة والتجارة الذي يمثل رجال الأعمال في تونس المشاركة في هذه المبادرة، وهو الذي كان ضمن المنظمات التي شاركت في رعاية الحوار الوطني 2013، ويعزو مراقبون قرار منظمة الأعراف إلى أن المبادرة الحالية تهدف في الأصل إلى إنقاذ مكانة اتحاد الشغل، كقوة سياسية توازي قوته النقابية.

◙ اتحاد الصناعة والتجارة يدرك الأبعاد الخطيرة للمبادرة التي ستخلق أزمة شرعيات في تونس

ويشير المراقبون إلى أن اتحاد الصناعة والتجارة يدرك الأبعاد الخطيرة لهذه المبادرة التي ستخلق أزمة شرعيات في تونس، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة، كان يفترض تركيز جميع القوى والجهود لحلها.

ويقول المراقبون إن من غير المنتظر أن تحقق المبادرة أهدافها، خصوصا وأن المسار الانتقالي شارف على نهايته، وقد أكد الرئيس سعيّد مرارا أنه “لا يمكن العودة إلى الوراء”.

وتشهد تونس الأحد دورة ثانية من الانتخابات التشريعية دعي نحو ثمانية ملايين شخص إلى المشاركة فيها. ويتنافس 262 مرشحا، بينهم 34 امرأة، في هذه الجولة الثانية التي تمثل إحدى المراحل الأخيرة في تأسيس نظام رئاسي يعمل الرئيس سعيّد على تثبيته، منذ أن قرّر صيف العام 2021 تجميد أعمال البرلمان وحلّه لاحقا وإقالة رئيس الحكومة السابق.

ونُظّمت الدورة الأولى من الانتخابات النيابية في السابع عشر من ديسمبر الفائت، وسجلت نسبة مشاركة في حدود 11.22 في المئة، وهي أضعف نسبة مشاركة منذ انتفاضة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق الراحل بن علي وفتحت المجال لانتقال ديمقراطي في المنطقة، وكانت تجربة فريدة اصطدمت بالكثير من الاضطرابات.

وقالت الهيئة العليا للانتخابات في تونس في وقت سابق إن نسبة المشاركة لن تؤثر على الاستحقاق وعلى تركيز المؤسسة التشريعية. ونواب البرلمان الـ161 الذين سينتخبون الأحد ليس بإمكانهم دستوريا “منح الثقة للحكومة ولا يمكن أن يوجهوا لائحة لوم ضدها، إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس”، وفق ما قال أستاذ العلوم السياسية حمّادي الرديسي. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن عزل الرئيس أيا تكن الأسباب.

4