مبادرة أممية بثلاثة سيناريوهات تصطدم بحذر المنفي والدبيبة وطموحاتهما

طرابلس - بدأت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تنفيذ المرحلة الأولى من مبادرتها الجديدة، في محاولة لإنهاء سنوات من الانسداد السياسي، عبر تسليم ثلاثة مقترحات رئيسية للأطراف الليبية المتنازعة، تهدف إلى رسم مسار توافقي يفضي إلى إجراء انتخابات وطنية وتوحيد مؤسسات الدولة المنقسمة.
وقامت رئيسة البعثة الأممية حنّا تيتيه، بتسليم نسخ من التصورات الصادرة عن اللجنة الاستشارية التابعة للبعثة، إلى رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، عبدالحميد الدبيبة، خلال لقاءين منفصلين جريا الأحد في العاصمة طرابلس.
ومن المقرر أن تستكمل تيتيه جولتها بزيارة بنغازي خلال اليومين المقبلين، حيث ستلتقي برئيس مجلس النواب عقيلة صالح والقائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر لتسليمهما نسخا مماثلة من المقترحات.
وأبدى رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي تعاملا حذرا مع مقترحات اللجنة الاستشارية، مؤكدا على أهمية "الملكية الوطنية" للمبادرة الأممية واستطلاعه لرأي الشعب حول مخرجات اللجنة.
ويرى مراقبون في هذا التوجه محاولة لتكريس شرعية مرسومه الخاص بتشكيل "المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني"، وهي خطوة يُنظر إليها على أنها تهدف إلى تقويض دور مجلس النواب الحالي وتعزيز نفوذه.
ومن جهته، أظهر الدبيبة تمسكا راسخا بالانتخابات المباشرة كحل للأزمة، معتبرا إياها السبيل الوحيد لإنهاء المراحل الانتقالية ومنح الشعب حقه في اختيار ممثليه. إلا أن إشارته الضمنية إلى "تضرر مصداقية بعض الأجسام السياسية" تحمل انتقادات مبطنة للبرلمان وقائد الجيش الوطني الليبي، مما يعكس استمرار حالة عدم الثقة وتعمق الخلافات بين الأطراف الرئيسية.
وهذا التراشق الضمني يعكس عمق الخلافات وانعدام الثقة بين الأطراف الرئيسية، مما يزيد من تعقيد جهود الوساطة.
وفي ظل هذه التصريحات المتحفظة والمليئة بالخلافات الكامنة، يتضح أن نجاح مبادرة الأمم المتحدة يعتمد بشكل كبير على قدرة حنّا تيتيه، على تذليل هذه العقبات العميقة وبناء أرضية مشتركة لتحقيق توافق حقيقي بين الأطراف الليبية المتنازعة، فمصير هذه المبادرة، بل ومستقبل ليبيا السياسي برمته، يتوقف على نجاحها في تحقيق هذا الهدف الصعب.
وتكشف المقترحات الأممية عن ثلاثة سيناريوهات مختلفة للتعامل مع المعضلات التي عرقلت الانتخابات منذ عام 2021. وفق وكالة أخبار شمال أفريقيا.
ويتمثل الخيار الأول في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بشكل متزامن لكن دون ربط نتائج أحدهما بالآخر، أما المقترح الثاني فيقترح بدء الانتخابات بمجلس نواب جديد تكون مهمته التمهيد لإجراء انتخابات رئاسية لاحقة، بينما يطرح المقترح الثالث حلا جذريا من خلال حل كافة الأجسام السياسية الحالية واستبدالها بمجلس تأسيسي يتولى صياغة قاعدة دستورية جديدة وتشكيل حكومة انتقالية للإشراف على العملية الانتخابية.
وحافظت المقترحات على مقاربة تقليدية بشأن ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، حيث اشترطت تقديم استقالات نهائية للعسكريين وتنازل مزدوجي الجنسية عن جنسياتهم الأخرى قبل الترشح.
وعلى الرغم من تركيز المقترحات على المسارين الدستوري والانتخابي، إلا أنها لم تتناول بالتفصيل ملفات أمنية وعسكرية حيوية مثل مستقبل الجماعات المسلحة وتوزيع الدوائر الانتخابية، كما تجنبت الخوض في آلية تشكيل حكومة موحدة، وهي المسألة التي ظهرت مؤخرا كواحدة من أبرز المعضلات، خاصة في ظل وجود حكومتين متنافستين في طرابلس وبنغازي.
وتعد اللجنة الاستشارية جزءا لا يتجزأ من العملية السياسية الشاملة التي تُيسّرها بعثة الأمم المتحدة، والتي يقودها ويملك زمامها الليبيون، وتهدف إلى حل الأزمة السياسية الراهنة.
وأشارت بعثة الأمم المتحدة في بيان سابق إلى أنها ستقوم في الأيام المقبلة بنشر ملخص تنفيذي للمقترحات على منصاتها الرسمية، تمهيدا لعقد مشاورات مباشرة مع طيف واسع من القوى السياسية والمجتمعية الليبية، بما يتيح إعداد خريطة طريق متفق عليها تؤسس لإجراء الانتخابات الوطنية وتوحيد المؤسسات العامة.
وتتألف اللجنة من 20 شخصية ليبية مرموقة، اختيرت لما تملكه من خبرة في مجالات القانون والدستور والانتخابات، تم تشكيلها في الرابع من فبراير 2025، بموجب الفقرتين 2 و5 من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2755 (2024)، في إطار دعم الجهود الأممية لإيجاد أرضية توافقية تنهي حالة الجمود السياسي.
وكانت تيتيه، قالت إن الجميع يريد الانتخابات، لكن الآراء تختلف في المنطقة الغربية بين من يطالب بالاستفتاء على مشروع الدستور أولا وتوحيد المؤسسات، وبين من يرى غير ذلك، بينما في الشرق يطالبون بحكومة جديدة تتولى إعداد البلاد للانتخابات.
وأفادت تيتيه بأن جميع المؤسسات الليبية تجاوزت المدد القانونية لشرعيتها دون استثناء، وعلى رؤساء هذه المؤسسات إدراك ضرورة إجراء الانتخابات، مشيرة إلى أن العمل الذي ستقوم به خلال الفترة المقبلة سيكون مبنيا على مخرجات اللجنة الاستشارية، بهدف الوصول إلى تحقيق أهداف البعثة.
وفي تطور مفاجئ، أعلن المجلس الرئاسي إيقاف العمل بقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر عن البرلمان.
وأشار عضو مجلس النواب إلى لقاء مرتقب بين ممثلة الأمم المتحدة ستيفاني خوري وعقيلة صالح لتقديم مخرجات اللجنة الاستشارية، معتبرا اللجنة جزءًا من البرلمان في جهود "إنقاذ ليبيا". كما لفت إلى وجود موافقة دولية على اتفاق بين مجلسي النواب والدولة لتشكيل حكومة موحدة جديدة.
وعلى مدار ثلاثة أشهر، عقدت اللجنة أكثر من عشرين جلسة عمل في كل من طرابلس وبنغازي، كما أجرت مشاورات شاملة مع لجنة “6+6″، المسؤولة عن إعداد القوانين الانتخابية المعتمدة في عام 2023، وكذلك مع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، لضمان الإحاطة بجميع الجوانب الفنية والسياسية ذات الصلة.
وبحسب رئيسة بعثة الأمم المتحدة، فإن عمل اللجنة الاستشارية، التابعة للبعثة الأممية، "يحتاج إلى دعم من الأطراف الليبية والشركاء الدوليين للمساهمة في تهيئة الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات."
ويرى مراقبون أن هناك أطرافا داخلية تعمل على عرقلة أعمال اللجنة الاستشارية ومن بينها رئيس المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها الراغبان بكل قوة في إبقاء الأوضاع على ما هي عليه وقطع الطريق أمام أي حل سياسي قد يكون على حساب موقعهما في الحكم والامتيازات التي يحظيان بها منذ مارس 2021.
يرى مراقبون أن هناك أطرافا داخلية، بما في ذلك رئيس المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، يعملان بكل قوة على عرقلة أعمال اللجنة الاستشارية لإبقاء الأوضاع على ما هي عليه وقطع الطريق أمام أي حل سياسي قد يكون على حساب موقعهما في الحكم والامتيازات التي يحظيان بها منذ مارس 2021،
ويضيفون أن الموقف من مخرجات اللجنة الاستشارية يمكن أن يحدد مستقبل دور الأمم المتحدة في ليبيا، وهو ما جعل رئيسة البعثة تعمل على توفير أكثر ما يمكن من شروط النجاح وضمان دعم المجتمع الدولي لتطبيق ما توصلت إليه لجنة العشرين.
وتُعد مبادرة الأمم المتحدة ومقترحات اللجنة الاستشارية بارقة أمل جديدة لكسر الجمود السياسي في ليبيا. ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر في مدى استعداد الأطراف الليبية المتنازعة للتوافق وتجاوز مصالحهم الضيقة من أجل تحقيق الاستقرار وإجراء الانتخابات التي يتطلع إليها الشعب الليبي، كما أن موقف القوى الإقليمية والدولية سيكون حاسما في دعم أو تقويض هذه الجهود.