ما يصح قوله عن سفر عباس الفجائي

عباس حمل قراءته المبكرة للنتائج، مع تأويلاته لها، وسافر إلى ألمانيا، للتحذير من مخاطر التشدد والتبعثر السياسي، الذي لا يريده الأوروبيون.
السبت 2021/04/10
الأوروبيين.. الجهة الأولى الضاغطة لإجراء الانتخابات

في وقتٍ مشحون بالكثير من الهواجس والمحاذير السياسية والصحية؛ غادر الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى برلين، وقيل إن للمغادرة سببان: عمل فحوص طبية، واللقاء مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مع تنويه باستخدام فعل التوقع “قد”. وربما يساعد السبب الثاني، الذي لم يكن مع التأكيد، على إضعاف السبب الأول، باعتبار أن محض الفحوصات يمكن أن تُجرى بتقنية عالية في أحد مركزين طبيين من حول الضفة، وهما إسرائيل والأردن.

أما الرغبة في لقاء المستشارة الألمانية، التي هي في موقع المركز من السياسة الأوروبية؛ فإنه يفتح الباب لبعض التكهنات المتعلقة حصراً بالانتخابات في فلسطين. فمن المعلوم أن الأوروبيين هم الجهة الأولى الضاغطة، لإجراء الانتخابات، لكي لا يبقى النظام الفلسطيني بلا مؤسسات. في الوقت نفسه يزداد قلق رئيس السلطة حيال النتائج التي ستُسفر عنها الصناديق، وأقلها إزعاجاً، هو تعدد القوائم الفتحاوية بالشكل الذي حدث، ويعزز فرضية توزيع المقاعد، مع التوقعات بأن يحصد طالبو التغيير، مجتمعين، وبمختلف توجهاتهم، على أغلبية عددية، يصعب معها احتفاظ عباس ومجموعته المحدودة بالسلطة وإحراز تفويض للطرفين المتخاصمين، بعد أن عجزا عن التوصل إلى توافق فعلي على الأرض. فقد كان مجرد وجود فكرة اتكاء كل طرف على الآخر، وتشكيل قائمة موحدة رغم التناقضات، يؤشر إلى تطلع سلطتي الضفة وغزة إلى البقاء في مواقعهما بالشكل الذي يُشرعن الانقسام، ويؤسس لمرحلة ما بعد الفصائل.

وبناء على ذلك، فإن المصاعب التي يتوقعها رئيس السلطة، كثيرة ومتنوعة وتتوزع على مراحل زمنية، تتخللها كوابيس مطردة، لاسيما وأن النتائج الانتخابية، في حال فرضت نفسها، سيكون إصدار رئيس السلطة مرسوم قرار لحل المجلس التشريعي المنتخب، مستفزاً للجهات الضاغطة، وفاقعاً في تجاوزه لكل القوانين، ويستحيل تعليله، وكاشفاً لحقيقة موقف حركتي فتح وحماس، حيال الحقوق الدستورية للمواطنين وللقوى الاجتماعية والقوائم التي تشكلت وظهر من خلالها انفلات المرشحين عن فصائلهم.

كان الرئيس عباس قد رفض بشدة مطلب حماس تزامن الانتخابات التشريعية والرئاسية، وأصر على التتابع. والهدف من ذلك  هو الاحتفاط ـ ولو لفترة وجيزة ـ  بقدرته على إصدار كرئيس مراسيم بقرارات، بات إصدارها عُرفاً على الرغم من عدم دستوريتها.

سيكون إصدار محمود عباس مرسوما لحل المجلس التشريعي المنتخب، مستفزاً للجهات الضاغطة، وفاقعاً في تجاوزه لكل القوانين، ويستحيل تعليله

وبالطبع، سيكون المرسوم بحل المجلس التشريعي المنتخب، هو جواب رئيس السلطة وانقلابه على النتائج. ولن تتأخر حماس عن المساعدة في هذا الاتجاه. لكن مثل هذا المنحى الذي أوصل حال الكيانية السياسية الفلسطينية إلى التجويف المؤسساتي؛ لن يكون سهلاً على الرجل الممسك بكل الصلاحيات التي لم تمنحها له الوثيقة الدستورية (النظام الأساسي).

لذا يصح الافتراض، بأنه عباس حمل قراءته المبكرة للنتائج، مع تأويلاته لها، وسافر إلى ألمانيا، للتحذير من مخاطر قد يركز في وصفها على عنصر التشدد والتبعثر السياسي، الذي لا يريده الأوروبيون، ويبالغ في هذا الوصف، لتسويغ قراره حل المجلس. معنى ذلك أن خيار الرجل، هو احتمال إلغاء الانتخابات قبل إجرائها. وهذا الذي جعل شعار “لا انتخابات دون القدس” يتصاعد على الألسنة في لبوس الحرص على القدس الشرقية، وكأن هذه القدس كمدينة محتلة، بحجارتها وعمايرها وأماكنها المقدسة، هي التي سوف تنتخب وليس سكانها، بآرائهم ونتاج تجربتهم مع سلطة الحكم الذاتي.

عندما تصاعدت في الداخل الفلسطيني، مقولة رفض الانتخابات دون القدس، أدرك المواطنون أن في الأمر خديعة، لأن القائلين بهذا الشرط  يتجاهلون المعطيات على الأرض، ثم لم يسبق هذا الشرط أي تنويه في الإعلان عن مواعيد الانتخابات، إلا أن مشاركة المقدسيين في المدينة لحقوقهم الدستورية، مشروطة بمكان الإدلاء بأصواتهم في قلب المدينة، علماً بأن الصوت الانتخابي، يمكن الإدلاء به حتى في البحر أو في المهاجر البعيدة.

فالقاصي والداني، يعرفان أن الاحتلال يتحدث عن سيادة إسرائيل على المدينة، وأنه يتصرف حريصاً على تأكيد هذه السيادة وعدم إضعافها بتدابير رمزية تخالفها، وبالتالي سيكون قادراً على إحباط عملية التصويت عندما يكون الإحباط ملائماً لحساباته. معنى ذلك، أن الطرف الفلسطيني عندما يكون معنياً بالانتخابات، يتوجب عليه تكريس آلية لتصويت المقدسيين، من خلال خطة تتسم بالتحدي أي بالحرص على التواصل مع المجتمع الفلسطيني في القدس، بمشاركة الفصائل ومنظمات المجتمع المدني. وفي الحقيقة بدل أن يكون هاجس القدس في المقدمة، تخطيطاً وعملاً بالنسبة لكل التنظيمات السياسية المنتشرة في كل الأماكن؛ تُركت المسألة من قبل سلطتي الأمر الواقع، لكي تصبح شرطاً ضامنا أو معطلاً، في اللحظة التي يرى الممسكون بمقاليد الحكم، إلغاء الانتخابات.

وهذا ـ للأسف ـ ما تزداد الإشارات على حصوله، لاسيما بعد خروج ووجود أربعة أطياف فتحاوية مهمة، تنافس قائمة عباس: مجموعة ناصر القدوة، والتحاق مجموعة مروان البرغوثي بها، والتيار الإصلاحي الفتحاوي المتنامي في الشارع، والطيف الرابع يمثله الغاضبون الفتحاويون من طريقة تشكيل القائمة وفقر تمثيلها لقواعد الحركة، على نحو ما عبرت عنه الاحتجاجات المسموعة والمشهودة. وهذه ـ الأخيرة ـ لن تعالجها تغريدات موالي عباس عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ومن نافل القول على سبيل التفصيل، أن قراءة الفلسطينيين لمدلول تعدد القوائم، هو أن المجتمع غير راضٍ عن السلطتين في الضفة وغزة، لذا جاءت حتى أسماء القوائم، لتدل على حجم الحرمان من العدالة، فلدينا مثلاً: فلسطين للجميع، التغيير الديمقراطي، كرامتي الشبابية المستقلة، الوفاء والبناء، طفح الكيل، تجمع الكل الفلسطيني، وطن للمستقلين، عدالة، كفاءة، فجر جديد، نبض الشعب، نهضة وطن، الحرية والكرامة..الخ!

الرئيس عباس في تعليله الضعيف للسفر إلى ألمانيا؛ يعزز الشكوك في احتمال إجراء الانتخابات. وعلى مستوى التكتيك، تُترك سياقات التحضير على حالها لتعطي الانطباع بأن الانتخابات آتية لا محالة، وإن ألغيت فجأة، فإن إلغاءها، بمرسوم قرار، سيكون بسبب “الشديد القوي” أي الخوف على مكانة القدس الشرقية ومصيرها، علماً بأن تصويت المقدسيين في أي مكان، ليس له معنى سوى تمسك مواطني المدينة بعروبتهم وبموالاة سكانها لمشروع الاستقلال الوطني وبهدف جلاء الاحتلال عن زهرة المدائن.

6