ما لم يتعلمه الرسام

كل رسام حقيقي يدرك أن الحرفة يمكن تعلمها، لكن الحرفة وحدها لا يمكن أن تصنع رساما. السؤال الذي واجهه الكثيرون إنما يتعلق بمعنى أن يكون المرء رساما في مرحلة ما بعد الرسامين الكبار الذين لم يبقوا شيئا إلاّ ورسموه بكفاءة عالية.
ففي الرسوم الشخصية “بورتريه” ليس هناك ما يضاف على ما فعله الهولندي رامبرنت. غير أن فنسنت فان غوخ فعلها ورسم صوره الشخصية بطريقة جديدة من غير أن يتأثّر بسلفه.
وفي رسوم الطبيعة وصل الانطباعيون الفرنسيون، مونيه ورينوار ومانيه بالمشاهد الطبيعية إلى ذروة تألقها وأقصى درجات شفافيتها، غير أن ديفيد هوكني استطاع بعد حوالي قرن ونصف القرن أن يعود إلى الطبيعة بطريقة مختلفة تكشف عن تطوّر سبل النظر.
كان من الممكن لو أن البشرية خضعت لشروط الحرفة أن تكتفي برسوم عصر الباروك. ما من رسوم في إمكانها أن تجسد الإتقان الحرفي أكثر من تلك الرسوم. لكن الرسامين شعروا في أوقات مختلفة بالحاجة إلى أن يتخلوا عن الحرفة ليرسموا كما الأطفال. كان الفرنسي بول غوغان يفكّر في العودة إلى حصان الطفولة الهزاز. هناك في تاهيتي كان يفكّر في أن ما تعلمه من الحرفة لا يكفي للتعبير عن بساطة العيش. فهو لم يتعلم سوى أن يصنع لوحات مستلهما القوانين المكرّسة في الأعمال التي رآها في المتاحف.
وإذا ما كانت حياته البدائية قد علمته أشياء كثيرة هي أكثر صلة بالروح ممّا تعلمه في باريس، فإن تلك الروح كانت في حاجة إلى أن تعبّر عن حريتها بنضارة مستلهمة بشكل مباشر من الحياة.
ذلك ما التقطه رسامون وعدوا أنفسهم بالرسم كالأطفال. تبدو الفكرة ساذجة غير أنها صعبة المنال. فليس المطلوب هنا تقليد الأطفال في رسومهم، ولكن المطلوب استلهام روح الطفل في براءة نظرته إلى العالم.
في سنين قليلة يمكن للموهوب أن يتعلّم أسرار الحرفة التي سيقضي العمر كله من أجل أن يتخلّص من قيودها. لقد تغيّر الرسم لأن الرسامين صاروا يبحثون عمّا لم تعلّمه المدرسة من سبل النظر.