ما جدوى مدينة إعلامية جزائرية لقطاع يتخبط في الفوضى

الاختراق الإعلامي يهيمن على تفكير السلطة ويمنع الانفتاح.
الخميس 2023/03/02
قطاع عالق

طرحت التساؤلات عن جدوى إنشاء مدينة إعلامية جزائرية، خصوصا مع وجود قضايا إشكالية عالقة في هذا القطاع على رأسها ضعف الأداء وغياب الثقة الجماهيرية وتأخر صدور التشريعات المنظمة له.

الجزائر - أعلنت الحكومة الجزائرية عن إطلاق مشروع لإنجاز مدينة إعلامية بالعاصمة تضم القنوات التلفزيونية والإذاعية الحكومية والخاصة، وسط تساؤلات عن منطق تحديد الأولويات في قطاع لا يزال يتخبط في الفوضى منذ العام 2011.

ولا يزال القانون السمعي البصري عالقا لدى البرلمان في انتظار مناقشته، بينما يزداد نفور الجمهور من إعلامه بسبب افتقاده للمصداقية والموضوعية.

وأعلن المجلس الحكومي الأخير عن إنشاء مشروع لمدينة إعلامية بمسمى “دزاير ميديا سيتي”، يضم البنى التحتية والمرافق الخاصة بالقنوات التلفزيونية والإذاعية المحلية، ومنصات التواصل الاجتماعي، وذلك بهدف توفير بيئة مهنية وفنية للنشاط السمعي البصري والإلكتروني، يتماشى مع ما بلغته الدول المتطورة في هذا المجال.

ولم يقدم بيان الحكومة أي تفاصيل أخرى عن المشروع على غرار المكان ولا فترة الإنجاز وموعد دخول الخدمة، الأمر الذي لم يبعده عن تقاليدها الخاصة في الإعلان عن مختلف المشروعات، وهو ما انتقده مؤخرا الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عبر الوكالة الرسمية من خلال ما أسمته بـ”التقاعس”، و”الأرقام التقريبية”، و”المواعيد المجهولة”.

المنظومة الإعلامية الجزائرية تكتفي بأداء دور المروج لخطاب السلطة ولم تستطع صناعة وتوجيه الرأي العام المحلي

وجاء القرار في مناخ سياسي وإعلامي يخيم عليه الخط الأحادي للسلطة والتضييق على الحريات السياسية والإعلامية، حيث يتواجد حاليا العديد من الصحافيين رهن السجن، كما تعرض آخرون للسجن منذ قدوم السلطة الجديدة في مطلع العام 2020 لأسباب مختلفة.

وظل النشاط السمعي البصري في الجزائر رهين احتكار السلطة رغم انتهاج نظام تعددي منذ العام 1989، واستمر الوضع على ذلك النحو إلى غاية العام 2011، عندما سمحت السلطة للخواص بالاستثمار في القطاع تحت تأثير موجة الربيع العربي التي أطاحت حينها بأنظمة سياسية عربية عريقة، وأراد آنذاك الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة إطلاق حزمة إصلاحات سياسية لسد المنافذ أمام موجة الثورات.

وفيما تفكر السلطة في بناء منشأة أسوة ببعض العواصم الغربية والعربية، بتركيز المرافق الأساسية والإمكانيات المادية واللوجيستية، وإبراز القطاع في صورة مشرفة، تبقى الخطوة محل تساؤل حول كيفية تحديد الأولويات في القطاع الذي لا يزال يتخبط في الفوضى منذ أكثر من عقد من الزمن.

وبين قنوات أطلقت وأخرى اختفت تنشط في المشهد الفضائي الجزائري نحو 40 قناة تلفزيونية، لم تضبط وضعيتها إلى حد الآن، فهي موطنة في المدن والعواصم الغربية والعربية، وتعتبر مؤسسات إعلامية أجنبية بموجب التشريعات الناظمة، بينما المحتوى والتركيز والكادر البشري فهو جزائري، وهو وضع متناقض يكرس أزمة القطاع منذ العام 2011.

وتصدر في الجزائر نحو 200 صحيفة ورقية فضلا عن العشرات من المواقع الإلكترونية إضافة إلى أربعين قناة تلفزيونية، لكن كل ذلك الزخم لم يستطع صناعة وتوجيه الرأي العام المحلي الذي لا يزال مرتبطا بالإعلام الأجنبي الغربي والعربي، بسبب افتقاد الإعلام المحلي للموضوعية والمصداقية، فهو يكتفي بأداء دور المروّج لخطاب السلطة، بينما يغيب عنه صوت الشارع والرأي المخالف، نظرا لهيمنة السلطة على القرار الإعلامي وتحكمها في مصادر التمويل لاسيما الإعلان الحكومي.

رقابة ناعمة تستهدف الأصوات المنتقدة
رقابة ناعمة تستهدف الأصوات المنتقدة

وذكر بيان الحكومة أن هذا المشروع الكبير يهدف إلى ترقية القطاع السمعي البصري في الجزائر من خلال إنجاز منشأة شاملة ومتكاملة تضم أهم الفاعلين والأنشطة الإعلامية، المتمثلة تحديدا في أستوديوهات القنوات التلفزيونية والإذاعية العمومية والخاصة، والنقل الآني الذي يضمن البث عبر أحدث المنصات التكنولوجية مع مركز بيانات كبير يقوم على أساس الذكاء الاصطناعي، فضلا عن منطقة حرة لاحتضان منصات المتعاملين الدوليين للشبكات الاجتماعية التي ستستعمل هذا الجسر، لإيصال محتوياتها إلى أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا .

لكن النشاط السمعي البصري لا يزال يتخبط في الفوضى وفي أزماته المستشرية، فهو يفتقد إلى حد الآن لصناعة حقيقية، نظرا لنفور الرأي العام من الاستثمار فيه بسبب التشريعات التي مازالت تترجم توجس السلطة مما تصفه بـ”المال السياسي”، بينما تقتصر المشروعات القائمة على محاولات معزولة لبعض المنتسبين للقطاع، الأمر الذي يطرح جدوى إطلاق مدينة إعلامية لإعلام غير موجود أصلا بالمواصفات العالمية والذي يحتاج إلى هذا النوع من المرافق.

ولا يزال قانون الإعلام الجديد والقانون السمعي البصري عالقا لدى البرلمان وسط مخاوف من تشديد المزيد من الرقابة والتضييق على الاستثمار في القطاع السمعي البصري، وقمع الحريات الإعلامية وخفض الرقابة إلى مستويات دنيا، بسبب ذهنية المؤامرة والخوف من الاختراق الذي يهيمن على تفكير السلطة.

وفيما يشير المشروع إلى القنوات الإذاعية، لا تزال الجزائر من الدول الضعيفة جدا في هذا المجال، فباستثناء القنوات المملوكة للدولة، فإن الإذاعات الخاصة منعدمة تماما، وحتى المحاولات التي أطلقت على شبكة الإنترنت باءت بالفشل، بينما جرى إغلاق مبنى إذاعة “راديو أم ” الخاصة نهاية العام الماضي بسبب خطها التحريري المعارض للسلطة، وسجن مالكها الإعلامي إحسان القاضي، بتهم تلقي أموال من الخارج وجمع أموال لأغراض النشر المستهدف لأمن واستقرار البلاد.

وتزامن الإعلان عن مشروع المدينة الإعلامية مع تداول مجلس الوزراء لقانون الصناعة السينماتوغرافية، الذي أمر الرئيس تبون بإرجائه إلى وقت لاحق من أجل الإثراء والنقاش وسط الفاعلين، وهو المشروع الذي كان إحدى ركائز البرنامج الانتخابي للرجل، وخصص له وزارة في حكومته الأولى، غير أنه ألغاها بعد ذلك.

مناخ إعلامي يخيم عليه الخط الأحادي للسلطة
مناخ إعلامي يخيم عليه الخط الأحادي للسلطة

كما أن النقابات المهنية ليست أفضل حالا من وضع الإعلام، والمفارقة أن الرئيس تبون ليس لديه أي فكرة عنها، فقد دعا في حواره التلفزيوني الأخير “الصحافيين (إلى) إنشاء منظمات نقابية خاصة بهم”، وأكد أن في الجزائر نحو “8500 صحافي، و180 جريدة يومية، و20 قناة تلفزيونية خاصة”.

واستغرب مجلس الصحافيين الجزائريين في بيان صدر الأحد “عدم اطلاع الرئيس بوجود نقابات ناشطة في قطاع الإعلام، وعلى رأسها المجلس الوطني للصحافيين الجزائريين كنقابة مستقلة تملك رؤية وبرنامجا وأفكارا تهدف إلى إخراج الصحافة من أزمتها”.

وأشار المجلس إلى أن “هناك نقابات مهنية موجودة ومعتمدة في قطاع الإعلام وتنشط على أرض الواقع، لكنها لم تجد الآذان الصاغية من قبل وزارة الاتصال، التي لم تشركنا في النقاش الدائر حول إثراء مختلف قوانين الإعلام”. وطالب المجلس الحكومة بضرورة فتح أبواب الحوار أمام النقابات الموجودة وإشراكها ممثلا للصحافيين.

كذلك، اعتبر البيان أن وضع الصحافة في الجزائر أعقد بكثير، مشيرا إلى أن “الأمر لم يعد يتعلق بمطالب اجتماعية ومهنية فقط، بل يتعداها الأمر إلى مطلب الحفاظ على الصحافة كمهنة غابت عنها المقاييس والمعايير الاحترافية، لذا وجب تكاتف الجهود لحماية مهنة المتاعب من التمييع والاندثار بسبب التسيب واللامبالاة الذي تشهده المهنة مع انتشار صفحات فيسبوك”.

5