ما تفرّقه السياسة في الشرق الأوسط تجمعه الموسيقى في ألمانيا

برلين – عندما أغمضت إيدن كامي عينيها وبدأت في غناء مقاطع قديمة باللغتين العربية والعبرية، عزف اليهودي الإسرائيلي أور روزنفيلد الكونتراباس، جنبا إلى جنب مع عضو الفرقة السورية وسيم مقداد عوده، وأخذوا الجمهور في رحلة موسيقية عبر الشرق الأوسط.
ومع ذلك، فإن الموسيقيين الثلاثة بعيدون عن تلك المنطقة ويعيشون في ألمانيا. ومن المحتمل ألا يكونوا قادرين على الأداء معا في أوطانهم بسبب الأعمال العدائية طويلة الأمد بين حكوماتهم ومجتمعاتهم.
ويقول مقداد، البالغ من العمر 37 عاما، “استغرق الأمر 3500 كيلومتر لنكون قادرين على الالتقاء على الرغم من أن المسافة بين بلدينا قد تقتصر على ساعتين بالسيارة”. وأضاف أن “الحدود في الشرق الأوسط هي للفصل بين الشعوب”.
وجاء مقداد إلى برلين في 2016، وهو لاجئ يقول إنه تعرض إلى التعذيب خلال الحرب الأهلية السورية. وجاءت كامي البالغة من العمر 35 عاما، وهي عربية من الأقلية الدرزية في شمال إسرائيل، إلى العاصمة الألمانية بحثا عن الحرية والطمأنينة.
وجاء روزنفيلد، حفيد الناجين من الهولوكوست، بحثا عن مدينة عالمية يكون العيش فيها ميسور التكلفة حيث لا يكون مضطرا إلى شغل وظيفة ثانية لكسب لقمة العيش كموسيقي. وكان بوريس سلويكوفسكي، عازف الطبل الذي انضم إلى المجموعة مؤخرا، مهاجرا من بولندا.
وأطلقت كامي فرقتها الموسيقية “مشروع كيان” في 2017.
وكانت كلمة كيان، التي تعني الوجود، موضوع موسيقاهم وعملهم الجماعي. ويكتشف أعضاء الفرقة من خلال تأليف الأغاني مدى القواسم المشتركة بينهم ومدى قرب جذور ثقافاتهم ولغاتهم على الرغم من حجم الكراهية التي نشأوا عليها.
ويقول روزنفيلد، البالغ من العمر 32 عاما، “نحن جميعا متشابهون جدا كموسيقيين. لن أصف هذه المجموعة حتى بمصطلح فرقة مختلطة لأن كلمة مختلطة هي مجرد مفهوم إذا وضعت العرق أوّلا. لكننا نضع موسيقانا أولا”.

وصرّحت كامي، التي نشأت وهي تتحدث العربية والعبرية، بأنه كان من الطبيعي أن تستخدم اللغتين في أغانيها. وقالت لوكالة أسوشيتد برس في برلين، حيث كانت الفرقة تقدم عروضها على متن قارب راسٍ على نهر هافل “أنا أحلم باللغتين وأغني وأفكر وأشعر بهما”. وأضافت “أجد أنها طريقة ممتعة للغاية لعيش هوية معقدة وأشعر بسعادة بالغة للتعبير عنها في الفن”.
وبالعودة إلى الشرق الأوسط، لا يزال السوريون يخوضون حربا أهلية، ويتصارع الإسرائيليون والفلسطينيون منذ عقود. وطغت الحروب الماضية على العلاقات بين الدول المجاورة بينما يمكن للفنانين في برلين الاحتفال بما يوحّدهم بدلا من التحسر على انقساماتهم.
وقال مقداد “الفكرة هي أنه يمكننا صنع الثقافة معا، على الرغم من أننا لا نشترك في كل الآراء السياسية. يمكننا البدء في التواصل مع بعضنا بعضا. يمكننا بدء حوار”.
وافتتحت كامي عرض ليلة الأحد الماضي بأغنية باللغة العبرية بعنوان “الحب الأول”، متبوعة بأغنية عربية بعنوان “غشّ”. وكانت العديد من الأغاني التي عزفتها الفرقة من الألحان الإسرائيلية أو العربية المعروفة. وكانت بعض المقاطع الأخرى من تأليف الفرقة.
كلمات الأغاني تعكس مدى القواسم المشتركة بين أعضاء الفرقة ومدى قرب جذور ثقافاتهم ولغاتهم
وقال مقداد “اللغة والأدب والدين والثقافة والموسيقى والطعام والمناخ والجغرافيا.. نأتي بكل هذه الذكريات والصور معنا. ثم نزرعها في الموسيقى لتكون مثل حديقة مليئة بالزهور من الكثير من الألوان”.
واعتمدت الفرقة أغنية “الرقص من أجل لا أحد”، التي ألّفها روزنفيلد، لتكون الرئيسية في ألبومها الأول الذي صدر في أبريل. وكانت كلمات الأغنية الوحيدة باللغة الإنجليزية حزينة ومليئة بالأمل.
وغنت كامي بينما كان مقداد يعزف على العود وروزنفيلد على الكونتراباس “أثناء المشي إلى مكان أتوق إليه، سمعت النهر يتدفق إلى البحر، وشعرت أن الأمواج تعود إليّ… إن أفكاري واضحة ونبضات قلبي بطيئة. ترسم الحجارة الطريق إلى المجهول”.
وقال الموسيقي السويدي الذي يعيش في برلين جوناس بيرندت، والذي جاء لمشاهدة الفرقة، إن “جميعهم موسيقيون رائعون”. ودُعيت الفرقة للعزف خلال الأسبوع الافتتاحي لعبّارة المسرح اليهودي “إم. إس. غولدبيرغ” في برلين.
وكانت فكرة تقديم الفن المتعلق بالثقافة اليهودية من المسرح والموسيقى والأدب على متن قارب نابعة عن مجموعة من الفنانين أطلقوا على أنفسهم اسم “اكتشف أوروبا اليهودية” قبل بضع سنوات. لكن الوباء والتحديات المالية أجّلا افتتاح قارب العرض.
وسيرسو القارب، الذي كان يستخدم في الماضي لشحن الحصى عبر أنهار ألمانيا، في هافل طوال الصيف، ثم ينتقل إلى نهر سبري في منطقة وسط مدينة برلين في الخريف، وستشمل محطّاته مختلف الممرات المائية في ألمانيا.
وشرح الموسيقي ماكس دويلمان، وهو أحد مؤسّسي قارب المسرح اليهودي، مهمة المسرح المتجوّل. وقال إن “الأمر يتعلق بالحوار والتواصل بين الثقافات ومحاربة معاداة السامية والعنصرية. نأمل فقط أن يكون بإمكاننا تمثيل الكثير مما يشكل الوجود اليهودي من جميع جوانبه من خلال برنامجنا المتنوع”.