ما الخطوة التالية للفلسطينيين ونتنياهو والشرق الأوسط بعد هدنة غزة

لندن - بعد إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة ودخول مرحلته الأولى التي تمتد 42 يوما حيز التطبيق، مازال الغموض يحيط بما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة سواء للفلسطينيين أو لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو لمنطقة الشرق الأوسط ككل.
ورغم توقف القتال في القطاع، وبدء دخول المساعدات الإنسانية إليه، مازال على المجتمع الدولي مواصلة الضغط على أطراف الصراع من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للقضية الفلسطينية.
وفي محاولة للإجابة على السؤال الخاص بما هو آت بعد وقف إطلاق النار بالنسبة إلى الفلسطينيين ونتنياهو والمنطقة، نشر موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني آراء ثلاثة من المحللين السياسيين والخبراء في شؤون الشرق الأوسط وهم الدكتور سانام فاكيل المدير في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمعهد والبروفيسور يوسي ميكيلبرج أستاذ العلاقات الدولية والزميل الاستشاري لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأخيرا أمجد عراقي الزميل المشارك لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس.
ويقول سانام فاكيل إنه بعد 16 شهرا من الحرب والموت والدمار في غزة بدأ تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار ذي المراحل الثلاث الذي تم التوصل إليه بوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة. وتتضمن المرحلة الأولى من الاتفاق الذي طال انتظاره إطلاق سراح عدد من المحتجزين الإسرائيليين والفلسطينيين ودخول المساعدات الإنسانية والمساعدات العاجلة إلى القطاع، وهو ما لن يكون كافيا في كل الأحوال.
ومن المهم تأكيد أن الاتفاق هو هدنة هشة وليس وقفا للصراع، لذلك فالحفاظ عليه سيتطلب استمرار المراقبة والمساءلة من جانب الوسطاء أو الأطراف الضامنة.
كما يجب استئناف التفاوض بين الأطراف فورا لضمان تطبيق المرحلتين الثانية والثالثة. ورغم تعهد الأطراف المعنية بمواصلة التفاوض، فإن ذلك سيحتاج ضغوطا مستمرة على جميع الأطراف وخاصة من جانب الولايات المتحدة والرئيس دونالد ترامب.
الدول العربية ستحتاج إلى مواصلة الضغط والحوافز لتحقيق الأهداف الأوسع نطاقا المتمثلة في التطبيع مع إسرائيل وإقامة الدولة الفلسطينية
ورغم أن الاتفاق يشير إلى إعادة الإعمار وحكم قطاع غزة، المثير للقلق أن القضية المتعلقة بالمستقبل السياسي للفلسطينيين لم تحسم بعد. وسوف يكون تحقيق هذا الهدف صعبا للغاية في ظل غياب أي قاعدة أو قيادة إسرائيلية ذات شأن للمضي قدما في أي عملية السلام.
وللاستفادة من اللحظة الراهنة وبناء مصداقيتها يجب إصلاح السلطة الفلسطينية لضمان حكما نزيها وشفافا. كما لا يمكن تجاهل الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة والرغبة في مدها إلى قطاع غزة. وستحتاج الدول العربية إلى مواصلة الضغط والحوافز لتحقيق الأهداف الأوسع نطاقا المتمثلة في التطبيع مع إسرائيل وإقامة الدولة الفلسطينية، وإقناع جميع الأطراف بالعودة إلى الانخراط في تسوية سياسية.
وبعيدا عن غزة، يأمل نتنياهو في أن يتيح وقف إطلاق النار الفرصة للقيام بالمزيد من المناورات في المنطقة. فقد خرجت إسرائيل من الحرب متفوقة على كل حركة حماس وحزب الله اللبناني مع سقوط نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد وخروج القوات الإيرانية من سوريا.
ويختتم سانام فاكيل رؤيته بالقول إنه في ظل هذه الصراعات المتداخلة وعدم اليقين المستمر، يجب استمرار جهود الوساطة والتحركات الدبلوماسية من أجل تحقيق الاستقرار والأمن لإسرائيل والفلسطينيين والمنطقة ككل.
أما البروفيسور يوسي ميكيلبرج فيقول إن وقف إطلاق النار الذي أعلنته قطر في الأسبوع الماضي، كان الخبر الذي انتظره الكثيرون من الإسرائيليين والفلسطينيين بشغف. فهذه الهدنة ستنهي شهورا من المعاناة، مع إطلاق سراح 33 محتجزا إسرائيليا وآلاف السجناء الفلسطينيين.
لكن هذه مجرد خطوة أولى، ولا يوجد ما يضمن عدم استئناف العدوان في غزة بعد انتهاء هذه المرحلة وربما قبلها. كما تظل الضفة الغربية نقطة ساخنة.
ورغم ذلك هناك احتمال واقعي بأن يؤدي هذا الاتفاق إلى خلق زخم بناء من شأنه أن يؤدي بنجاح إلى المرحلة الثانية من إنهاء الحرب في غزة، وإعادة الرهائن المتبقين والإفراج عن المزيد من السجناء الفلسطينيين. ومن الممكن أيضا أن يخلق أفقا جديدا لإعادة بناء مجتمع غزة وسياساتها كجزء من النظام السياسي الفلسطيني الأوسع نطاقا ــ وهو ما لا يقل أهمية عن إعادة الإعمار على المستوى المادي.
هذه التطورات من المحتمل أن تؤدي إلى التعجيل بإبعاد نتنياهو عن منصب رئيس الوزراء والسياسة بالكامل، ولكن هذا لن يحدث بين عشية وضحاها
ويقول ميكيلبرج إن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه مؤخرا هو نفسه الذي كان مطروحا على مائدة المفاوضات في مايو الماضي، فلماذا تم قبوله الآن؟ تشير التطورات الأخيرة إلى أن ترامب كان عاملا حيويا في الوصول إلى الاتفاق.
وتشير المشاركة النشطة لترامب، بما في ذلك إرسال ستيف ويتكوف مبعوثه الخاص للشرق الأوسط إلى المنطقة حتى قبل تنصيبه، إلى التزام الإدارة الجديدة بمنع استئناف العنف بين العدوين اللدودين.
كما تتمثل أجندة ترامب في رؤية دول أخرى تنضم إلى اتفاقيات السلام الإبراهمي التي وقعتها الإمارات والبحرين والمغرب مع إسرائيل في ولايته الأول، وفي مقدمة الدول المستهدف انضمامها إلى الاتفاقيات المملكة العربية السعودية. وهذا يتطلب من إسرائيل تقديم تنازلات ذات مغزى بشأن مطالب الفلسطينيين وفي مقدمتها قيام دولة فلسطينية مستقلة.
ومن الواضح أن خوف نتنياهو من الرئيس الأميركي الجديد يفوق خوفه من انسحاب وزيريه إيتمار بن غفير وبتسئيل سموتريتش وحزبيهما المتطرفين من الحكومة الائتلافية، وهو ما يمكن أن يعتبر نتيجة إيجابية.
لقد صدق أنصار نتنياهو مغالطته القائلة بأنه لا يمكن وقف إطلاق النار إلا بعد تحقيق النصر الكامل وأن الضغط العسكري وحده هو القادر على إعادة الرهائن إلى ديارهم. والآن أصبح عليه إقناعهم وشركائه في الائتلاف، بمواصلة دعمه. رغم قبوله لوقف إطلاق النار دون تحقيق "النصر الكامل".
وقد يؤدي تراجعه، الذي رحبت به أغلبية الإسرائيليين، إلى زعزعة استقرار حكومته، والتعجيل بإجراء تحقيق مستقل في كارثة هجوم 7 أكتوبر 2023، والطريقة التي جرت بها الحرب منذ ذلك الحين. ومن المحتمل أن تؤدي هذه التطورات إلى التعجيل بإبعاد نتنياهو عن منصب رئيس الوزراء والسياسة بالكامل، ولكن هذا لن يحدث بين عشية وضحاها.
وفي رؤيته المنشورة على موقع تشاتام هاوس يقول أمجد عراقي رئيس تحرير موقع "مجلة + 972" إن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بمثابة استراحة ومأساة وتحذير في وقت واحد. فبعد 15 شهرا من الحرب التي فاقت كل تصور، أصبح الفلسطينيون في غزة في حاجة ماسة إلى وقف الهجمات الإسرائيلية المتواصلة.
وتنتظر الأسر الجائعة والجرحى الفلسطينيون تدفق المساعدات الإنسانية الموعودة، في حين يأمل العديد من النازحين العودة إلى منازلهم وإعادة بنائها، في حين ستتمكن أسر بعض الرهائن الإسرائيليين أيضا أخيرا من استعادة أحبائها وإنهاء معاناتها.
دعم المحادثات الموازية بين فتح وحماس في القاهرة لتشكيل لجنة تكنوقراط لحكم قطاع غزة وإعادة تنظيم القيادة السياسية الفلسطينية
ومن المؤسف أن الاتفاق الأخير ظل مطروحا منذ وقت طويل للموافقة عليه، وذلك بسبب رفض الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن ممارسة ضغوط كافية على رئيس الوزراء الإسرائيلي. فخلال الشهور الماضية قتل آلاف الفلسطينيين ودمرت مساحات شاسعة من غزة لأن نتنياهو ظل يراوغ ويرفض الاتفاق الذي قدمته إدارة بايدن ووافقت عليه حماس في مايو الماضي.
ورغم قبول الاتفاق ودخوله حيز التطبيق، فإن شروطه تثير قلق الفلسطينيين. ففي حين تتناول المرحلة الأولى بالتفصيل تبادل الأسرى، فإن الأمور الأكبر في الاتفاق مثل توزيع المساعدات، والأمن المؤقت والحكم، وإنهاء الأعمال العدائية بشكل دائم لم تتحدد، أو تم تأجيلها إلى محادثات لاحقة.
ويخشى كثيرون أن تستأنف إسرائيل القصف أو تعيد احتلال أجزاء من غزة بشكل مباشر بمجرد إطلاق سراح بعض الرهائن. ويدعو العديد من المسؤولين الإسرائيليين إلى تحقيق هذا على وجه التحديد، بحجة أن أهدافهم في غزة ــ سواء تدمير حماس، أو تحرير جميع الرهائن، أو القضاء على التهديدات المسلحة، أو إعادة بناء المستوطنات في غزة لم تتحقق.
وهذا الشعور الإسرائيلي بعدم اكتمال المهمة وعدم تكافؤ القوة هو ما يجعل الفلسطينيين، بما في ذلك حماس، يستعدون لمواجهة مزيد من الهجمات الإسرائيلية القادمة. وعلى الرغم من الضربات الشديدة التي تلقتها قيادتها وقدراتها المسلحة، تظل حماس نشطة سياسيا وعسكريا. كما كانت متسقة إلى حد كبير في دعم معايير وقف إطلاق النار.
وفي الوقت نفسه فإنه مع تحولات الجغرافيا السياسية الإقليمية في أعقاب تآكل "محور المقاومة" وعودة ترامب إلى البيت الأبيض، تدرك حماس أن عدد الأطراف القادرة أو الراغبة في فرض وقف إطلاق النار الدائم الذي طالبت به محدود، لذلك فهي تستعد لاحتمال استمرار حرب العصابات، رغم أملها في استمرار وقف إطلاق النار.
لذلك، فإن دور المجتمع الدولي حيوي لإلزام الأطراف المتحاربة بالمحافظة على وقف إطلاق النار، وبخاصة لردع الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل من تصور أنها يمكن أن تحقق أي مكاسب من كسر وقف إطلاق النار.
كما أنه من المهم دعم المحادثات الموازية بين حركتي فتح وحماس في القاهرة لتشكيل لجنة تكنوقراط لحكم قطاع غزة وإعادة تنظيم القيادة السياسية الفلسطينية. فكلا مساري التفاوض الفلسطيني-الإسرائيلي والفلسطيني-الفلسطيني حيوي لإخراج قطاع غزة وكل الفلسطينيين والإسرائيليين من خراب هذه الحرب.