ما آفاق نجاح تطوير اللقاحات لهزيمة السلالات المتحورة من كورونا

باريس- رغم موجة الأمل والتفاؤل الكبيرة التي أشاعتها الأنباء السارة بشأن التوصل إلى لقاحات فعّالة ضد كوفيد – 19، العام الماضي، فإن حكومات العالم تبدو عاجزة اليوم عن التصدي للوباء وعلى إكساب الناس مناعة جماعية مما جعل حتى أكثر اللقاحات فاعلية دون فائدة بسبب السلالات المتحورة.
ويبدو التحدي الأكبر أمام الدول وشركات تصنيع الأدوية هو تكييف اللقاحات مع النسخ المتحورة من كورونا والتصدي بأكبر قدر ممكن للعدوى عبر حملات التطعيم التي يبدو أنها ستطول خاصة في ظل صعوبة التعامل مع هذه الأزمة الصحية.
إذا أصبحت هذه اللقاحات الجديدة واقعا، فسيتم استخدامها على الأقل في أوروبا والولايات المتحدة، على الأشخاص الذين تلقوا اللقاحات الحالية
وتدفع التساؤلات حول ما إذا كانت أنواع اللقاحات المضادة لكوفيد – 19 التي تم إنتاجها حتى الآن محكوم عليها بأن تفقد فعاليتها بسرعة في مواجهة النسخ المتحورة لفايروس كورونا بعض الشركات الناشئة من أجل تطوير لقاحات قد تكون فعالة لسنوات وربما أكثر من ذلك بكثير، على الرغم من أن آفاق تحقيق ذلك لا تزال غير واضحة.
وحتى اللحظة لم يحدث الاختلاف في اللقاحات فارقا في القضاء نهائيا على كورونا، ومع ظهور سلالات متحورة سريعة الانتشار أصبح العالم أمام تحد أكبر يتعلق بمواجهة الفايروس ومحاصرته حتى لا يمكنه الانتقال من شخص إلى آخر.
والشهر الماضي، أظهرت دراسة نشرتها دورية لانسيت للأمراض المعدية أن سلالة متحورة شديدة العدوى من فايروس كورونا واكتُشفت لأول مرة في بريطانيا لا تتسبب في أعراض أشد حدة لدى المرضى الذين يُعالجون في المستشفيات، لكن السلالات التي ظهرت في جنوب أفريقيا تبدو أخطر. كما أن السلالات التي ظهرت في الهند تبدو أخطر بكثير.
وفي محاولة من قبل العديد من الشركات المصنعة للقاحات، قال أليكسيس بيروليس مدير أو.أس.إي ايمونوتيرابيوتيكس معلقا على مشروع لتطوير لقاح بدأت هذه الشركة الفرنسية الناشئة أولى التجارب السريرية عليه “قد يؤمن اللقاح حماية لسنوات”.
والوعد الذي أطلقه بيروليس هو بلقاح يقاوم ظهور النسخ المتحورة الجديدة، والتي تختلف عن تلك التي تم تطوير أول اللقاحات ضدها. وهذه واحدة من النقاط المجهولة حاليا للوباء، ومن هنا يناقش المختصون مسألة إلى أي مدى ستظل اللقاحات التي يتم استخدامها حاليًا كلقاحات فايزر الأميركية فعالة عندما تتكاثر هذه النسخ المتحورة؟

جوليان تانغ: تطويع التكنولوجيا لتطوير اللقاحات يعد سيفا ذا حدين
ومن الواضح أن اللقاحات التي تم إنتاجها حتى الآن لا تزال فعالة، لكن رئيس شركة فايزر نفسه ألبرت بورلا اعتبر مؤخرًا أنه من المحتمل أن يضطر إلى تجديد جرعة لقاحه سنويا بحيث تكون محدثة.
وأمام هذا التحدي تعتمد شركات التكنولوجيا الحيوية مسارا مختلفا عن اللقاحات الحالية، فهي تسعى إلى تحفيز أولا الخلايا اللمفاوية التائية، وهي جزء من الاستجابة المناعية التي تركز على رصد الخلايا المصابة بالفايروس والقضاء عليها وليس على الفايروس نفسه.
ومن ناحية أخرى، تهدف اللقاحات المستخدمة أولا إلى إنتاج أجسام مضادة تتعرف على الفايروس وتدمره مباشرةً قبل أن يصيب خلية. وهذا لا يعني أن هذه اللقاحات لا تحفز أي استجابة للخلايا التائية – البيانات الأولى مشجعة إلى حد ما – لكنها ليست العنصر الأولوي للعلاج.
ومع ذلك، فإن الخلايا اللمفاوية التائية لها نظريًا العديد من المزايا مقارنة بالأجسام المضادة، حيث يمكنها البقاء على قيد الحياة لفترة أطول في الجسم والاستجابة لمكونات الفايروس التي يقل احتمال تحورها كثيرًا عن تلك التي تم اكتشافها بواسطة الأجسام المضادة.
وفي فرنسا، تتبعه أو.أس.إي ايمونوتيرابيوتيكس وشركة أوسيفاكس المنافسة لها في مدينة ليون ويعد استخدامه بلقاح “عالمي”، ويعكس مسار “استجابة تاء” أنه جاهز للاستجابة لأي متحور محتمل. وقد حصلت الشركتان على تمويل من الحكومة الفرنسية بملايين اليوروهات، في حين تأخرت باريس في تطوير لقاح مضاد لفايروس كورونا.
وهذه المشاريع نادرة بسبب قلة المختبرات التي تؤمن بلقاح عالمي. ومن بين ما يقارب 400 مشروع لتطوير لقاح ضد كوفيد – 19 أحصتها منظمة الصحة العالمية، القليل منها يعتمد هذا المبدأ. والأكثر تقدمًا هو مشروع شركة إيميونيتي بايو الأميركي الذي نشر الشهر الماضي نتائج مشجعة إلى حد ما ولكنه لا يزال في مراحله الأولى.
ومع ذلك تبقى فعالية هذه اللقاحات لا تزال غير مؤكدة. ولم تقدم أي من الشركات المعنية وعودًا بتطوير مثل هذا اللقاح قبل العام المقبل ويشك العديد من العلماء في نجاح هذا النهج. ويتساءل البعض عما إذا كان السعي إلى الاستجابة مسبقًا لظهور سلالات جديدة في المستقبل، وهميا.
ويحذر عالم الفيروسات البريطاني جوليان تانغ من أنه “عندما يكون هناك تطعيم جماعي فإن ذلك في ذاته. ضغط قد يؤدي إلى تطور الفايروس للإفلات من اللقاح أيا كان”. ورأى في تطوير مثل هذه اللقاحات “سيفا ذا حدين”.
والسؤال الكبير الآخر هو إلى أي مدى ستقاوم أجسامنا الفايروس إذا قمنا بإعداد استجابته بالخلايا اللمفاوية التائية. ومن هنا يقول عالم الفيروسات الفرنسي إيف غودين إن لديه شكوكا حول فعالية مثل هذا اللقاح.
مع ظهور سلالات متحورة سريعة الانتشار أصبح العالم أمام تحد أكبر يتعلق بمواجهة الفايروس ومحاصرته حتى لا يمكنه الانتقال من شخص إلى آخر
وتعمل الخلايا اللمفاوية والأجسام المضادة معا. ويقول غودين إنه إذا لم تكن الاستجابة بالأجسام المضادة جيدة، فإن الخلايا اللمفاوية التائية “لن تكون ذات فائدة كبيرة”، مشددًا على أن اللقاح المثالي هو اللقاح الفعال على الصعيدين.
ولكن إذا أصبحت هذه اللقاحات الجديدة واقعا، فسيتم استخدامها على الأقل في أوروبا والولايات المتحدة، على الأشخاص الذين تلقوا اللقاحات الحالية. وبالتالي الأجسام المضادة لدى هؤلاء ستكون جاهزة.
وهذه هي الحجة التي استخدمها بيروليس للتأكد من أن لقاحه، بحصوله على نتائج إيجابية، سيبدأ استخدامه قائلا إن “هذا اللقاح سيكمل ويوسع الدفاع المطور بفضل اللقاحات الأولية”. ويؤكد أن مثل هذا اللقاح سيوفر حماية للأفراد الذين يجدون صعوبة لتطوير الأجسام المضادة في شكل طبيعي، على سبيل المثال مرضى السرطان والسكري.