"ماي فلاور" قارب ذكي يمخر عباب الأطلسي لدراسة البيئة

روبوت يحلل لدائن البلاستيك ويتتبع الثدييات ويقيس مستويات سطح البحر.
الاثنين 2021/05/03
مختبر متنقل

في الوقت الذي توقفت فيه كل السفن المعنية بإجراء الاختبارات والبحوث في المحيطات والبحار بسبب تفشي وباء كورونا الذي أوقف كل حركات النقل، يستعد القارب الذكي «ماي فلاور» لمواجهة أمواج المحيط الأطلسي في رحلة بحث تتعلق بجمع البيانات التي تتعلق بالبيئة البحرية وتحليل دون وجود فريق عمل على متنه.

بليموث (المملكة المتحدة) - يطفئ “ماي فلاور 400” محركاته خلال إبحاره في خليج بليموث، في جنوب غرب إنجلترا، ويشغّل جهاز ميكروفون مخصصا للاستماع إلى الحيتان، وكل ذلك من دون أي تدخّل بشري، إذ أنه أول قارب ذكي.

ويستعد هذا القارب ثلاثي الهيكل (تريماران) الصغير الذي يبلغ طوله 15 مترا ووزنه تسعة أطنان والمغطى بالألواح الشمسية لعبور المحيط الأطلسي بمفرده، إذ أنه قادر على اتخاذ قراراته الخاصة والإبحار باستقلالية تامة.

وسيكون في إمكان “ماي فلاور 400” التي تُترجم حرفيا باسم “زهرة مايو” دراسة البيئة من خلال تحليل وجود البلاستيك في الماء، وجمع عينات من اللدائن الدقيقة أو تتبع الثدييات البحرية، وقياس مستويات سطح البحر وجمع بيانات مماثلة على نحو ما تفعل الروبوتات في الفضاء منذ عقود.

وقامت العديد من المنظمات بتقديم تجارب ترغب في أن يقوم بها ماي فلاور أثناء وجوده في البحر. إحداها عبارة عن تجربة لتحليل المياه تقوم من خلال أخذ عينات من كل بضع ساعات وتخزينها في ما يقرب من 100 زجاجة مغطاة ومحفوظة في صندوق على متن السفينة وجاهز للفحص البشري على الأرض.

وقال آندي كلارك كبير مسؤولي التكنولوجيا في شركة “إي.بي.إم” في المملكة المتحدة وأيرلندا، والذي يقود العلوم على متن القارب، “لأننا سنعرف بالضبط أين أخذنا العينة في المحيط، يمكننا القول في هذه المرحلة إن الملوحة كانت هكذا، وكمية تكاثر الطحالب كانت هذه، ودرجة الحموضة كانت هكذا، ومستويات الأكسجين كانت هكذا”.

ويوضح مؤسس جمعية “بروماريه” مهندس المشروع بريت فانوف أن المحيط “أقوى قوة على الكوكب تنظم مناخنا”، لكن أكثر من 80 في المئة من المحيطات لا تزال غير مستكشفة، بسبب اتساعها والمخاطر التي تنطوي عليها.

Thumbnail

أما روزي ليكوريش أخصائية التقنيات الناشئة في شركة “آي.بي.إم”، وهي أحد الشركاء الذين انضموا إلى المشروع منذ ولادته قبل أربع سنوات، فتلاحظ أن “البحر بيئة قاسية، لذا فإن وجود قارب من دون أحد على متنه يسمح للعلماء بتوسيع المنطقة التي يمكنهم مراقبتها ودراستها”.

ويروي فانوف أن “مجموعة متنوعة من مزودي التكنولوجيا والخدمات بدأوا يوفرون المساعدة عندما ظهرت الفكرة، بالإضافة إلى المئات من الأشخاص المشاركين من الهند إلى الولايات المتحدة، مرورا باليابان أو سويسرا”.

ولولا هذا “الجهد العالمي”، لكان المشروع سيكلف عشرات الملايين من الدولارات بدلا من “أقل بقليل من مليون دولار” استثمرتها في نهاية المطاف “بروماريه” التي ستوفر مجانا المعلومات التي تجمعها.

ومن المقرر أن تنطلق الرحلة الكبيرة إلى الولايات المتحدة في الخامس عشر من مايو اعتمادا على حالة الطقس والترخيص غير المؤكد حاليا من السلطات البريطانية.

رحلة ماي فلاور تنطلق إلى الولايات المتحدة في منتصف مايو اعتمادا على حالة الطقس وترخيص التنقل

ويتوقع أن تستغرق رحلة القارب نحو ثلاثة أسابيع للوصول إلى بليموث أخرى، هي تلك الواقعة في ولاية ماساتشوستس الأميركية، مكررا عبور سفينة “ماي فلاور” الأصلية قبل أكثر من 400 سنة، أي عام 1620، عندما غادر مئة “حاج” من الإنجليز المنشقين دينيا عندما كانوا يبحثون عن حياة جديدة في شمال القارة الأميركية.

لكن “لن يشعر أحد بالملل أو التعب أو المرض” خلال هذه الرحلة المرتقبة التي تأخرت بسبب الوباء، على حد قول فانوف في الميناء الإنجليزي، “لذلك يمكننا أن نأخذ كل الوقت الذي نريده لإجراء التجارب العلمية”.

وبجانب فانوف، جلس على أرصفة الميناء ثلاثة من علماء الكمبيوتر يتحكمون بالمعدات من أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، بينما يتولى طالب الهندسة ميروين جينكينغ ريس البالغ 21 عاما فحص المحركات قبل رحلة تمرينية. واستغرق بناء القارب عاما، وهو آلي بالكامل، من الدفة إلى مجموعة مولدات الديزل التي تكمل الطاقة الشمسية.

واستغرق تطوير “القبطان الذكي” على متن الطائرة وقتا أطول حيث كان على الروبوت أن يتعلم كيفية تحديد العوائق البحرية من خلال تحليل الآلاف من الصور.

كذلك تولى المبرمجون تعليم “ماي فلاور 400” التفاعل مع حركة المرور في المحيط في الوقت الفعلي وتجنب الاصطدامات باستخدام مزيج من الرادار والكاميرات ونظام التعرف الآلي الذي ينقل معلومات مثل خط العرض وخط الطول في ماي فلاور إلى قوارب أخرى.

Thumbnail

وبعد تزويده كل هذه المعلومات والمعارف، نفذ القارب رحلة بحرية بهدف “التعلم تحت إشراف”. ويقول مهندس الروبوتات أولي تومسون “يمكن تلقينه ما هي أعماله الصالحة وما هي أفعاله السيئة، وما هو الخطِر وغير الخطِر”.

ويضيف أن المرحلة التالية “هي التي يكون فيها القارب قادرا على تصحيح نفسه”، أي “التفكير” بفضل نظام الكمبيوتر الذي يحاكي الطريقة التي يحلل بها دماغ الإنسان المعلومات.

ويتابع تومسون أن القارب “يواصل التعلم بمفرده” باستخدام “عينيه”، وهو نظام متطور مكون من ست كاميرات، و”أذنيه”، أي راداره.

ومع ذلك، حالت التشريعات المتعلقة بالملاحة من دون وجود أي شخص على متن القارب، دون إتاحة الفرصة لـ”ماي فلاور 400″ حتى الآن لكي يمخر عباب “البحار الهائجة في ظل وجود أمواج عاتية ورياح وأمطار”، أي في ظل “أسوأ سيناريو” وهو عاصفة عنيفة، على ما يقول يروين جينكينغ ريس.

وتدرب القارب الذكي على مواجهة أمواج يبلغ ارتفاعها 50 مترا باستخدام جهاز محاكاة.

وتشير ليكوريش إلى أنه سيستخدم ذكاءه الاصطناعي لإجراء تجارب علمية. على سبيل المثال، “تم تدريبه من خلال آلاف الساعات من التسجيلات الصوتية على رصد الثدييات البحرية والتعرف عليها وتوفير معلومات حول توزّع أنواعها في البحر”.

وعلى الرغم من استقلالية القارب الكاملة، سيواظب الفريق المشرف عليه على مراقبته على مدار الساعة من إنجلترا، وسيكون متأهبا للتدخل مِن بُعد في حال وجود خطر.

Thumbnail
20