مايكروسوفت عملاق تكنولوجي عند منعطف الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي قد يمثل لمايكروسوفت نقلة نوعية في طريقة تقديمها للخدمات والتفاعل والتنافسية، بعد عقود من إطلاق هذا العملاق التكنولوجي، ويبدو أن الشركة تتحرك نحو تمكين المزيد من الابتكارات في هذا المجال، سواء كان ذلك في تطوير التطبيقات الذكية أو في تحسين تجربة المستخدمين.
ريدموند (الولايات المتحدة) – تحتفل مايكروسوفت هذا الأسبوع بمرور خمسة عقود على تأسيس الشركة التي قدمت للعالم ابتكارات تكنولوجية نقلتها إلى قمة وول ستريت وجعلت أنظمتها المعلوماتية أساسية.
ولكن الخبراء في قطاع التكنولوجيا يعتقدون أن الشركة لم تنجح يوما في تحقيق خرق حقيقي على صعيد الإنترنت الموجه لعامة الناس، مما يجعلها في منعطف حاسم للمنافسة بشكل يضمن لها القمة على الدوام.
ويقول المحلل في شركة إي ماركتر جيريمي غولدمان لوكالة فرانس برس إن صورة مايكروسوفت تظهرها على أنها “شركة مملة وأسهمها في البورصة مملة”. ويضيف “إنها ليست بنية تحتية مثيرة للغاية، لكنها ذات قيمة كبيرة، فهي تدر الكثير من المال”.
وقد تكون الشركة مملة بالفعل، لكنها مربحة، فمع قيمة تناهز ثلاثة تريليونات دولار، تتصدر مايكروسوفت شركات التكنولوجيا في العالم والتي يشكل سيليكون فالي في كاليفورنيا موطنا لها، متقدمة على منافستها شركة أبل مصنعة أجهزة هواتف آيفون.
وتعتمد مايكروسوفت بشكل أساسي على خدمات الحوسبة عن بعد (السحابة)، وهو قطاع سريع النمو ازدادت قوته مع الطلب على الذكاء الاصطناعي التوليدي.
ويُنظر إلى الشركة على نطاق واسع باعتبارها المتصدرة في السباق لكسب المال من الذكاء الاصطناعي، بفضل ارتباطها بشركة أوبن أي.آي مبتكر تشات جي.بي.تي.
وفي يناير الماضي، كشفت مايكروسوفت في منشور على مدونتها أنها تخطط لإنفاق 80 مليار دولار في السنة المالية الحالية التي بدأت في أكتوبر 2024 لبناء مراكز بيانات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي ونشر تطبيقات هذه التقنية المتقدمة والحوسبة السحابية.
وقال نائب رئيس مجلس إدارة الشركة ورئيسها براد سميث في المنشور إن “أكثر من نصف الاستثمار الإجمالي سيكون في الولايات المتحدة”.
وأسس بيل غيتس وبول ألين شركة مايكروسوفت في عام 1975، وأطلقا نظام التشغيل أم.أس.دوس الذي كان نجاحه سببا في تحقيق ثروتهما. وسُمي هذا النظام لاحقا بـ”ويندوز”، نظام التشغيل المستخدم في أكثرية أجهزة الكمبيوتر في العالم.
وأصبحت برمجيات مايكروسوفت أوفيس أبرزها وورد وإكسل وباوربوينت مرادفا لأدوات المكتب اليومية، لكن المنافسة المتزايدة مع أدوات غوغل دوكس تغيّر المعادلة.
ويوضح غولدمان “أن يكون أوفيس لا يزال مجالا مهما بالنسبة إلى مايكروسوفت يكشف الكثير عن قدرتها على الابتكار.”
ويتابع “لقد وجدوا طريقةً لإنشاء منتج قائم على السحابة يمكن الإفادة منه بموجب اشتراك. لولا ذلك، ومع ظهور خدمات مجانية ومميزة، لكانت حصتهم السوقية قد انخفضت إلى الصفر.”
لكن على صعيد التطبيقات التي يستخدمها الملايين من الأشخاص يوميا، تظل مايكروسوفت في ظل شبكات التواصل الاجتماعي فائقة الشعبية، والهواتف الذكية الأكثر رواجا، ومساعدي الذكاء الاصطناعي متعددي الاستخدامات.
ومع ذلك حاولت التوسع في هذه المجالات، فقد أطلقت الشركة التي تتخذ مقرا في ريدموند في شمال غرب الولايات المتحدة، جهاز ألعاب الفيديو إكس.بوكس في عام 2001 ومحرك البحث بينغ في عام 2009.
كما استحوذت على الشبكة المهنية لينكد إن في عام 2016 وأستوديوهات أكتيفيجن بليزارد في 2023 بعد عامين من انتظار موافقات الهيئات التنظيمية في العديد من دول العالم وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا في سياق التحقق من أن الصفقة لا تمثل احتكارا.
وكانت مايكروسوفت تسعى إلى الاستحواذ على تيك توك في عام 2020، وهي من بين الطامحين حاليا لضمّ هذه المنصة التي تواجه مجددا تهديدا بالحظر في الولايات المتحدة.
لكن من بين كل عمالقة التكنولوجيا، “تُعتبر مايكروسوفت الأقل مهارة في التعامل مع واجهات المستخدم. ويشكل ذلك في الواقع نقطة ضعفهم”، بحسب غولدمان.
وفي عهد ستيف بالمر خلال الفترة الفاصلة بين عامي 2000 و2013، فشلت مايكروسوفت أيضا في تحقيق التحول إلى الأجهزة المحمولة.
وأدرك خليفته ساتيا ناديلا إمكانات نماذج الذكاء الاصطناعي في وقت مبكر، واستثمر بشكل كبير في أوبن أي.آي حتى قبل أن تصبح الشركة الناشئة نجمة بين شركات سيليكون فالي بفضل تشات جي.بي.تي في نهاية عام 2022.
وفي العام التالي، اعتقدت الشركة أنها قد تنجح أخيرا في هز عرش غوغل في مجال محركات البحث عبر الإنترنت، من خلال إطلاقها نسخة جديدة من محرك بينغ قادرة على الرد على أسئلة مستخدمي الإنترنت باللغة اليومية، بفضل نموذج أوبن للذكاء الاصطناعي.
وقد فاجأت مايكروسوفت المجموعة الأميركية العملاقة التي تتخذ من كاليفورنيا مقرا لها، الأسواق والمحللين والقطاع عندما سارعت إلى ابتكار مساعد الذكاء الاصطناعي الخاص بها.
وفي نهاية المطاف، كانت إعادة تصميم بينغ بمثابة فشل، بحسب المحلل المستقل جاك غولد. وعلى الرغم من زيادة مايكروسوفت حصتها في السوق، إلا أن غوغل لا تزال تستحوذ على حوالي 90 في المئة منها.
اقرأ أيضا:
وقال غولد لوكالة فرانس براس “لقد كانت غوغل موجودة في سوق محركات البحث أولا، بمنتج أفضل”. ويبدي المحلل اعتقاده بأن مايكروسوفت لا تزال متأخرة في مجال الذكاء الاصطناعي بشكل عام، وذلك لأنها لا تملك حتى الآن شرائحها أو نموذجها الخاص.
وتعمل المجموعة على نشر خدمات الذكاء الاصطناعي بسرعة على منصة أزور السحابية الخاصة بها ومجموعة أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي كوبايلوت. لكن، وفق غولد، “نمو إيرادات أزور، من حيث البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، أقل وضوحا من نمو منافسيها.”
ويؤكد المحلل أن خدمة الحوسبة السحابية غوغل كلاود، التي تحتل المركز الثالث في السوق بعد أي.دبليو.أس من أمازون وأزور، قد تتقدم إلى المركز الثاني في غضون عامين. ويضيف غولد قائلا إن “غوغل تجذب بسهولة أكبر الشركات الناشئة، لأن أسعار مايكروسوفت موجهة نحو المؤسسات الكبيرة.”
ويتابع “تكمن قوة ريدموند مايكروسوفت في أنظمة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بالشركات الكبرى. لديهم كل الحوافز للتركيز على ذلك، بدلا من التركيز على المستهلكين، حيث توجد بالفعل منافسة شديدة.”
لكن هل يصل ذلك إلى حد الاستغناء عن إكس بوكس؟ يجيب غولد “تُحقق ألعاب الفيديو أداءً جيدا، لكنها لا تُمثل سوى جزء ضئيل من إيرادات مايكروسوفت. لو حوّلت الشركة ميزانية البحث والتطوير إلى حلول الأعمال، لكان ذلك منطقيا، برأيي.”