ماهر شالا علي أول ممثل مسلم يحصل على الأوسكار

هوليوود تقدم بين الفترة والأخرى ممثلا أسمر يفاجئ العالم، وها هي تبرز مؤخرا ماهر شالا علي الذي يقدم لنا حتى الآن ذات المستوى بالنجاح وربما في قادم الأيام سيكون قادرا على أن يسبق الكثيرين قبله. 
السبت 2019/03/30
فنان يعيد المجد الأسود إلى عالم هوليوود

أن تكون من ذوي البشرة السمراء ويسطع نجمك في سماء هوليوود وتحصل مرتين على جائزة الأوسكار، أمر يكاد يكون نادر الحدوث، إلا أن النجم الأميركي ماهر شالا علي استطاع تحقيقه خلال عامين فقط، معتمدا على جهد كبير قدمه في السنوات الماضية، بصعوده درج الشهرة بخطوات ثابتة متقنة.

ويبدو أن هذا النجم الأسمر القادم بقوة يتسيد حاليا الساحة الفنية بعدما تسلم الراية من رفاقه الممثلين من أصحاب البشرة السمراء، والذين لم يكن عددهم كبيرا مقارنة بأمثالهم البيض مع النظر لعامل الزمن. فبين الفترة الطويلة والأخيرة تقدم هوليوود ممثلا أسمر، فمن المخضرم مورغان فريمان مرورا بالعبقري دينزل واشنطن والمبدع ويل سميث إلى النجم الرائع جيمي فوكس، ظهر مؤخرا علي الذي يقدم لنا حتى الآن ذات المستوى بالنجاح وربما في قادم الأيام سيكون قادرا على أن يسبق هؤلاء جميعا، خصوصا بعد صعوده مرتين على مسرح الأوسكار حتى الآن، وهو الرقم الذي حققه من قبله دينزل واشنطن.

شاعر عاشق للسينما

ولد علي عام 1974 في منزل فني بولاية كاليفورنيا، حيث كان والده ممثلا مغمورا قام بأداء عدد من الأدوار السينمائية الصغيرة، لكن لم يكتب له النجاح والشهرة، ويبدو أنه زرع في ابنه ماهر ما كان يحلم أن يحققه شخصيا، كان يصطحبه وهو صغير إلى مواقع التصوير، وإلى دور السينما لمشاهدة الأفلام الهوليوودية، كان يحدثه، كما يقول الابن في مقابلة تلفزيونية، مساء كل يوم لدى عودته من العمل وكيف أدى مشاهده التمثيلية، وبمن التقى من النجوم، ويسرد له ما تم تصويره من حوارات ومشاهد، كل ذلك جعل الولد الصغير عاشقا للسينما بشكل جنوني، كان يجتمع بزملائه في المدرسة ويحدثهم عن الأفلام وبطولات والده مثلما كان يراها حينها. وإلى جانب حبه للسينما، كانت له هواية رياضية مثل الكثير من المراهقين، كان كثيرا ما يمارس كرة السلة في المدرسة والحي الذي يقطن فيه، وقد ظن والداه أن ابنهما سوف يسلك هذا الدرب الرياضي لطول قامته وحبه لها، خصوصا أن دراسته الجامعية كانت بمنحة بشرط أن يكون ضمن فريق الجامعة لكرة السلة.

يختار الأصعب

حصوله على الأوسكار الأول يعتبر علي الممثل الوحيد الذي استثمره أفضل استثمار بعمله المجتهد للحصول على أدوار مهمة جديدة. فلا يوجد ممثل استطاع نيل جائزة الأوسكار خلال عامين
حصوله على الأوسكار الأول يعتبر علي الممثل الوحيد الذي استثمره أفضل استثمار بعمله المجتهد للحصول على أدوار مهمة جديدة. فلا يوجد ممثل استطاع نيل جائزة الأوسكار خلال عامين

درس علي الإعلام لكنه اصطدم هناك بكثرة متطلبات الفريق من ناحية الوقت والجهد، ورأى حينها أن كثرة الضغط الممارس عليه من قبل الفريق سوف تأخذه من الأشياء التي يحبها في حياته اليومية وأيضا في تطلعاته المستقبلية. أفرغ ما بداخله من أحاسيس بكتابة الشعر، ولم يتوقف عند ذلك لأن قوة شخصيته دعته إلى المشاركة في البطولات الشعرية الجامعية والصعود لأول مرة على المسرح، ومواجهة الجمهور، وهناك وجد الإثارة في الأداء، ما جعله يواظب على المنافسات الشعرية ويبحر في خياله بكتابة الشعر، ومنه انتقل إلى المسرح في سنته الجامعية الأخيرة حين شارك في إنتاج مسرحية “جورج سي وولف”، ومنها كانت نقطة البداية لدخوله عالم الفن وهوسه به.

كمبتدئ شارك علي بمهرجان شكسبير المسرحي في كاليفورنيا، ليتعلم الكثير مما كان يجهله في فن التمثيل وتتسنى له رؤية الكثير من المسرحيات بمختلف الثقافات العالمية، شاهد مسرحيات أوروبية وآسيوية وعربية أيضا، وكانت تلك أياما مليئة بالزخم المعرفي لعوالم خشبة المسرح بالنسبة إليه.

 كان يراقب الممثلين بمختلف جنسياتهم في كل حركاتهم وتصرفاتهم، قبل وبعد الصعود على الخشبة، ينظر من وراء الكواليس إلى الجمهور وكمية تفاعله مع الممثلين، أراد أن يكون بين صفوف الممثلين، أحب أن ينال تفاعل وتصفيق الجمهور الحار، تمنى لو يقوم بالرد إليه بالتحية والانحناء مثلما فعل من وقف على المسرح أمام عينيه آنذاك.

يتحدر علي من عائلة متوسطة الدخل، وكان لا بد عليه أن يعمل لتغطية مصاريفه اليومية وأيضا مساعدة والديه. حصل على وظيفة في شركة الصناعة الإذاعية “غافن”، لكنه لم يدم طويلا هناك بسبب تفكيره اليومي بالتمثيل، وكان عليه أن يتعلم بشكل أكاديمي، فقرر الذهاب لاختبار برنامج التمثيل لخريجي جامعة نيويورك وتجاوزه بنجاح، ليلتحق بمدرسة تيش للفنون في الجامعة ذاتها.

في صباه كان شغوفا بالتعرف على كل الجوانب الحياتية، منفتحا على جميع الديانات السماوية، هو من الأشخاص الذين ذهبوا بأنفسهم للتعرف على الدين الإسلامي، دخل إلى المساجد بقدميه، تحدث وناقش رجال الدين، ومع أن والدته تعمل في كنيسة، إلا أن كل ذلك لم يؤثر على قراره الشخصي باعتناق الإسلام، وأكثر ما لفته في ذهابه إلى المساجد هو خشوع المسلمين في صلاتهم، ومن هذا كانت وجهته الحقيقية للإسلام، وقد عبر عن ذلك قائلا “لقد شعرت برد فعل قوي تجاه ما رأيته من صلوات هناك، وكذلك رد فعل جسدي لتلك الصلوات، ورد فعلي أنني بكيت، وبعدها بفترة استيقظت وقررت الذهاب للمسجد لإشهار إسلامي”. ويضيف علي “في البداية شعرت أنني بحاجة لفهم شيء أعمق، فبدأت بعملية بحث عميق في الأديان والفلسفات المختلفة، وطرق التواصل مع الله، وانتهى بي الأمر مسلما”.

 ومنذ دخوله الإسلام قرر تغيير اسمه ليتناسب مع دينه الجديد، حيث كان اسمه من قبل ماهرشالا اشاباز، مقتبس من التوراة، ليصبح ماهر شالا علي، الذي مازال محافظا عليه حتى يومنا هذا مع محافظته على دينه الجديد واعتزازه به في الكثير من المحافل الفنية والإعلامية، وأهمها عند اعتلائه المسرح لتسلم أول جائزة عالمية عن دوره في فيلم “ضوء القمر”، حين تحدث عن حادثة مهمة بحياته وعلاقته مع أمه، وكيف أخبرها عن اعتناقه للإسلام عندما ذهب إليها وهي تعمل في الكنيسة، وكيف تقبلت الأمر، وهما متحابان حتى الآن ولكل لهما دينه، ولا يجمعهما سوى الحب والصدق.

في أغلب إطلالاته الإعلامية في أهم البرامج التلفزيونية لا يتوانى علي عن الإجابة بفخر عن اعتناقه للإسلام، مع أن ذلك حصل منذ 18 عاما، إلا أنه لم تتغير قناعاته بقراره الهام بتحويل دينه من المسيحية إلى الإسلام.

البحث عن المستقبل

هوليوود تقدم بين الفترة والأخرى ممثلا أسمر يفاجئ العالم، فمن المخضرم مورغان فريمان مرورا بدينزل واشنطن والمبدع ويل سميث إلى النجم الرائع جيمي فوكس، وها هي تبرز مؤخرا ماهر شالا علي
هوليوود تقدم بين الفترة والأخرى ممثلا أسمر يفاجئ العالم، فمن المخضرم مورغان فريمان مرورا بدينزل واشنطن والمبدع ويل سميث إلى النجم الرائع جيمي فوكس، وها هي تبرز مؤخرا ماهر شالا علي

كان علي يذهب  كل يوم إلى “الكاستينغ” أي اختبار الأدوار، حتى سنحت له الفرصة ونجح باجتياز أحد الاختبارات وحصل على دوره الأول عام 2000 في فيلم “صنع الثورة” الذي لم ير النور إلا بعد ثلاث سنوات، شارك خلالها في مسلسلات تلفزيونية أشهرها كان تجسيده لدور “الدكتور تري ساندرز” في الموسم الأول من مسلسل “عبور الأردن”.

استفاد علي من نجاحه المتواضع ليشارك في أكثر من مسلسل تلفزيوني مثل “سي أس أي”، لكن كل ذلك لم يشكل له شهرة واسعة بين الجمهور، مثلما فعل دوره في مسلسل الخيال العلمي “4400”.

توالي نجاحاته ضمن الشاشة الصغيرة مهد له للحصول على أدوار في الشاشة الكبيرة والوقوف أمام نجوم الصف الأول أمثال بردا بيت في فيلم “حالة بنجامين بتن المحيرة”، كما شارك بعدها بعدة أفلام مثل “فوق التجاوز”، “الحيوانات المفترسة” و”خلف أشجار الصنوبر”، إلى أن جاء الوقت ليقدم دورا رئيسيا في الفيلم التلفزيوني الهام “الرجل الخاطئ” عام 2010.

ومع انتشار شركة الترفيه الأميركية “نتفليكس” وإنتاجاتها التي لاقت شهرة جماهيرية، ولعل أبرزها على الإطلاق “بيت الأوراق” من بطولة كيفن سبيسي وروبن رايت، المسلسل الدرامي السياسي الذي قدم رؤية ما يمكن أن يحصل في أروقة البيت الأبيض وكواليس السياسة الأميركية، كان لعلي دور هام جدا هو شخصية “ريمي” التي أحبها الجمهور وتقريبا كان هو الشخصية الأبرز بين الممثلين السمر.

توالي نجاحاته ضمن الشاشة الصغيرة مهد له للحصول على أدوار في الشاشة الكبيرة والوقوف أمام نجوم الصف الأول
توالي نجاحاته ضمن الشاشة الصغيرة مهد له للحصول على أدوار في الشاشة الكبيرة والوقوف أمام نجوم الصف الأول

 في ذلك المسلسل ثبت الممثل الأسمر قدميه على أرض الشهرة، فمتابعوه ومحبوه أصبحوا بالملايين منتشرين في مختلف دول العالم، وكثيرا ما يحدث أن نجاح مسلسل ما يأتي بثماره الأولى على الممثلين غير المعروفين أمثال علي وغيره ممن شاركوا في العمل، وممن كانوا في خانة المغمورين فنيا، ونالوا فرصتهم الذهبية.

في حياة كل ممثل ناجح نقطة تحول إما أن يعمل على استغلالها بكل ما أوتي من قوة وإما يفشل بذلك، لكن ماهرعلي حاز على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد عن فيلم “ضوء القمر” حين جسد شخصية “جوان”، وهو تاجر مخدرات يصبح أبا لصبي في حي شعبي بمدينة ميامي.

وكان لفوزه احتفاء كبير جدا على مستويين، الأول عودة جوائز الأكاديمية للممثلين أصحاب البشرة السمراء بعد غياب لسنوات منذ فوز الممثل فورست ويتيكر بجائزة أفضل ممثل عن فيلم “آخر ملوك اسكتلندا”، أما المستوى الثاني لفوز علي بالأوسكار فهو احتفاء المسلمين حول العالم به، كونه أول ممثل مسلم ينال هذه الجائزة الرفيعة فنيا، وعلى مدى تاريخ الأوسكار فاز سينمائيون مسلمون بالأوسكار، منهم المخرج الباكستاني شاهرمان عبيدي والمخرج الإيراني أصغر فرهادي، لكن علي أول مسلم يفوز بالجائزة عن فئة التمثيل.

الكتاب الأخضر

استثمر علي حصوله على الأوسكار أفضل استثمار بعمله المجتهد للحصول على أدوار مهمة في السينما والتلفزيون. فلا يوجد ممثل استطاع نيل جائزة الأوسكار خلال عامين، حيث كانت الثانية مؤخرا في الحفل الواحد والتسعين للأوسكار، حين فاز أيضا عن فئة ممثل مساعد في الفيلم الرائع “الكتاب الأخضر”، الذي تدور أحداثه في ستينات القرن الماضي حول الحارس الإيطالي الأميركي فيغو مورتينسن من الطبقة العاملة الذي يصبح سائقا لعازف بيانو أميركي أسود ويقوم بدوره علي أثناء جولته فى العديد من الأماكن بجنوب البلاد.

 الفيلم الفائز بالأوسكار لهذا العام يحاكي العنصرية ويبحث عن الهوية البشرية برؤية إبداعية رائعة للمخرج بيتر فاريلي، وكتب له السيناريو كلا نيك فاليلونغا وبريان هايز كوري بمشاركة المخرج أيضا. المفارقة أن علي قدم في هذا الفيلم صعوبة إضافية تجسدت في شخصية عازف البيانو المثلي والأسود والذي سيواجه تحديات إضافية لصفاته تلك في رحلته عبر الولايات.

12