"مانيا".. مسرحية عن الخيانة وتهديدها لتماسك المجتمع

مسرحية تسلط الضوء على أهمية الثقة في العلاقة الزوجية وكيف أن الشك وتدخل المحيط سواء كان عائلة أو أصدقاء وجيرانا في العلاقة من شأنه أن يهدمها.
الخميس 2022/06/09
العلاقة الزوجية انعكاس لصورة من المجتمع بأكمله

الجزائر- يحتضن المسرح الوطني الجزائري محيي الدين بشطارزي بالجزائر العاصمة عرض مسرحية “مانيا”، من إخراج وتأليف إدريس بن حديد، وهو عمل فني يحاول تلمس نتائج الشك والخيانة على العلاقات الزوجية وتبعاتها على تماسك النسيج الاجتماعي.

ويتقفى هذا العمل المسرحي الجديد الذي يعرض أيام الثامن والتاسع والعاشر يونيو الجاري، وهو من إنتاج جمعية النسور للمسرح بتندوف بالشراكة مع المسرح الوطني الجزائري، يوميات امرأة تدعى “مانيا” وهي شابة من الغجر تزوجت بعد علاقة حب قوية من شاب من المدينة وقبلت العيش معه بعيدا عن بيئتها الأولى، ولكن رغم تضحياتها وبسبب تأخرها في الإنجاب يتسرب الشك إلى نفسه بفعل الإشاعات التي يطلقها أفراد من المجتمع عليها فيتوجس من تصرفاتها رغم حبه الشديد لها ويدفعه شكه في سلوكها إلى اتهامها بخيانته مع رجل آخر.

وقال المخرج المسرحي إدريس بن حديد إن عرض “مانيا” يتناول موضوع الخيانة الزوجية بالمفهوم الشرقي السائد في المجتمع، وقد استعان في طرحه بالمدرسة الواقعية الرومانسية لتشخيص هذه الظاهرة بسياقاتها المختلفة.

◙ المسرحية تتناول موضوع الخيانة الزوجية بالمفهوم الشرقي وقد استعان المخرج في طرحه بالمدرسة الواقعية الرومانسية

وأشار إلى أن عنوان العرض المسرحي الجديد “مانيا” يحيلنا إلى مفهوم يرتبط بمرض عصبي يعكس الهوس المرضي بشخص أو موضوع ما والارتباط بشكل جنوني به وعدم القدرة على التخلي عنه وهو ما كان يعاني منه الزوج الغيور بسبب شعوره بالخيانة.

 و”مانيا” هي كلمة فرنسية تعني الهوس، وهي حالة من الانفعال أو ارتفاع المزاج بشكل غير طبيعي، والهوس يتفاوت في شدته، من الهوس الخفيف المعروف باسم هيبومانيا، إلى الهوس الكامل مع أعراض الذهان المتمثلة في الهلوسة الشديدة والأوهام.

وتبرز اللوحات المسرحية المتعاقبة على مدار ساعة من الزمن أجواء مشحونة بالشك المتصاعد بين الزوجين التي تغذيها آراء الناس حول هذه المرأة الجميلة التي رسم حولها هؤلاء هالة من الشك والريبة تطعن في شرفها إلى أن يشك ذات يوم بوجود عشيقها المتواري داخل الصندوق الخشبي بغرفتها لكنها تمنعه من فتحه.

وتغوص الشخصيتان اللتان تحركان النص وهما الممثلان أسماء مخناش وإدريس بن حديد في واقع مزدحم بالشك والريبة ليحتدم الصراع بينهما فتطفوا تفاصيل العلاقة المسكونة باللهفة والبوح والتفاعل والتي تنساب لتشكل تجربة إنسانية فريدة ربما تكون نموذجا مسرحيا للكثير من العلاقات الزوجية.

ويسلط العمل الضوء على أهمية الثقة في العلاقة الزوجية وكيف أن الشك وتدخل المحيط سواء كان عائلة أو أصدقاء وجيرانا في العلاقة من شأنه أن يهدمها، وبما أنها النواة الأولى والأهم في التكوين المجتمعي فإن هدم العلاقات الزوجية هو إضعاف لتماسك المجتمع.

وينتهي العرض بمشهد رمزي يستفز المشاهد لطرح العديد من الأسئلة حول مصير الزوجة الذي يبقى مبهما، حيث تتمدد المرأة فوق الخشبة في إحالة إلى موتها على يد زوجها الذي يقوم بعدها بفتح الصندوق الخشبي ليجده فارغا إلا من ثيابها وبعض ذكرياتها وبالتالي لا أثر للخيانة لكن بعد أن يكون قد نفذ جريمته في حق زوجته البريئة التي تعود بعدها لتتحرك على الخشبة في إشارة على براءتها من تهمة الخيانة.

وبخصوص اشتغاله مخرجا وممثلا في المسرحية، قال إدريس بن حديد إن الظروف المادية هي أحد الأسباب التي دفعته إلى ذلك، معترفا أن الأمر ليس “صحيا”، لكن غياب الإمكانيات واشتياقه للخشبة دفعاه إلى الصعود على الخشبة مجددا، فهو لم يفعل ذلك منذ 2018. وذكر أن حضوره كممثل لنص من إخراجه يمنحه المزيد من الحرص على تقديم أداء جيد.

وتحققت الفرجة في هذا العمل المسرحي إلى حد ما من خلال اشتغال المخرج على الإضاءة التي تم توظيفها للتعبير عن حالات التشرذم والتيه التي تعاني منها الشخصيتان والتمزق الداخلي والتشظي الروحي حيث تناغمت حركات أجساد الممثلين وكذلك الديكور الذي خدم الرؤية الإخراجية للعمل، وكذلك السينوغرافيا التي أنجزها هارون كيلاني وعكست تناقضات نفسية، كما اعتمد على اقتصاد العرض كخيار جمالي خدمة للنص، حيث تتيح للممثل حرية الحركة والانتقال بانسيابية في الفضاء ذلك بالإضافة إلى زمن العرض الذي يعدّ مقتضبا مقارنة بما هو سائد في العروض المسرحية التي تتجاوز مدة عرضها عادة الساعتين.

وأكد المخرج بن حديد على “تعمّد اقتصاد زمن العرض لخدمة فكرة العمل، حيث تم اعتماد سينوغرافيا مكثّفة تمازج بين الواقعية والرمزية بصورة بسيطة لكن عميقة الدلالات، كما قدم بلغة عربية فصحى شاعرية مفعمة بالرمزية وبقاموس جمالي بديع وثري باستعارات مستمدة من التراث وبمفردات لها صلة بالموضوع”.

كما أشار من جهة أخرى، إلى هموم ومعوقات ممارسة المسرح في الجنوب الجزائري، داعيا السلطات إلى “رفع التجميد عن مشروع المسرح الجهوي لتندوف ليكون متنفسا وحاضنة لمختلف المواهب وداعما للحركة المسرحية في الجزائر”، إلى جانب تأكيده على ضرورة إيلاء “الأهمية اللازمة للتكوين في شتى عناصر العملية المسرحية”.

15