مالي تنفتح على موجة تصعيد مع انسحاب اضطراري لبعثة مينوسما

مختلف الجهات المسلّحة التي تتنافس للسيطرة على الأراضي في شمال مالي، تسعى إلى الاستفادة من إخلاء قواعد البعثة الأممية، فيما يسارع الجيش لاستعادتها.
السبت 2023/10/28
بعثة حفظ السلام الأممية في مالي باتت تتعرض لهجمات متواترة منذ طالبها المجلس العسكري الحاكم بالمغادرة

نيامي (النيجر) - ينفتح المشهد في مالي على المزيد من الغموض وسط تفاقم التوترات وتصعيد عسكري من الجيش المالي والانفصاليين الطوارق والجماعات الجهادية إضافة إلى اضطرار بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام والاستقرار(مينوسما) إلى تسريع وتيرة انسحابها بسبب ما قالت إنها تهديدات جدية يتعرض لها أفرادها.

وتسعى مختلف الجهات المسلّحة التي تتنافس للسيطرة على الأراضي في الشمال إلى الاستفادة من إخلاء قواعد البعثة الأممية، فيما يسارع الجيش لاستعادتها. واستأنفت جماعات الطوارق الانفصالية التي تعارض استيلاء الجيش على هذه القواعد أعمالها العدائية ضدّ الحكومة المركزية، بينما كثّفت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة هجماتها على المواقع العسكرية.

ويُحتمل أن تتفاقم التوترات أكثر مع رحيل بعثة الأمم المتحدة من مدينة كيدال معقل الانفصاليين الطوارق. وكانت مغادرة هذه القاعدة مقررة بالأساس للنصف الثاني من نوفمبر، غير أنها قد تكتمل في وقت أقرب وربما في غضون بضعة أيام بحسب مسؤول في البعثة.

وأشار مسؤول في البعثة إلى أن العناصر غير الأساسيين بدؤوا يغادرون، بينما قال ضابط تشادي "لن نبقى مكتوفي الأيدي ونعرّض قواتنا للخطر"، في حين فضّل العديد من المسؤولين عدم الكشف عن هويتهم نظرا لحساسية الموضوع.

وبدأت البعثة على تسريع رحيلها من مالي وتخريب المعدات التي تتركها وراءها في البلد الإفريقي الذي يشهد هجمات جهادية وتوترات مع الانفصاليين الطوارق، بالإضافة إلى المخاطرة بحياة عناصرها بسبب عدم حصولهم على تصاريح للسفر جوا.

وعزت مينوسما تسريعها وتيرة انسحابها إلى التصعيد العسكري الذي يهدّد عناصرها، متّهمة السلطات بتعقيد عملية خروجها من البلاد من خلال عرقلة تحركاتها.

وأجبرت قرارات المجلس العسكري الحاكم في مالي بعثة مينوسما على المغادرة بشكل عاجل بسبب تهديدات جدية، فيما كان المجلس قد طالبها في يونيو بالانسحاب ووجه لها انتقادات حادة واتهمها بالفشل في مهمتها وباستغلال مفترض لقضية حقوق الإنسان.

وتضع عملية الانسحاب واسعة النطاق والمحفوفة بالمخاطر حدا لعشرة أعوام من الجهود المبذولة لمحاولة تحقيق الاستقرار في بلد تنهشه الهجمات الجهادية وأزمة عميقة متعددة الأبعاد.

ومن المقرر أن تنسحب بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي التي يُقدّر عديدها بنحو 15 ألف جندي وشرطي بينهم أكثر من 180 عنصرا قُتلوا في هجمات، بحلول 31 ديسمبر.

وبعد إخلائها خمسة معسكرات في مطلع أغسطس أعلنت البعثة الأممية الأحد أنها "أكملت انسحابها المتسارع" السبت من قاعدتها في تيساليت (شمال) في ظلّ توتر عرّض "طاقمها للخطر". وقبل انسحاب البعثة، اضطر الطاقم "إلى الاختباء في الملاجئ عدة مرات بسبب إطلاق النار".

وحدث ذلك الخميس في 19 أكتوبر حين أُصيب جناح طائرة شحن من طراز سي-130 (تونسية مستأجرة من قبل مينوسما) أثناء هبوطها في تيساليت، وفق البعثة التي أكّدت عدم وقوع "إصابات أو أضرار جسيمة للطائرة".

وغادر جزء من القوات معظمهم تشاديون في طائرة، فيما غادر الباقي "في قافلة برية" باتجاه غاو، أكبر مدينة في شمال مالي في رحلة تمتدّ أكثر من 500 كيلومتر في الصحراء وسط تهديدات مستمرة من المجموعات المسلحة.

وتكرّر المشهد في اليوم التالي مع انسحاب عناصر البعثة الأممية من قاعدة أغيلهوك وسفرهم برّا لعدم حصولهم على تصاريح للسفر جوّا.

وتعرّضت هذه القوافل لهجمات بعبوات ناسفة تسببت بسقوط جرحى، وفق بعثة مينوسما، وتبنتها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين. وذكرت البعثة أن سائق شاحنة أصيب بجروح خطيرة واثنين آخرين بجروح طفيفة الخميس حين فتح مسلحون النار على قافلة لوجستية انطلقت من أنسونغو، وهو معسكر آخر سيتم إخلاؤه، وفق البعثة

وقبل مغادرة البعثة، أكّدت أنها اتخذت "القرار الصعب بتدمير أو تعطيل أو إخراج المعدات القيمة من الخدمة، مثل المركبات والذخيرة ومولدات الكهرباء وغيرها من الأصول"، وهو "الملاذ الأخير" عملا بقواعد الأمم المتحدة.

وأوضحت أن هذه المعدات "لا يمكن إعادتها إلى الدول المساهمة بقوات ولا حتى إعادة نشرها في بعثات حفظ السلام الأخرى". وقالت إن "مثل هذه الخسائر كان يمكن تجنّبها" لو لم تكن 200 شاحنة عالقة في غاو منذ 24 سبتمبر الماضي بسبب قيود سفر فرضتها السلطات. ولا تزال شاحنات صهاريج مخصصة لإمداد القوافل عالقة أيضا في غاو.

وقال مسؤول في البعثة "تقول الجمارك إن كميات الوقود غير مبرّرة"، بينما أوضح شرطي مالي في غاو أن مخاوف السلطات في هذا الصدد تنبع من احتمال "أن تقدّم مينوسما وقودا للجهاديين".

ويعكس هذا الادّعاء الذي لا يستند إلى أي دليل، انعدام الثقة بين بعثة مينوسما والمجلس العسكري.

وتُعدّد مذكرة سرية موجّهة إلى مجلس الأمن الدولي من قبل إدارة عمليات حفظ السلام، التحديات المطروحة أمام البعثة الأممية في مالي خلال انسحابها وأبرزها عدم منح السلطات تصاريح الطيران أو السفر والحظر على الواردات التي تعنيها أو عدم قدرتها على إرسال دوريات لمراقبة معسكراتها الخاصة.

ووضعت مينوسما خطة انسحاب بديلة تشمل تدابير تستخدمها كملاذ أخير، في حين اتهم الناطق باسم الحكومة المركزية المالية العقيد عبدالله مايغا الحليف الفرنسي السابق بعدم توفير "أي جهود من أجل تسريع عمليات مغادرة البعثة الأممية".

ومن خلال تسريع عملية انسحابها، تعطّل البعثة الأممية خطط الجيش الذي يرفض ترك المجال مفتوحا أمام الانفصاليين.

ويرى الخبير في الشؤون الدولية والإستراتيجية في معهد مونتيني جوناتان غيفار أن المجلس العسكري "اتخذ قرار طرد مينوسما، لكنه يريد أيضا التحكّم بوتيرة الانسحاب".