ماكنة التوطين السريع تطحن الوافدين في الكويت

الكويت - لن يقلّ موضوع التركيبة السكانية في الكويت أهمّية عن سائر الملفات الأخرى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المرحّلة من عهد أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى عهد الأمير الحالي الشيخ نواف الأحمد، ذلك أنّ مختلف الحكومات التي تعاقبت في عهد الشيخ صباح لم تنجح في معالجة الخلل الناتج عن كثرة الوافدين إلى البلاد بشكل يفوق حاجتها الفعلية إلى اليد العاملة الأجنبية، وظلّت تراقب الملف وهو يزداد تضخّما وتعقيدا مكتفية برفع شعار “التكويت” وتقليب المقترحات المطروحة لتجسيده على أرض الواقع، إلى أن جاءت الأزمة الصحية والاقتصادية الحالية، لتطلق موجة طرد فجئي متسرّع للعمال مخالفة للمعايير الأخلاقية والإنسانية وحتى لمتطلّبات الاقتصاد نفسه.
فبموافقة البرلمان على مشروع قانون يحدد عدد الوافدين والعمال المهاجرين، كثفت السلطات الكويتية من ملاحقتها لمئات الآلاف من غير المواطنين.
وبدأ تطبيق برنامج التكويت الذي يعني نظريا حصر شَغل الوظائف في المواطنين الكويتيين منذ سنة 2017، لكن انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا زادا من تعقيد القضية، وفق ما ورد في تقرير حديث لـ”أراب دايجست” حول ملف العمال الأجانب في الكويت.
وتظهر الأرقام وجود خلل فعلي في التركيبة السكانية للكويت حيث يبلغ عدد سكان البلد 4.7 مليون نسمة بينهم 1.4 مليون مواطن و3.3 مليون وافد من بينهم 1.5 مليون هندي.
وسيجبر التشريع الجديد حوالي 800 ألف عامل هندي على العودة إلى بلدهم. وحسب معلومات السفارة الهندية في يوليو الماضي كان 28 ألف شخص يعملون في وزارات حكومية مختلفة وتوجهت أعداد كبيرة من المهنيين العاملين إلى القطاع الخاص، مما جعل غالبية العمال من المهاجرين من ذوي الأجور المنخفضة.
وحفلت وسائل الإعلام الكويتية بصور الطوابير الطويلة للعمال الأجانب وهم بصدد انتظار اختبارهم لمعرفة إن كانوا يحملون فايروس كورونا المستجد. وارتفع عدد حالات الإصابة بالفايروس من 2080 في 21 أبريل الماضي إلى 106458 في 3 أكتوبر الجاري مع وصول عدد الموتى إلى 620. وكانت معظم الحالات المسجّلة في مجتمعات المغتربين وخاصة بين العاملين ذوي الأجور المنخفضة وعمال البناء الذين يعيشون في ظروف غير صحية.
التشريع القانوني الجديد سيجبر حوالي 800 ألف عامل هندي على العودة إلى بلدهم.
وأشار تقرير صدر عن موقع “ميغرانتس رايتس” في أوائل أبريل حين بدأت الأرقام في الارتفاع، إلى أن تطبيق توصيات السلطات الصحية المحلية ومنظمة الصحة العالمية مستحيل على العديد من العمال المهاجرين بسبب أماكن إقامتهم المزدحمة بحيث لا يمكنهم الحفاظ على المسافة الموصى بها، وغالبا ما يفتقرون إلى الصابون والماء أو معقم اليدين.
وبدلا من معالجة المشكلة من خلال تحسين ظروف المهاجرين المعيشية، قررت السلطات استخدام التشريعات لإجبارهم على الخروج من الكويت. ونُقل عن رئيس لجنة تنمية الموارد البشرية بمجلس الأمة الكويتي في مطلع يوليو، انتقاده للحكومة لعدم قيامها بما يكفي، وحثها على “تطهير” الوظائف الحكومية من الوافدين وترحيل 500 ألف عامل من ذوي الأجور المنخفضة.
واستجابت الحكومة، وبنهاية شهر أغسطس، أصدرت مرسوما يأمر أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 60 سنة وليست لهم شهادة تعليم عال بالخروج من البلاد بحلول نهاية العام. ويقدر عدد المهاجرين المتأثرين بهذا القرار بـ150 ألفا، وعمل الكثير منهم في البلاد لعقود.
وأثار المرسوم غضب قطاع الضيافة الذي أبدى قلقه بشأن الضرر الاقتصادي الذي ستسببه هذه الخطوة. وجادل الاتحاد الكويتي لأصحاب المطاعم بأن الحكومة كانت تتدخل في العلاقة بين صاحب العمل والموظف بطريقة تؤدي إلى إلحاق ضرر كبير بأعمال المطاعم التي تضررت بالفعل بشدة من فايروس كورونا لأن غالبية الموظفين من ذوي الخبرة في القطاع الخاص، الذين كانوا من عوامل نجاحه الأساسية، تندرج ضمن هذه الفئة.
وبينما تتجاهل الحكومة الشكاوى الواردة من القطاع الخاص، بدأت في إبعاد الوافدين عن الدوائر الحكومية. وفي منتصف سبتمبر، أعلن ديوان الخدمة المدنية أنه تجاوز جل أهداف التكويت. وأشادت صحيفة القبس بالنتيجة، مشيرة إلى أن الديوان “نجح في تحقيق تقدم ملحوظ في إحلال مواطنين كويتيين محل الوافدين”.
وتتماشى التضحية بمجتمع المهاجرين وتحميلهم مسؤولية انتشار الفايروس السريع مع مشاعر كراهية الأجانب، لكن لا يُعلم إن كان هذا النهج سيفيد في تخفيف مشاكل الكويت الاقتصادية. وقد يكون العكس هو الصحيح.
وعلى الرغم من أن الكويت لا تزال دولة غنية، إلا أن اعتمادها على عائدات النفط مع التردد البرلماني بشأن كيفية إدارة عبء الدين المتزايد، يشكلان إشارات تحذيرية من وجود مشاكل في المستقبل. وزاد التأكيد على هذه النقطة عندما خفضت وكالة موديز تصنيف الكويت الائتماني السيادي. وقالت وكالة التصنيف الائتماني “في ظل الغياب المستمر لتفويض قانوني لإصدار دين أو السحب من أصول صندوق الثروة السيادية الموجودة في صندوق الأجيال القادمة، توشك موارد السيولة المتاحة على النفاد مما يشكل مخاطر سيولة على الرغم من القوة المالية الاستثنائية للكويت”.
وقد يمنح طرد المغتربين والمهاجرين الفقراء بلا رحمة الحكومة بعض الوقت مع صرف الانتباه عن الفشل الأوسع في إيجاد حل لإدارة عبء الديون الذي ثبت أنه مرهق للاقتصاد. ولكن الوقت ينفد. وبعد رحيل المهاجرين، من الذي يمكن أن تلومه الحكومة؟