ماكرون يلتقي بوتين سعيا لخفض التصعيد حول أوكرانيا

يقود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حراكا غربيا لخفض التصعيد بشأن الأزمة الأوكرانية والبحث عن مخارج دبلوماسية تبعد الحل العسكري الذي يخشى الجميع تداعياته الكارثية. وإلى جانب المبادرات الدبلوماسية التي لم تعرها موسكو اهتماما إلى حد الآن، يحشد الغرب أيضا قواته في دول البلطيق تحسبا لأي مغامرة روسية.
موسكو - أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مستهلّ اجتماعه في موسكو الإثنين بنظيره الروسي فلاديمير بوتين عن أمله في أن تساهم مباحثاتهما في “تخفيف حدّة التوتر” على الحدود بين روسيا وأوكرانيا التي يخشى الغرب تعرّضها لغزو روسي.
وحاول الرئيس الفرنسي تملق بوتين تارة ومواجهته تارة أخرى على مدار السنوات الخمس الماضية منذ توليه السلطة في باريس في 2017.
وأسفرت جهوده عن إقامة حوار وثيق مع الزعيم الروسي فضلا عن مواجهة انتكاسات مؤلمة.
وبعد فترة وجيزة من انتخابه قام ماكرون باستقبال بوتين رسميا في قصر فرساي لكنه استغل الزيارة أيضا لشجب التدخل الروسي علنا خلال الانتخابات. وبعد ذلك بعامين التقى الاثنان في المقر الصيفي للرئيس الفرنسي.

دميتري بيسكوف: الوضع أكثر تعقيدا من توقع اختراق حاسم خلال لقاء واحد
ولكن مبادرات ماكرون العديدة لم تمنع تغلغل روسيا في مناطق النفوذ الفرنسية التقليدية في أفريقيا والذي بلغ ذروته أواخر العام الماضي بوصول مرتزقة روس إلى مالي. ويعتقد المسؤولون الفرنسيون أنهم مدعومون من الكرملين.
وتحشد روسيا عشرات الآلاف من الجنود على الحدود مع أوكرانيا، مثيرة مخاوف من اجتياح جديد لهذا البلد، فيما تطالب موسكو لخفض التوتر بضمانات أمنية تقضي بعدم توسيع الحلف الأطلسي شرقا وانسحابه من محيطها. وكان ماكرون أول مسؤول غربي من الصف الأول يلتقي بوتين منذ تصاعد التوتر في ديسمبر، فيما يلتقي الثلاثاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وبموازاة ذلك، التقى المستشار الألماني أولاف شولتس الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن، فيما زارت وزيرة خارجيته أنالينا بيربوك أوكرانيا.
واعتبر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن الاجتماع بين الرئيسين الفرنسي والروسي “مهم جدا”، ذاكرا أن “ماكرون قال لبوتين إنه يأتي حاملا أفكارا من أجل خيارات محتملة لتحقيق انفراج في التوتر في أوروبا”، لكنه أضاف أن “الوضع أكثر تعقيدا من توقع اختراق حاسم خلال لقاء واحد”.
وصرح ماكرون أنه ينظر إلى الأمور بـ”واقعية وتصميم”، معتبرا هو أيضا أنه ليس هناك حلّ على المدى القريب.
والمطلوب برأيه بالتالي هو “الحد من هامش الالتباس لنرى أين تكمن نقاط الخلاف ونقاط التوافق الممكنة”.
وأكد مرة جديدة على موقف الغربيين الموحد الرافض لوقف سياسة الباب المفتوح في الحلف الأطلسي (الناتو) في وقت تطالب فيه موسكو بضمانات بعدم انضمام أوكرانيا ودول أخرى من جوارها إلى الحلف.
وقال ماكرون “علينا أن نبني شروط معادلة تجعل من الممكن خفض التصعيد على المستوى العسكري”، مقدرا العديد من القوات المنتشرة على حدود روسيا وبيلاروسيا مع أوكرانيا بـ125 ألف جندي.
ويرفض الغربيون المطالب الروسية، مقترحين في المقابل إجراء محادثات حول مخاوف موسكو، والقيام بخطوات لبناء الثقة مثل زيارات متبادلة لمواقع عسكرية أو تدابير لنزع السلاح، وهي اقتراحات يعتبرها الروس “إيجابية” لكنها “ثانوية”.
وفي المقابل، حدّدت أوكرانيا خطوطها الحمر وهي بحسب وزير خارجيتها دميترو كوليبا “لا تنازلات على وحدة وسلامة أراضينا” و”انسحاب دائم للقوات الروسية من الحدود الأوكرانية والمناطق المحتلة”.
وشدد ماكرون على أنه “يجب عدم القيام بأي تسوية في المسألة الأوكرانية دون الأوكرانيين”، مبديا “دهشته لبرودة الأعصاب التي أظهرها الرئيس زيلينسكي في الأسابيع الماضية”.
واجتاحت روسيا أوكرانيا عام 2014 وضمت شبه جزيرة القرم، ردا على ثورة موالية للغرب في كييف. ورد الغرب بفرض عقوبات لم يكن لها حتى الآن أي تأثير على سياسة الكرملين.
ويخوض انفصاليون موالون لروسيا ومدعومون منها حربا منذ 2014 ضد الجيش الأوكراني في شرق البلاد.
وسمحت اتفاقات سلام تم التفاوض عليها بوساطة ألمانية - فرنسية بتجميد المعارك على الجبهة، لكن التسوية السياسية للنزاع في طريق مسدود. ويسعى ماكرون لتحريك هذه الآلية.
وسعيا لتنسيق الموقف الغربي، أجرى ماكرون خلال عطلة نهاية الأسبوع محادثات مع بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ وقادة دول البلطيق الثلاث، الرئيس الليتواني جيتانا نوسيدا ورئيسا وزراء لاتفيا كريسيانيس كارينز وإستونيا كاجا كالاس.
وتواصل الولايات المتحدة إرسال تعزيزات عسكرية إلى أوروبا. وقدّرت الاستخبارات الأميركية أن روسيا بات لديها فعليا 70 في المئة من القوة اللازمة لتنفيذ غزو واسع النطاق لأوكرانيا.
كما تنشر موسكو عددا غير محدد من الجنود والطائرات في بيلاروسيا، حليفة روسيا المجاورة لأوكرانيا، حيث تجري تدريبات عسكرية ضخمة.
روسيا تحشد عشرات الآلاف من الجنود على الحدود مع أوكرانيا، مثيرة مخاوف من اجتياح جديد لهذا البلد
وأعلنت ألمانيا الإثنين إرسال 350 جنديا إضافيا إلى ليتوانيا في سياق جهود تعزيز الخاصرة الشرقية لحلف شمال الأطلسي، كما قررت المملكة المتحدة إرسال 350 جنديا إضافيا إلى بولندا.
وفي موقف جديد مخالف للتحذيرات الأميركية، دعا وزير الخارجية الأوكراني كوليبا إلى عدم تصديق “التوقعات المروعة”، مؤكدا في المقابل أن “أوكرانيا لديها جيش قوي ودعم دولي غير مسبوق”.
وقال رئيس اللجنة العسكرية بحلف شمال الأطلسي الاثنين إن الحلف يدرس زيادة وجوده العسكري في دول البلطيق وبولندا إذا أبقت روسيا قواتها في روسيا البيضاء بعد انتهاء تدريبات عسكرية.
وقال حلف شمال الأطلسي إن روسيا أرسلت 30 ألف جندي إلى بيلاروسيا، الجارة الشمالية لأوكرانيا، لإجراء مناورات عسكرية مشتركة هذا الشهر، ليتجاوز إجمالي الانتشار العسكري الروسي على حدود أوكرانيا مئة ألف جندي.
وقال الأميرال الهولندي روب باور، رئيس أعلى هيئة استراتيجية عسكرية في حلف شمال الأطلسي، إن من الممكن نشر المزيد من القوات من أعضاء الحلف.
وأضاف باور في مؤتمر صحافي “لدينا قوات في الحلف باستمرار، في الدول المختلفة، الحديث بشأن ذلك هو نتيجة ما نحن فيه الآن. نعم، ننظر في الأمر. قد تكون هناك تغييرات في المستقبل نتيجة تلك التطورات”.
وأضاف “هذا يعتمد بشكل كبير بالطبع على ما إذا كانت إمدادات القوات الروسية ستبقى في بيلاروسيا”.
وتنفي موسكو التخطيط لغزو أوكرانيا، لكنها قالت إنها قد تتخذ إجراءات عسكرية لم تحددها إلى حد الأن إذا لم تتم تلبية مطالب أمنية، تشمل تعهد حلف الأطلسي بعدم قبول عضوية كييف، وهو ما وصفته الولايات المتحدة والحلف بأنه غير مقبول تماما.