ماكرون يبحث عن وسيلة للوصول إلى أغلبية حاكمة

المعارضة الفرنسية تشترط تقديم تنازلات للفوز بدعمها.
الأربعاء 2022/06/22
ماكرون أمام حتمية التوافق أو الشلل السياسي

يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي فقد حزبه الأغلبية المطلقة في البرلمان للدخول في حوارات مع أحزاب المعارضة لتشكيل حكومة قوية قادرة على تنفيذ الإصلاحات التي وعد بها، إلا أنه سيكون مجبرا على التخلي عن أسلوب تُتخذ فيه القرارات بشكل فوقي وتبني مواقف تميل إلى التوافق.

باريس - يحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الوصول إلى أغلبية حاكمة، ومعها إنقاذ أجندته للإصلاح الاقتصادي، وذلك بعدما عاقب الناخبون تحالفه الوسطي (معا) في الانتخابات البرلمانية، فيما تشترط المعارضة الفرنسية تقديم تنازلات للفوز بدعمها.

وبينما حصل تحالف “معا” على أكبر عدد من أصوات الناخبين في الجمعية الوطنية (البرلمان) المؤلفة من 577 مقعدا، فإنه لم يحصل على العدد المطلوب لتحقيق أغلبية مطلقة في تصويت شهد أداء قويا من تحالف اليسار واليمين المتطرف.

وأظهرت الأرقام النهائية حصول معسكر ماكرون المنتمي إلى تيار الوسط على 245 مقعدا، وهو ما يقل عن العدد اللازم لتحقيق الأغلبية المطلقة والذي يبلغ 289 مقعدا.

وشكل التصويت انتكاسة مؤلمة لماكرون (44 عاما) الذي أُعيد انتخابه في أبريل ويريد تعميق التكامل مع الاتحاد الأوروبي ورفع سن التقاعد وضخ دماء جديدة في القطاع النووي الفرنسي.

جان لوك ميلونشون: نعتزم تقديم مذكرة حجب الثقة عن الحكومة

ولا يوجد إطار محدد لكيفية سير الأمور في فرنسا. ومن بين الخيارات المتاحة أمام ماكرون تشكيل ائتلاف حاكم أو الإشراف على حكومة أقلية يتعين عليها الدخول في مفاوضات مع الخصوم على أساس كل مشروع قانون على حدة.

وسيكون البديل في حالة عدم التوصل إلى اتفاق أن يصاب ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بالشلل.

وأصبح ماكرون في أبريل الماضي أول رئيس فرنسي في عقدين يفوز بولاية ثانية مع احتشاد الناخبين لإبقاء اليمين المتطرف بعيدا عن السلطة. ولكنه يرأس بلدا محبطا ومنقسما بشدة حيث زاد التأييد للأحزاب الشعبوية على اليمين واليسار.

وفاز حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف برئاسة مارين لوبان بأكبر تمثيل له على الإطلاق في مجلس النواب، بينما سيشكل تحالف اليسار بقيادة اليساري المتشدد جان لوك ميلونشون أكبر قوة معارضة.

وقال ميلونشون لمؤيديه “اكتمل الطريق بالنسبة إلى الحزب الرئاسي”. ومع ذلك، قد يجد تحالفه أن الحفاظ على تماسكه أكثر صعوبة من الفوز بالأصوات.

وبعد فترته الرئاسية الأولى التي تميزت بأسلوب حكومي تُتخذ فيه القرارات من أعلى المسؤولين إلى أصغرهم، سيتعين على ماكرون الآن تعلم فن بناء التوافق.

وقال وزير المالية برونو لو مير إن “الوصول إلى حل وسط ثقافة يتعين علينا أن نتبناها لكننا يجب أن نفعل ذلك وفق قيم وأفكار ومشروعات سياسية واضحة من أجل فرنسا”.

وقالت أحزاب المعارضة الفرنسية الثلاثاء إنه سيتعين على الرئيس ماكرون “المتغطرس” أن يغير مساره ويستمع إليها كي يحصل على دعمها على أساس كل قضية على حدة بعدما فشل في السيطرة على البرلمان.

وأوضح زعماء المعارضة الذين سيلتقي بهم ماكرون يومي الثلاثاء والأربعاء، أن الحصول على أي دعم منهم له ثمن مما يفتح الباب أمام احتمال إجراء محادثات صعبة بشأن كل مقترح سياسي.

وقال كريستيان جاكوب رئيس حزب “الجمهوريون” المحافظ لإذاعة فرانس إنتر “إنه كان متغطرسا والآن يطلب المساعدة”.

وقال للصحافيين في وقت لاحق بعد اجتماعه مع ماكرون “قمنا بحملتنا في المعارضة (…) وسنظل في المعارضة”. وأضاف أنه أبلغ الرئيس بأن إبرام أي اتفاق لتشكيل ائتلاف سيعتبره الناخبون المؤيدون لحزب الجمهوريين “خيانة”.

محاولة للخروج من المأزق
محاولة للخروج من المأزق

لكن جاكوب الذي يتمتع حزبه بوضع جيد ويتفق إلى حد كبير مع برنامج ماكرون الاقتصادي، فتح الباب أمام إبرام اتفاقات بشأن كل قضية على حدة، قائلا إن الأمر في ذلك يرجع إلى ماكرون لكي يخطو خطوة صوبهم ويأخذ اقتراحاتهم محل الجد.

وقال قصر الإليزيه في بيان إن ماكرون، الذي يريد تعميق التكامل بين دول الاتحاد الأوروبي ورفع سن التقاعد وتعظيم الاستفادة من الطاقة النووية، يريد أن تتمكن محادثات هذا الأسبوع مع المعارضة من “تحديد حلول بناءة وممكنة”.

ورفض ماكرون الثلاثاء استقالة رئيسة الوزراء إليزابيت بورن، في وقت وجد نفسه منذ الأحد في مأزق بعدما حرمت الانتخابات التشريعية حزبه من الغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية.

وأعلنت الرئاسة الفرنسية الثلاثاء أن بورن ستبقى في منصبها “لتتمكن الحكومة من متابعة مهامها والتحرك”.

واجتمعت بورن بأعضاء الحكومة الثلاثاء بحضور الوزراء الثلاثة الذين هزموا في الانتخابات والذين يتعين عليهم في هذه الحالة الاستقالة.

ويقضي التقليد بأن تقدم الحكومة استقالتها بعد الانتخابات التشريعية. ويهدف هذا الإجراء إلى إضفاء شرعية جديدة على رئيس الوزراء الذي يعيد رئيس الجمهورية تعيينه على الفور في منصبه.

إلا أن ماكرون اختار الثلاثاء رفض هذه الاستقالة، فيما تنتظره مجموعة من الالتزامات الدولية (المجلس الأوروبي، قمة مجموعة السبع وقمة حلف شمال الأطلسي) اعتبارًا من الخميس.

وأشار زعيم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور وزعيم الحزب الشيوعي فابيان روسيل إلى أنهما لا يستبعدان إمكان عملهما على إسقاط حكومة بورن على المدى الطويل.

لا يوجد إطار محدد لكيفية سير الأمور في فرنسا. ومن بين الخيارات المتاحة أمام ماكرون تشكيل ائتلاف حاكم أو الإشراف على حكومة أقلية

ويعتزم حزب “فرنسا الأبية” الذي يقود الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد بزعامة ميلونشون تقديم مذكرة حجب الثقة عن الحكومة في الخامس من يوليو القادم.

وفي حال أيدت غالبية النواب هذه المذكرة، وهو ما يتطلب اتفاقًا غير محتمل بين اليسار واليمين واليمين المتطرف، فإن الحكومة ستسقط.

ومن غير الواضح ما إذا يمكن للتحالف اليساري بقيادة ميلونشون أن يظل موحدا، وما هو التأثير الذي سيمارسه معسكر اليمين المتطرف.

وقالت المتحدثة باسم الحكومة أوليفيا غريغوار “سنحاول جلب آخرين معنا، خاصة لإقناع القلة من المعتدلين في البرلمان باتباعنا”، مضيفة “سيكون الأمر معقدا (…) علينا أن نكون مبدعين”.

ويضع هذا التشكيل البرلمان في قلب اللعبة السياسية، وهو ما لم يحصل منذ عام 1958 ومن قبل في الجمهورية الخامسة.

وسيكون الاختبار الرئيسي الأول هو مشروع قانون تكلفة المعيشة الذي قالت غريغوار إن الحكومة ستطرحه على أعضاء البرلمان في غضون ثمانية أيام عندما ينعقد البرلمان الجديد لأول مرة. كما ستختبر المقترحات حول الطاقة المتجددة صلابة اليسار المنقسم حول مسائل الطاقة النووية.

وبعد ولاية أولى اتسمت بسلسلة من النزاعات مثل حركة السترات الصفراء في 2018 – 2019، وفي سياق دولي متوتر يرخي بثقله على القدرة الشرائية، لا يتمتع ماكرون الذي غالبا ما يوصف بأنه “رئيس الأغنياء” بشعبية عالية، إذ لا يرى 56 في المئة من الفرنسيين أنه كان رئيسًا جيدًا، وفقًا لمعهد أودوكسا لاستطلاعات الرأي في الحادي والثلاثين من مايو.

5