ماكرون في زيارة إلى الرباط لتعميق الشراكة مع المغرب

من المنتظر أن يبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين زيارة دولة إلى المغرب، في خطوة لطي صفحة الخلافات في الفترة الأخيرة، وتدشين مرحلة جديدة من العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية تخدم المصالح الإستراتيجية للبلدين.
باريس - يبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين زيارة دولة إلى المغرب تستغرق ثلاثة أيام وتهدف إلى إضفاء زخم جديد على العلاقات الثنائية بعد ثلاث سنوات من تأزمها.
ويرى مراقبون أن زيارة ماكرون تتوج مسارا من الجهود الرامية إلى توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، خصوصا بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نهاية يوليو الماضي تأييده لخيار الحكم الذاتي كحل لأزمة الصحراء المغربية.
وقال قصر الإليزيه إن الزيارة التي تأتي بعد دعوة في نهاية سبتمبر الماضي من العاهل المغربي الملك محمد السادس “تهدف إلى طرح رؤية جديدة للسنوات الثلاثين المقبلة” في العلاقات الفرنسية – المغربية. بدورها، قالت وزارة القصور الملكية إن البلدين اللذين يتمتعان بـ”شراكة راسخة وقوية”، لديهما “إرادة مشتركة” في “توطيد الروابط” التي تجمعهما.
وتتناقض هذه اللهجة المتفائلة للغاية مع الخلاف الذي لوحظ منذ ثلاث سنوات وتخللته حملات ضد فرنسا في وسائل الإعلام القريبة من السلطات المغربية.
وتقول خديجة محسن فينان، أستاذة العلوم السياسية المتخصصة في شؤون المغرب العربي، “لقد بدأ الأمر يغدو شخصيا بعض الشيء (بين الملك والرئيس). العمل هو على تحسين العلاقات ووضع الخلافات جانبا". وتضيف فينان أن “فرنسا ستعتمد على المغرب في أفريقيا ومنطقة الساحل، حيث فقدت الكثير من نفوذها بينما تواصل المملكة اكتساب النفوذ".
واتُهمت فرنسا في المغرب خلال الأزمة باتباع “سياسة النعامة” بشأن ملف الصحراء المغربية و”الازدواجية” و”الانحياز للجزائر”، وغيرها من التهم. وتأمل باريس أن تكون تلك الفترة مجرد ذكرى سيئة. وتعود آخر زيارة دولة قام بها رئيس فرنسي إلى هذه الدولة الحليفة في المغرب العربي إلى أبريل 2013 في عهد فرنسوا هولاند.
◙ وفد يضم وزيري الداخلية برونو ريتايو والجيوش سيباستيان ليكورنو سيرافق الرئيس الفرنسي ماكرون وزوجته بريجيت
وسبق لإيمانويل ماكرون أن أدّى زيارة عمل إلى المملكة عام 2017 في بداية ولايته الأولى، قبل أن يعود إليها عام 2018 لتدشين خط القطار فائق السرعة طنجة – الدار البيضاء مع الملك محمد السادس، لكن الأمر توقف عند ذلك الحد. وبمناسبة الزيارة الهامة، سيرافق الرئيس الفرنسي وزوجته بريجيت وفد واسع يضم وزيري الداخلية برونو ريتايو والجيوش سيباستيان ليكورنو.
ويستقبل الملك محمد السادس شخصيا ضيفه بالمطار على صوت 21 طلقة مدفع، وسيتوجها بعد ذلك إلى القصر الملكي على متن سيارة احتفالية للقاء ثنائي يليه توقيع اتفاقيات في مجالات الطاقة والمياه والتعليم والأمن الداخلي. كما سيقيم الملك الثلاثاء مأدبة عشاء رسمية على شرف الرئيس وقرينته، وفي اليوم نفسه، سيلقي إيمانويل ماكرون خطابا أمام البرلمان ويحضر توقيع عقود خلال منتدى أعمال.
وفي محور النقاشات بين الطرفين مكافحة الهجرة غير النظامية، وهي نقطة خلاف بين البلدين، فضلا عن ملف الصحراء المغربية. وبعد اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على صحرائه، زادت الرباط ضغوطها على فرنسا لتفعل الشيء نفسه. وفي 30 يوليو الماضي، اعتبر إيمانويل ماكرون أن “حاضر ومستقبل الصحراء المغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية”، ما فتح الطريق أمام التقارب مع الرباط على حساب أزمة جديدة مع الجزائر.
وبخصوص ملف الهجرة، يعتزم رئيس الوزراء الفرنسي الجديد ميشال بارنييه استئناف النقاشات “بروح الحوار” لتسهيل ترحيل المغاربة الذين صدرت بحقهم قرارات طرد من فرنسا. ووعد بارنييه قائلا “لن نقوم بذلك بشكل عدواني، بل من خلال عرض جميع أدوات التعاون الثنائي”. وفي سبتمبر 2021، قررت باريس خفض عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة إلى النصف، لإجبار المملكة على التعاون في هذا الموضوع، وهو قرار استهجنته الرباط بشدة.
وأشار الإليزيه إلى أن المغرب لديه “رغبة في أن يشكل نقطة وصل بين أوروبا وأفريقيا”، وهو أمر إستراتيجي ومهم أيضا على مستوى البنى التحتية، لاسيما في ما يتعلق بمشاريع الربط الكهربائي.
ويفتح تحسن العلاقات الفرنسية – المغربية آفاقا جديدة أمام الشركات الفرنسية التي تضررت جراء الخلافات السياسية، ومن ثم، يمكن لشركة “أيرباص هليكوبترز” بيع ما بين 12 إلى 18 مروحية كاراكال للقوات المسلحة المغربية خلال الزيارة، وفق مصادر متطابقة.
كما سيستضيف المغرب مسابقة كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم عام 2025 ثم كأس العالم لكرة القدم عام 2030، وكلتاها فرصة لفرنسا لتقديم خبراتها بعد أولمبياد باريس، خصوصا في مجال البنى التحتية. وتعتبر فرنسا المستثمر الأجنبي الأول في المغرب مع نحو ألف شركة، تشمل كل شركات مؤشر كاك 40 في بورصة باريس تقريبا. لكن الصين وإسبانيا تحسّنان أيضا حضورهما في السوق المغربية.