مازن الناطور "مزاجنجي" سوريا

بعض القضايا تصعب مناقشتها بجدية، لا حل معها إلا السخرية، مهما بدا أن القضية جادة والصراع مستفحل.
القصة ببساطة أن مجلس نقابة الفنانين في سوريا عقد اجتماعًا يوم 4 مايو الجاري، دون النقيب الفنان مازن الناطور، وأصدر قرارًا بسحب الثقة منه استنادًا إلى ثلاثة أسباب، هي الاستئثار والتفرد بالقرار، وإقصاء وتهميش أعضاء المجلس المركزي، ومخالفة القانون الناظم لعمل النقابة. صدر القرار بتوقيع نائب نقيب الفنانين نور مهنا، الذي تم تكليفه لاحقًا بمهام النقيب، وتم توزيع القرار على وسائل الإعلام.
كان الناطور قد أثار الجدل بإصداره أكثر من قرار، أبرزها شطب عضوية الفنانة سُلاف فواخرجي لـ "إصرارها على إنكار الجرائم الأسدية وتنكرها لآلام الشعب السوري،" بينما تم منح العضوية بمرتبة الشرف للفنان اللبناني فضل شاكر "تقديرًا لمسيرته الفنية وموقفه الإنساني النبيل الحر من قضية الشعب السوري."
أيًّا يكن رأي السوريين على اختلاف انتماءاتهم بشأن قرار شطب سُلاف، التي استفزت تصريحاتها بالفعل قطاعات واسعة من الناس في "سوريا الجديدة"، إلا أن المؤكد أن عقلية الشطب والفصل والمنع والإقصاء يُفترض أنها تنتمي إلى "سوريا القديمة" التي ثار الناس لتغييرها.
وهذا الموقف عبر عنه فنانون سوريون كبار اعترضوا على قرار الشطب، ومنهم عابد فهد، قائلًا إننا لن نستطيع تعمير البلد إذا ظللنا نمسك الناس من رقابها، "وبدنا نطوِّل بالنا على بعض"، أما المخرج الليث حجو فقد طالب مجلس النقابة بالاستقالة لفشله الذريع ووقوعه في أخطاء توازي أخطاء المجلس السابق (في عهد الأسد) على مدى سنوات.
لم تمض ساعات على سحب الثقة من الناطور، حتى أصدر هو بنفسه مساء نفس اليوم قرارًا جديدًا، عن نفسه، اعتبر فيه نصًّا أن قرار سحب الثقة من “الزميل مازن الناطور بصفته نقيبًا” باطل، مستندًا إلى أن رئاسة مجلس الوزراء هي الجهة التي قامت بتكليفه وهي الوحيدة المخولة قانونًا بإنهاء هذا التكليف.
انتهى الخبر، وما زال الناطور سعيدًا في موقعه كنقيب، مثل سعادة "مزاجنجي" بالضبط في فيلم "الكيف." هل يعرف السوريون "مزاجنجي"؟ لا شك أنهم يعرفون، فهم يحبون الفن المصري ويحفظونه. ولمن لا يعرف، فهو الشخصية الكوميدية التي لعبها الفنان محمود عبدالعزيز، وقد قرر في لحظة ما أن ينتج شريط كاسيت.
اعتبر "مزاجنجي" بفعل سلطة المال الذي امتلكه فجأة أن كل شيء ميسر. يسأله الموسيقيون عمن سيكتب كلمات الأغاني أو يلحنها فيرد بأنهم سيقومون بذلك معًا بعد تناول الطعام الدسم، خلال مجلسهم الذي سيُعبق بروائح مخدر الحشيش. يستغربون لكنهم يرضخون، فقد وعدهم "مزاجنجي" بأجر مضاعف، وسيأخذ كل منهم "نفحة فوق نفحته."
لا بأس إذًا. لكن يبقى السؤال الأهم. من سيكون المطرب؟!. يجيبهم "مزاجنجي" بثقة: "أنا حعبي (سأملأ) الشريط بصوتي." يفاجئهم. يذهلهم. لكنهم يصمتون، وإن كان أحد الموسيقيين "بيصي" قد غمزه بعدها قائلا "ما انت بتغني بفلوسك.”
تلك هي المسألة؛ سلطة المال التي جرأت "مزاجنجي" بصوته الأجش على الغناء، تقابلها سلطة التعيين التي استخدمها الناطور لإعادة الثقة "إلى الزميل الناطور." قرر الرجل أن يملأ النقابة بذاته، مثلما عبأ "مزاجنجي" الشريط بصوته. لا فرق. وكلاهما فنان.
وللجد؛ لا شك لدى عاقل في أن الناطور استشار من عينوه قبل إصدار كل قراراته الجدلية، فهذه مسائل حاسمة قد تكون لها ردود أفعال. ولا شك في المقابل في أن جرائم الأسد في عصره توازي جرائم هتلر، والدفاع عنه جنون، لكن لنا الآن أن نسأل: ماذا قد اختلف؟
فليهنأ "مزاجنجي سوريا" بنقابته، وسلطته، وتعيينه، فلا جهة واحدة منتخبة حتى الآن في "سوريا الجديدة" وإن يكن مجلس آباء في مدرسة، وكل شيء يسير بـ"الكيف". ولنسعد نحن بالسخرية والضحك، لكنه - بصدق- "ضحك كالبكاء."