ماراثون البصرة ممنوع على النساء بأمر رجال الدين

قرار الإلغاء يعكس حجم الضغوط التي تخضع لها نساء العراق في ظل نظام حكم تقوده أحزاب شيعية وأصبح لرجال الدين المتشدّدين نفوذ متزايد فيه.
الجمعة 2024/02/09
كفر بواح

البصرة (العراق) - ألغت السلطات المحلية في محافظة البصرة مشاركة نسائية كانت مقرّرة سلفا في ماراثون يجري الجمعة في مركز المحافظة، وذلك استجابة لاعتراضات رجال دين شيعة على تلك المشاركة التي اعتبروها إخلالا بالقيم الدينية وتعدّيا على أخلاق المجتمع. وجاء قرار الإلغاء ليبين مجدّدا حجم الضغوط التي تخضع لها نساء العراق، في ظل نظام الحكم الذي تقوده بشكل رئيسي أحزاب شيعية وأصبح لرجال الدين المتشدّدين نفوذ متزايد فيه.

وينطوي ذلك النفوذ على تناقض جوهري يتمثّل في أنّ سلطة رجال الدين الشيعة وتعاليمهم المتشدّدة تبرز كحارس للأخلاق الحميدة وللقيم الدينية، فيما تستخدم من جهة مقابلة كغطاء لأحد أكثر النظم السياسية فسادا في العالم، لا فقط من حيث انغماس القائمين عليه في سرقة ونهب المال العام، ولكن أيضا في نشر ظواهر مدمّرة للمجتمع مثل تجارة المخدّرات التي تعرف رواجا غير مسبوق في العراق منذ سنة 2003 تاريخ سقوط النظام العراقي السابق ومجيء النظام الحالي.

واعترض رجال الدين بشدّة على مشاركة النساء في ماراثون البصرة، وظهرت مجموعة من المعمّمين في شريط فيديو تلا خلاله رجل الدين البصري صالح الجيزاني بيانا شديد اللهجة قال فيه إنه “بعد سماعنا بأن هناك ماراثونا للنساء في البصرة، وهذه طامة أخرى يراد إقامتها لجعل نساء البصرة يخرجن من عفتهن وشرفهن إلى الابتلاء والسقوط في مكائد الفاسدين بحجج الرياضة والانفتاح المنحرف".

صالح الجيزاني: إقامة ماراثون للنساء طامة أخرى تخرج المرأة من عفتها وشرفها
صالح الجيزاني: إقامة ماراثون للنساء طامة أخرى تخرج المرأة من عفتها وشرفها

كما طالب الجيزاني بـ"إلغاء هكذا مشروع وبالسرعة الممكنة، وإلا سيرون منا موقفا آخر ولاَتَ حينَ مَنْدم". وخضع القائمون على الماراثون لذلك التهديد وأعلنوا قرارهم باقتصار المشاركة فيه على الذكور بناء على توجيهات محافظ البصرة بالوكالة محمد طاهر التميمي، وذلك “حفاظا على سلامة الجميع”.

وقالوا في بيان إن إدارة التظاهرة الرياضية المقررّ إجراؤها في مسار يمتد من منطقة سفوان إلى جبل سنام “تلتزم بشدة بالحفاظ على قيم ديننا الحنيف والأعراف الاجتماعية وتلزم بها المشاركين من شبابنا وعوائلنا البصرية الكريمة، ولا تقبل باي تجاوز على تلك القيم والأعراف”. وأوضحوا أن ماراثون البصرة الرياضي يهدف إلى “تسليط الضوء على المدينة والسياحة فيها ويعد نشاطا رياضيا يعزز اللياقة البدنية، ولن تسمح إدارة الماراثون بأي سلوك يخالف النظام والآداب العامة”.

ورأت جهات عراقية مناهضة لسلطات رجال الدين ومحاولتهم فرض رقابتهم على المجتمع أنّ إلغاء مشاركة النساء في المارثون المذكور يعّد مؤشّرا سيئا على واقع الرياضة النسائية في العراق التي رغم ما يوضع في طريقها من عوائق ظلت تكابد للاستمرار في ظل إهمال رسمي لها وإحجام حكومي عن دعمها استرضاء لدوائر التشدّد الديني.

وبدأ قرار منظمي مارثون البصرة يواجه موجة من الغضب في صفوف شرائح واسعة من العراقيين. وعلّق حساب على منصّة إكس يحمل اسم “فريق نسويات البصرة” على القرار بالقول “قمع المرأة ودحضها من الحياة..كالعادة يربطون موضوع الشرف والعفة بالرياضة كما تعودوا ربطها بكل جوانب الحياة وكل نشاط تشارك به المرأة لأبعادها عن الحياة تحت ذريعة الشرف والعفة”. وكتب أحد المعلّقين على نفس الحساب “دواعش لا يتغيرون نهائيا”.

ويجد رجال الدين المتشدّدون في تجربة الحكم التي تقودها الأحزاب الشيعية الأرضية ممهدة للتسلّط على المجتمع العراقي. ورغم الطابع اللاأخلاقي الذي يميّز طريقة تلك الأحزاب في الحكم باعتماد المحاصصة وتقاسم المناصب واستخدام المال السياسي على نطاق واسع لشراء الذمم وإسقاط الخصوم باستخدام النفوذ في مؤسسات الدولة، إلاّ أنها لا تنقطع عن محاولة أسلمة الدولة من خلال اقتراح قوانين وتشريعات تقول إنّها مستمدة من الشريعة الإسلامية ومتوافقة معها.

ويدور الجدل في العراق خلال الفترة الحالية حول قانون تعمل قوى سياسية شيعية على تمريره تحت مسمّى "مكافحة البغاء"، وتريد من ورائه تقديم نفسها للجمهور كحامية للدين والأخلاق في ظل ضحالة دورها في مجالات حيوية تهم عيش السكان وظروفهم الاجتماعية. وتعهّد رئيس كتلة حقوق النيابية الممثلة لميليشيا كتائب حزب الله العراق سعود الساعدي بتمرير القانون رغم ما سماه بالضغوط الخارجية لعرقلته.

◙ القائمون على الماراثون واجهوا التهديد وأعلنوا قرارهم باقتصار المشاركة في الماراثون على الذكور بناء على توجيهات محافظ البصرة بالوكالة

وقال لمواقع إخبارية تابعة لميليشيات الحشد الشعبي إنّ هناك توجّها داخل البرلمان العراقي لإقرار قانون “يغلظ ويشدد العقوبات على السلوكيات الشاذة والمنحرفة التي قد يكون بعضها مدعوما من جهات خارجية لإشاعة الفاحشة وضرب نسيج العائلة العراقية واستهداف القيم المجتمعية وضرب القيم الإسلامية التي يمتاز بها الشعب العراقي”. وأكّد قوله “نعمل بكل قوة على الحفاظ على هذه القيم ومنع الأخلاقيات الساعية إلى الترويج للانحلال وفرض الأيديولوجيات المنحرفة”.

ومن جهته اتهم حسن سالم النائب في البرلمان العراقي عن كتلة صادقون الممثلة لميليشيا عصائب أهل الحق بعثة الأمم المتحدة بالضغط على النواب لثنيهم عن تشريع قانون البغاء، قائلا إنّ “العراق بلد حضارات ومقدسات وبلد الأخلاق والثورات ويرفض كل الضغوط الممارَسَة من أجل منعه عن إقرار قانون يرفض العادات الشاذة”. ولم يثن الطابع الأخلاقي والديني للقانون منتقدي القوى السياسية والدينية التي تدافع عنه عن انتقاد تلك القوى، مذكّرين بأن رجال دين شيعة هم أنفسهم من رسّخوا ممارسات شرّعت للبغاء وممارسته بشكل علني تحت غطاء ديني.

وقال هؤلاء إن رجال دين شيعة مساندين لفرض قانون البغاء ومعترضين على مشاركة المرأة في تظاهرات رياضية بذريعة حماية العفّة والشرف ضالعون في عقد زيجات متعة لفترات قصيرة لا تتجاوز الساعة الواحدة، وذلك في عملية سمسرة مقنّعة لتمكين الرجال من ممارسة الجنس مقابل المال مع نساء وفتيات بعضهن قاصرات.

3