ماذا يفعل صانعو محتوى عالميون في سوريا

السياحة المظلمة تجذب المشاهدات على يوتيوب وتخدم النظام السوري.
السبت 2022/07/16
السياحة المظلمة لها مريدون كثر

بدأ صانعو المحتوى على موقع يوتيوب في الفترة الأخيرة يهتمون اهتماما فريدا من نوعه وغير مسبوق بسوريا، البلد الذي مزقته الحرب، كنوع من تجارة الإعجابات المربحة والتي استفاد منها النظام السوري.

دمشق - يتهافت صانعو المحتوى على السفر إلى سوريا بأعداد قياسية هذا العام ودون قيود، مما يمنح الجمهور نظرة نادرة إلى البلد الذي مزقته الحرب. لكن هؤلاء المبدعين تعرضوا في الوقت نفسه لانتقادات بسبب “ترديدهم عن قصد أو عن غير قصد رواية الحكومة عن الحرب الأهلية” حسب قول نشطاء.

وعلى مدى عقد من الزمان كان دخولك إلى سوريا كسائح أمرًا مستحيلًا، ولكن بعد أن خفّت حدة القتال في سوريا في عام 2019 عاد السياح الباحثين عن المغامرة ومستخدمو يوتيوب حتى أوقفهم كوفيد - 19، ثم عادوا من جديد بعد رفع القيود.

وذكر تقرير أعده موقع “بزنس إنسايدر” أن 10 شخصيات مشهورة على الأقل سافرت إلى سوريا خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، من بينها سايمون ويلسون ونجم برنامج “بولد اند بانكربت” بنجامين ريتش وجانيت نيوينهام وغوغهام يلدريم.

في مقاطع الفيديو قاموا بالتجول في سوريا عبر السيارات، حيث نقلهم مرشدون سياحيون إلى المطاعم والأسواق والمعالم التراثية والتاريخية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة مثل حمص ودمشق، والتقوا بالسكان المحليين وهم يتلقون دروسًا في التاريخ من قبل مرشديهم.

ويحاول جميع منشئي المحتوى الذين يزورون سوريا تقريبًا تجنب إبداء الرأي حول الحرب الأهلية، حيث أشاد معظمهم بالشعب السوري وقالوا إن نظرتهم إلى البلد قد تغيرت نحو الأفضل.

وقال أيوب موراتا، السوري الذي ينظم رحلات للأجانب في البلد، “هناك عدد كبير من المؤثرين على يوتيوب يحاولون المجيء، وهي تجارة بالنسبة إليهم”. وأضاف “السياح الآن هم من الشباب، ويحاول معظمهم القيام برحلات ومغامرات، ولا تمانع الحكومة في وصول المؤثرين على يوتيوب طالما كان كل شيء تحت السيطرة”.

ويعتمد الدخول إلى سوريا كسائح أولاً على الحصول على تصريح أمني من مديرية المخابرات العامة في البلاد، وهو أمر ممكن فقط من خلال حجز رحلة تؤمّنها شركة من شركات السفر السورية. وكل هذه الشركات تحتاج إلى موافقة النظام لتعمل.

ويقول الكثير من منشئي المحتوى في مقاطع الفيديو الخاصة بهم إنهم لم يتواصلوا مع أي مسؤول حكومي في سوريا، لكن نشطاء يقولون إن الجولات ليست بعيدة عن إشراف الحكومة وتأثيرها.

وقال كريستيان بنديكت، مدير حملة سوريا في منظمة العفو الدولية، “من شبه المؤكد أن أجهزة استخبارات الأسد ستسيطر على أي زيارات مثل هذه”. وسيشمل ذلك التوجيه والمراقبة الواضحة والمرافقة المباشرة بشكل أساسي للتأكد من أن هؤلاء المدونين يقدمون صورة سوريا التي يريدها النظام.

مؤثرو يوتيوب الأجانب أصبحوا الآن عن غير قصد "جزءًا من جهود العلاقات العامة" التي يدعمها النظام السوري

ويُسمح للسياح الأجانب باختيار المكان الذي يريدون الذهاب إليه في سوريا، طالما أنهم يقيمون في مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة وقريبة من مرشديهم، وفقًا لموراتا وشين هوران اللذين تدير شركتهما “روكي رود ترافيل” جولات منتظمة في سوريا.

وقال هوران “هناك طرق وبلدات معينة محظورة لأسباب أمنية ولضمان سلامتنا، لكن لا يوجد تصريح حكومي بشأن اختيار الزبائن أو خط سير الرحلة أو من نتعامل معهم”.

ويُمنع مواطنو العديد من البلدان -بما في ذلك الولايات المتحدة- من دخول البلاد كسياح، كما يُحظر استخدام الطائرات دون طيار، وهي أداة مهمة لعشاق السفر الحديث.

ويقول النشطاء إنه من الواضح أن العديد من “المرشدين” الذين يظهرون في خلفيات فيديوهات مستخدمي يوتيوب الأجانب هم في الواقع مراقبون تابعون للحكومة السورية يرتدون ملابس مدنية. ومع ذلك لا يوجد دليل واضح لدعم هذا الادعاء.

وقال المصور الصحافي المقيم في سوريا فريد المهلول “تلاحظ أن من يزور سوريا لا يتحرك بحرية بين المناطق، فهناك دائمًا عملاء استخبارات تابعون لنظام الأسد يرافقون الزوار في كل مكان”.

وقالت خبيرة المعلومات المضللة في سوريا صوفي فوليرتون “بالطبع تتم مراقبتك على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع”. وأضافت “قد يعتقد الأشخاص الذين يقومون بهذه الجولات أنهم أحرار في فعل ما يريدون، لكنهم أحرار في فعل ما يريدون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة: لن ترى هؤلاء المدونين في إدلب”، المنطقة التي تسيطر عليها الجماعات المتمردة السورية.

ومن الواضح أن المؤثرين على يوتيوب الذين سافروا مؤخرًا إلى سوريا يقدمون نظرة ضرورية ومهمة على مستوى الشارع لمجتمع عرف بالعنف المفرط، وهو ما فعلته صانعة المحتوى التي تدعى جانيت نيوينهام، التي زارت سوريا في أواخر عام 2021 وحصد أحد مقاطع الفيديو التي أعدتها 185000 مشاهدة. وقالت “لم نسمع أبدًا عن الشعب السوري. نسمع فقط عن الحرب ومدى سوء بشار الأسد”. وتابعت “أحاول فقط أن أظهر لجمهوري -وأعضاؤه غربيون بنسبة 90 في المئة- كيف تبدو سوريا، فهو لا يعرف عنها شيئًا”.

وقالت نيوينهام إنها لا ترى أي مؤشر على أن مرشدها له علاقة بحكومة الأسد أو بأجهزته الأمنية.

كما قال المؤثر التركي جوخان يلدريم، الذي زار سوريا في مارس، إنه لم يتواصل مع الحكومة وإنه ذهب إلى سوريا للتعلم. وأضاف “جئت إلى هنا بآراء متحيزة، لكنني رأيت وضعًا مختلفًا تمامًا عن الوضع في الأخبار”.

واتُّهم كل من يلدريم ونيوينهام بالتربح من البؤس أو التستر على الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد. وتعرض يلدريم لانتقادات بعد أن نشر مقطع فيديو كرر فيه ادعاء مرشده بأن مبنى في حمص دمره “إرهابيون”. وقال “اكتشفت لاحقًا أن بعض ما قيل لي كان كذبًا”، مضيفا أنه قام بعد ذلك بتصحيح الأخطاء في منشوره.

كما واجهت نيوينهام انتقادات بعد أن كررت ادعاءً مماثلاً لمرشدها بأن المنطقة المحيطة بمسجد حمص دمرها “إرهابيون”. وقالت “هناك تعليقات مثل: هذه دعاية، ما كان يجب أن تذهب إلى هناك”. وعلى عكس يلدريم لم تعدل نيوينهام مقطع الفيديو الخاص بها بعد تلقي التعليقات.

وقال بنديكت “إن محو المدونين لهذه الحقيقة المروعة من أجل بعض الإعجابات والمشاركات على وسائل التواصل الاجتماعي هو شكل من أشكال الترفيه القاسية بشكل لا يصدق”، مضيفا “ما زال الملايين من السوريين غير قادرين على العودة إلى ديارهم لأنهم يخشون الاعتقال والتعذيب والإعدام”.

وأضاف أنه في بعض الحالات قد يمارس صانعو المحتوى  رقابة ذاتية لتجنب إغضاب الحكومة، كما كان شائعًا بين السياح الأجانب الذين زاروا البلاد قبل انتفاضة 2011 التي سبقت الحرب الأهلية. وقال “قد يتكرر نفس النمط، مع قيام المدونين والسياح بفرض رقابة ذاتية حتى لا يقعوا تحت طائلة أجهزة استخبارات الأسد سيئة السمعة”.

وقال الناشط السوري في مجال حقوق الإنسان محمد النسر إن مؤثري يوتيوب الأجانب أصبحوا الآن عن غير قصد “جزءًا من جهود العلاقات العامة” التي تدعمها حكومة الأسد.

ومع تزايد شعبية سوريا كوجهة لصانعي المحتوى يقول النقاد إن النظام يعمل على إعادة تسويق نفسه بنجاح.

16