ماذا يحدث عندما تمنع القوانين النساء من الإجهاض؟

تفرض القوانين في عدد من البلدان العربية والغربية منع الإجهاض، ما يترك النساء أمام خيارات قليلة جدا: فإما الالتجاء إلى طرق محفوفة بالمخاطر لإسقاط الجنين، وإما إجبارهن على الاستمرار في الحمل غير المرغوب فيه دون الاستعداد أو القدرة على رعاية أطفالهن. ويؤكد الباحثون أن الحمل غير المرغوب هو أحد عوامل الخطر المبكرة التي يمكن تحديدها لسوء معاملة الأطفال وإهمالهم.
دبي - يعد الإجهاض من المسائل الحساسة التي يختلط عند الخوض فيها الديني بالعلمي بالقانوني، ولا يشمل ذلك البلدان العربية فقط، بل مختلف دول العالم، وحتى أكثرها تطورا ورقيا.
وتعتبر قوانين العديد من الدول العربية الإجهاض خارج الأطر جريمة يعاقب عليها القانون. وتتفاوت العقوبات بين السجن والغرامة المالية.
وأورد قانون العقوبات المصري بابا مستقلا يتناول الإجهاض رغم أنه لم يضع تعريفا محددا لإسقاط الحوامل (الإجهاض) وإنما اكتفى بتحديد صوره، والعقوبات المقررة لكل صورة منه، بينما عرّفته محكمة النقض المصرية بأنه “تعمّد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان”. ويعتبر قانون العقوبات المصري الإجهاض جنحة يعاقب عليها بالحبس.
أما في الأردن فقد ضمن القانون الإجهاض ضمن الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة.

أمين الأميري: إجهاض المرأة الحامل يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون
واعتبر القانون الأردني أن “كل امرأة أجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل أو رضيت بأن يستعمل لها غيرها هذه الوسائل، تُعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات”.
وفي عام 2015، حدد مركز الحقوق الإنجابية الدول التي تحظر الإجهاض، ولا تسمح به إلّا لإنقاذ حياة الأم وهي مصر وليبيا والسودان وموريتانيا والصومال واليمن والإمارات وسلطنة عمان والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين. أما الدول التي تسمح بالإجهاض للحفاظ على صحة الأم فهي الأردن والكويت والسعودية وقطر والجزائر والمغرب. فيما تسمح كل من البحرين وتونس بالإجهاض ما دون الأسبوع الثاني عشر من الحمل دون ذكر أسباب.
وأكد الدكتور أمين بن حسين الأميري وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع المساعد لسياسات الصحة العامة والتراخيص في دبي أن إجهاض المرأة الحامل يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، خاصة في حال مرور 120 يوما على الحمل.
وأشار في تصريحات صحافية إلى أن قانون المسؤولية الطبية أكد أنه لا يجوز للطبيب أن يجري أي عملية إجهاض أو يصف أي شيء من شأنه إجهاض حامل إلا في حالتين: إذا كان استمرار الحمل يشكل خطرا على حياة الحامل، بمعنى ألا تكون هناك وسيلة أخرى لإنقاذ حياة الحامل غير الإجهاض. وأن يتم الإجهاض بمعرفة طبيب مختص في أمراض النساء والولادة وموافقة الطبيب المعالج للحالة المرضية المبررة للإجهاض.
كما أكدت دار الإفتاء المصرية أن الإجهاض عموما هو فعل محرم شرعا، إلا إذا كان هناك سبب طبي يجعل من هذا الحمل خطرا مباشرا على حياة الأم الحامل.
وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية لسنة 2018 يسجل ما يقارب من الـ25 مليون حالة إجهاض سنويا حول العالم معظمها في البلدان النامية. وأكدت المنظمة أنه يمكن الحدّ من حدوث الحمل غير المقصود وعمليات الإجهاض غير المأمون، إذا وضعت البلدان سياسات داعمة وقطعت التزامات مالية لتوفير تثقيف جنسي شامل، ومجموعة واسعة من وسائل منع الحمل الحديثة والآمنة، بما في ذلك وسائل منع الحمل في حالات الطوارئ، وخدمات تنظيم الأسرة، وتيسير سبل الحصول على الإجهاض المأمون والقانوني. وفي أميركا رفضت المحكمة العليا، بأغلبية 5 أصوات مقابل 4 طلب وقف قانون تكساس للإجهاض، الذي يحظر الإجهاض بعد ستة أسابيع من الحمل، أي قبل أن تعرف الكثير من النساء أنهن حوامل. ولا يستثني القانون حالات الحمل الناتجة عن الاغتصاب أو زنا المحارم، مما يجعله أقسى قيود الإجهاض في البلاد.
وقد يؤدي انخفاض الوصول إلى الإجهاض في الولايات المتحدة إلى نتائج كارثية. ففي البلدان حول العالم التي تتمتع بإمكانية محدودة أو معدومة للإجهاض المأمون والميسور التكلفة، تُجبر النساء على الإبقاء على الحمل غير المرغوب فيه ويواجهن الآلام والموت بسبب عمليات الإجهاض غير الآمنة كل يوم.
وتشير الدلائل إلى أن قيود الإجهاض تؤدي في الواقع إلى المزيد من عمليات الإجهاض. فخلال إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، منعت الحكومة الأميركية المنظمات الأجنبية غير الربحية من تلقي التمويل الفيدرالي الأميركي إذا قدمت أي خدمات إجهاض، بموجب ما أطلق عليه اسم سياسة مكسيكو سيتي.
وأصبحت عمليات الإجهاض، لاسيما تلك التي تستخدم إجراءات غير آمنة، أعلى بنسبة 40 في المئة نتيجة لتلك السياسة عما كان عليه قبل تطبيقها في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الأكثر تضررا.
ووجدت دراسة أجريت في يوليو 2020 في لانسيت أن معدلات الإجهاض زادت بنسبة 12 في المئة خلال تسعينات القرن الماضي والعشريتين الأولى والثانية من القرن الحالي في البلدان التي يكون فيها الوصول إلى الإجراء مقيدا، بينما انخفض المعدل بشكل كبير في البلدان التي يكون فيها الإجراء قانونيا على نطاق واسع. وقالت سيما جالان، المديرة التنفيذية ليونيفرسال أكسس بروجكت (مشروع الوصول الشامل) إن “الأبحاث أظهرت مرارا وتكرارا أن البلدان الأكثر تأثرا بقاعدة الكبح العالمية… شهدت ارتفاعا في معدلات الإجهاض، وكانت الكثير من العمليات غير آمنة”.
الحدّ من حدوث الحمل غير المقصود ، ممكن إذا وضعت البلدان سياسات داعمة ووفرت تثقيفا جنسيا شاملا
ويمكن تعلم الدروس من خلال دراسة مدى تأثير القوانين المقيدة على النساء والفتيات في بلدان أخرى، مثل كينيا وأوغندا، حيث كانت خدمات الإجهاض محدودة للغاية. ولا تستطيع معظم النساء والفتيات في كينيا وأوغندا تحمل تكاليف السفر إلى دول مثل جنوب أفريقيا، حيث قيود الإجهاض أقل صرامة، مما يتركهن أمام خيارات قليلة جدا.
وفي هذه الحالات، قد تُجبر النساء على الاستمرار في الحمل غير المرغوب فيه دون الاستعداد أو القدرة على رعاية هؤلاء الأطفال.
وتظهر الأبحاث أن الحمل غير المرغوب هو أحد عوامل الخطر المبكرة التي يمكن تحديدها لسوء معاملة الأطفال وإهمالهم. وتقبل العديد من الأمهات اللواتي يجبرن على الاستمرار في الحمل غير المرغوب فيه أطفالهن من البداية أو في نهاية المطاف، لكن البعض منهن، لن يفعلن ذلك. وهذا ما يخلق ظروفا تجعل الأطفال عرضة لنوع من الإساءة والإهمال.
كما لا يوجد سبب وجيه للتفاؤل بأن الحكومات التي تقيد الإجهاض ستفعل الكثير لمساعدة النساء الحوامل والأمهات، حتى أثناء إجبارهن على الاستمرار في الحمل غير المرغوب فيه. وعلى الرغم من أن كينيا وتكساس تنتميان إلى عالمين منفصلين، إلا أنهما تفتقران إلى شبكات أمان اجتماعي لحماية الحوامل والأمهات ومساعدتهن.
توصل تحقيق أجرته فوكس وبروبابليكا وتكساس تريبيون في 2019 عن خطر الحمل في تكساس إلى أن “الصورة التي تظهر هي نظام من التعقيد المذهل، مليء بالعقبات والشقوق، والذي يعطي الأولوية للأطفال على حساب الأمهات، ويحبط النساء والأطباء والقابلات، ويحفز الرعاية دون المستوى”.